الدكتورة العطّار: إنّها المحنة المروّعة… ولكنّها في المقابل التضحيات التي نقرأ فيها سيرة بطولات مذهلة

افتتح مساء الأحد الفائت في دار الأسد للثقافة والفنون في دمشق المعرض الوثائقيّ «سورية على مشارف الفجر»، تحت رعاية الرئيس الأسد، وبحضور عدد من الشخصيّات الرسميّة والحزبيّة ووزراء التربية والتعليم العالي والثقافة، والأمين العام للمجلس الأعلى اللبناني السوري، ورئيس جامعة دمشق، ورئيس اتحاد الكتّاب العرب، ومثقفين.

كلمة الافتتاح ألقتها الدكتورة نجاح العطّار، نائب رئيس الجمهورية، وهنا نصّ الكلمة القيّمة تنشره «البناء» كاملاً:

السادة الحضور

أيها الإخوة والأخوات

أحيّيكم باسم السيد الرئيس بشار الأسد رئيس الجمهورية العربية السورية، القابض على جوهر البطولة في شعبه، والمتصدّي بوعيه الكبير، وشجاعته المبدئية، لكل ما يُدبّر من مؤامرات عاصفة، تستهدف وطنه، وسيستمر في التصدي لها مهما تخفّى فيها الباطل بمسوح الحق.

وإذا كان المعتدون الإرهابيون قد فتحوا الجبهات كلها علينا، وبالأسلحة المتوافرة لديهم كلها، والتي يمدّهم بها غلاة المتآمرين، ناراً وإعلاماً، محلياً ودولياً، بالقتل والحرق والتدمير والنهب والسلب والاغتصاب والخطف، والاعتداء المتواصل على المدارس والجوامع والكنائس والمستشفيات والجامعات ومنازل الأبرياء والأطفال، مستندين فيما يفعلون إلى تجمّع غاشم من ركائز المؤامرة الكبرى ـ أميركا وتركيا والسعودية وقطر والبلد العربي الجار الأردن وبلدان أخرى عربية وأوروبية ـ فإن سورية، وبكل عنفوانها، تقف صخرة منيعة في وجه إمرار هذه المؤامرة، مهما كبر عتوّها.. وسيظلّ صوت الشعب يدوّي فيها، وراء جيشه وقائده، بحقيقة صار العالم يعرفها: لا تراجع أمام العدوان، ولا أمام الخطر والإرهاب، وثقتنا بالنصر الآتي كبيرة، والأكيد الأكيد أننا نقف صفاً واحداً ضد الإرهابيين التكفيريين، وإرهابهم الهمجي المدمر، وضد طائفيتهم العمياء، وادعاءاتها الباطلة، وضد التفريط بسلامة شعبنا وأمنه، ولن نخون الأمانة التي في أعناقنا أبداً، ومهما كان الثمن..

وإنها لمرحلة حاسمة.. وإنها لمرحلة شاقة..

ولم نقم هذا المعرض التوثيقي، في وطن عزيز، وحدته درعه، وإخاؤه حصنه، لنقول للناس ـ ما قاله بابلو نيرودا يوماً عن الدم في شوارع تشيلي، حين دعاهم لرؤيته، بل كان هدفنا أن نكون جميعاً شهودا على حجم الإجرام الراهن، ننحني أمام فجيعة ما يجري وعظمة المنافحين في جبه هذا الذي يجري، حين مشوا ـ قولة أبي ريشة ـ على هرج اللهيب بواسماً.. وتقهقر الناعي ولم يتقهقروا.

يذودون عن الحمى ويموتون من دون العرين.

وبصدق وأسى نقول: إنها المحنة المروعة، والمذابح الأشد رهبة، والأدعى ألماً وخشوعاً، بما سالت فيها من دماء، وما انطوت عليه من همجية، لكنها، في المقابل، التضحيات التي نقرأ فيها سيرة بطولات مذهلة، لجيش عقائدي، يُعلِّم الدنيا معنى المفاداة، يمضي ويقاوم ولا يساوم، وفي سمعنا صوته الذي يدوي وهو يحمل جراحه:

إنني مندوب جرح لا يساوم

علمتني ضربة الجلاّد أن أمشي على جرحي وأمشي ثم أمشي

وأقاوم

أيها الأخوة

إننا لا نعلق جراحنا أوسمة على صدورنا للتباهي.. فالجرح يباهي نفسه، قولة الجواهري، يتكلم فلنصغِ إذن بإجلال، إلى كلمات الذين لم يكن لديهم وقت ساعة الذبح ليقولوها، فاكتفوا بنظرة التحدي، تتجمد مأساة مروعة بين الأهداب، فيما البرابرة يمضون، والمدى الغادرة على الأعناق، والرصاص يحصد الأبرياء، وعيون الأطفال، من هلع، رواية للرعب، ستبقى فينا وفي عالمنا فصولها.

في معرضنا هذا يحار المرء في الحال التي يكون عليها: بين يحزن، يبكي، يشمخ، ينشد، أم يتوقف بعد ذلك أمام الدعوة الكريمة التي يتجاوز بها القائد والقيادة، هذا الوضع الأليم، غفراناً، ويدعو إلى مصالحة تغسل بعض الدنس عن مرتكبيه وتستعيد المغرّر بهم من أبناء هذه الأمة، كي يثوبوا إلى رشدهم، وتهتز ضمائرهم ومشاعرهم، ويعودوا إلى جادة الصواب، إلى الصراط السوي، أن يستقيموا على الطريقة، كما جاء في محكم التنزيل.

وتلك لعمري أنبل دعوة يوجهها قائد وقيادة، ونظل نأمل أن يهتدي الضالون.

ولكن ماذا نقول لأولئك الذين يمدّون أيديهم ضارعة لـ«إسرائيل» وأميركا، فعلة حكام عرب في السعودية والخليج والأردن؟

لقد توجّه الرئيس الراحل الكبير حافظ الأسد، منذ مؤتمر الطائف منادياً أولئك الضالين والمضلّلين، ولم تكن الأمور في فلسطين والقدس قد بلغت هذا الحد من الانهيار والتردّي، بقوله: «إن أولى القبلتين تستصرخنا، والمسجد الأقصى يستحث إسلامنا، وأهل فلسطين ينادوننا، كل يوم، ألا ننسى جريمة اغتصاب فلسطين.. وإن الولايات المتحدة ماضية في معاداة الأمة العربية، وهي مستمرة في تكثيف مساعداتها لـ«إسرائيل»».

ماذا نقول للحكام العرب الذين يتناسون كل معاني التضامن والأخوة والصلات التاريخية والثقافية وعلاقات الجوار؟

يتناسون ما بيننا وبينهم من صلاة إخاء وقربى، ونضال وثقافة، وتاريخ مودّات تكفي كي تجعل من التلاحم بيننا قضية حياة لا غنى عنها.

ماذا نقول لجامعة كان اسمها الجامعة العربية، ثم تحولت إلى شيء آخر، بعيد كل البعد عن تقاليدنا الراسخة، في النضال والتضحية من أجل تحقيق أهدافنا القومية، ومعالجة الهموم الوطنية، والانتصار لقضايانا الراهنة، وكان ينبغي أن تأتي سورية، ومعاناتها الأليمة، في طليعة اهتماماتها انتصاراً لها. سورية التي كانت، ولا تزال، الوهج المشع للقومية العربية وللقضية الفلسطينية. ولا أقول ماذا عن بعض المثقفين السوريين والعرب الذين انجرفوا وراء إغراءات الحياة ولم يعبأوا بما أصاب وطنهم من دمار وما عاث فيه من إرهابيين تكفيريين على اسم الدين.

ختاماً أقول:

يا أهل الشهداء صبراً

وصبراً أيها المشرّدون والمعذّبون..

وأنتم أيها الأحبّة، يا شهداءنا الميامين الذين اغتالتهم يد البربرية الهمجية، لتزدهر دماؤكم في دمائنا، فنحن وإخوتكم في السلاح وفي الكفاح، للجلّى عصب، وللنار وقد، وللحزن دمعة، وللثأر ساعد، ونحن والزمن، ونحن وهذه الحرب التي عمرها بدأ يجاوز الأربعة من الأعوام، وما زالت متضرّية، ونحن لسورية ولقائدها، حينما سورية وقائدها يحملان الجراح همّاً وقضية، ونضالاً وصبراً، وقراعاً بدأ يضعنا على مشارف فجر قريب، لنصر مؤزر..

الرحمة لشهدائنا، والنصر لجيشنا الباسل، وللمقاتلين معه، والمساندين له، والمجد كل المجد لقائدنا والسؤدد.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى