سيتعلّم الأميركيون في سورية معنى «دولة ذات سيادة»

ناصر قنديل

– كان الأميركيون يعرفون أنهم في مناخ الحرب على سورية، لن يستطيعوا العبث مع الدولة السورية، واستسهال انتهاك سيادتها بطياراتهم من دون طيار التي تسرح وتمرح منذ سنوات في سماء اليمن قبل زمن «الربيع العربي»، ومن دون تنسيق أو حتى إبلاغ الحكومة اليمنية وقواتها المسلحة، وكذلك يصير فضاء باكستان الدولة النووية، مستباحاً أمام الأميركيين، ومعه دماء المواطنين الذين تحصد أرواحهم غارات يُقال إنها تستهدف إرهابيين، وتتكرّر الانتهاكات وحكومة باكستان لا تجرؤ على المطالبة ببيان توضيح، فكيف باعتذار، والأكيد ليس وارداً التعامل مع الطائرات الأميركية كأهداف عدوّة.

– حدث الاختبار عندما جاءت الأساطيل إلى البحر الأبيض المتوسط، تمهيداً لما أسماه الرئيس الأميركي باراك أوباما، بالضربة التأديبية على ما وصفه تخطي الخطوط الحمر التي رسمها، ولم تلتزمها سورية، وكان كلّ الخطاب والاتهام مصنّعين لتبرير الحرب، لكن في النتيجة، وضعت مصداقية تهديدات الرئيس الأميركي وصار الأمر أشدّ تعقيداً من مجرّد استناده إلى أكاذيب، ففي الحرب على العراق جرت الأمور بهذه الطريقة، وعلى رغم ذلك كانت الحرب، لكن مع سورية سارت الأمور بطريقة مختلفة، فقد جاءت الأساطيل ورحلت من دون حرب، وفيما كان الأمر عنوانه تخطي خطوط حمر لرئيس الولايات المتحدة، لا يمكن تمريره من دون عقاب، وأن لا ربط بين مصير السلاح الكيماوي لسورية وبين ضرورة العقاب، ارتضت واشنطن تسوية للسلاح الكيماوي ورحلت، لتحفظ ماء وجهها، بينما لم ترتض حلاً مشابهاً في العراق على رغم قبول قادة النظام في العراق يومها التفاوض على أيّ ملفّ تطلبه واشنطن، وكان الجواب لكلّ وساطة، أنّ الأمر انتهى والحرب ستقع لأنّ العقاب أولاً وبعده يأتي الباقي. وكان الحلّ الوحيد الذي ارتضاه الرئيس الأميركي يومها، يرحل الرئيس العراقي ومن معه ويسلّم البلد. ولم يكن الرئيس الأميركي جورج بوش قد قال بالرئيس العراقي كلاماً يشبه ما قاله الرئيس الأميركي باراك أوباما عن الرئيس السوري، كفاقد للشرعية، والواجب أن يرحل، والذي باتت أيامه معدودة، وعلى رغم كلّ ذلك لم يجرؤ الرئيس الأميركي أن يربط عودة أساطيله من دون حرب برحيل الرئيس السوري، كما كان يتمنّى كلّ جماعة أميركا في المنطقة.

– الفارق هو أنه يوم أراد الأميركي جسّ نبض القرار والقدرة لدى سورية، بأول صاروخين، اختباريين، أسقطتهما الدفاعات السورية وسقطا في البحر، فعلم الأميركي أنّ الحرب هي الحرب، والفارق هو أنّ الضباط العراقيين أرادوا فعل الشيء نفسه فوجدوا صواريخهم لا تعمل، لأنّ نظام التشغيل الالكتروني قد تمّ تعطيله بوسائل التدخل الأميركية، بينما في سورية فنظام التشغيل موطن، والشيفرة وطنية، والحماية الأمنية للشبكة التي تدير الصواريخ وطنية، وكلها عصية على الاختراق. فلما ضغط الضباط السوريون أزرار التشغيل انطلقت صواريخهم وأسقطت الصواريخ الأميركية في البحر، ومعها سقط قرار الحرب.

– بعد تشكيل أميركا للتحالف الدولي للحرب على «داعش»، حاولت واشنطن التصرف على قاعدة أنّ الهدف المعلن لغاراتها باستهداف «داعش» يجعل الأجواء السورية مفتوحة أمامها خشية تحميلها مسؤولية دعم الإرهاب، فردّت سورية أنّ كلّ جسم يعبر أجواءها من دون موافقتها سيتمّ التعامل معه كهدف معاد، وبعد تدخل وسطاء دوليين، تمّ التوصل إلى تسوية موقتة، مضمونها، أن تبقى سورية تعتبر استخدام أجوائها من الطائرات الأميركية، عملاً غير قانوني، وأن يتولى الأميركيون إخطار سورية بقنوات وسيطة عبر سفيرها في الأمم المتحدة، بكلّ غارة وأهدافها، ومسارها، وسارت الأمور بهذه الطريقة، ولكن الأميركيين يظنون أنّ هذا التسهيل يستدعي تطبيقه، قراراً بامتناع الدفاعات الجوية السورية عن التحرك أمام أيّ جسم غريب في الأجواء خشية أن يكون طائرة أميركية. وهذا يفترض أن يستغله الأميركيون لتوسيع نطاق حركة طائراتهم البلا طيار لتجميع أوسع كمية من المعلومات الاستخبارية عن الجيش السوري ودفاعاته وخريطة انتشاره، ولم يضعوا في حسابهم أنّ الذي يجري هو العكس، فالدفاعات السورية مستنفرة وجاهزة للردّ وإسقاط أي جسم غريب ما لم يتمّ العكس، أي إبلاغها من قيادتها بموعد ومسار مرور طائرات متفق عليها لمهام معينة، فتراها وترصدها الرادارات وتبلغ عن قدومها وتصدر التعليمات بتركها تكمل مهمتها ومسارها.

– أراد الأميركيون جسّ النبض واكتشاف حدود التراخي السوري مع حركة طيرانهم في الأجواء، فغامروا بطائرة من دون طيار في أجواء منطقة، يعلمون أنها خارج النطاق التقليدي لغاراتهم، وربما قرّروا إذا نجحت الطائرة بالمرور بسلام استهداف موقع لـ»النصرة» في ريف اللاذقية، لتثبيت عرف التحليق من دون موافقة، والمرور والعبور والإغارة، من دون اتفاق مسبق في أيّ منطقة من سورية، فجاء الجواب، الطائرة سقطت بنيران الدفاعات الجوية السورية.

– تسقط الطائرة أولاً ثم نتحدث، وليس العكس الذي أراد فرضه الأميركيون كسابقة، تعبر الطائرة وتنفذ ما كلفتها به قيادتها وتعود وتعترض سورية، وتنتظر توضيحاً أميركياً.

– سورية دولة ذات سيادة، مفردة يجب أن يتعلّمها الأميركيون ليحفظوا الدرس جيداً، ولا يفقدوا الاتصال بطائراتهم كما وصف الذي جرى، الناطق بلسان الجيش الأميركي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى