سورية والاستحقاق الرئاسي … والشعب يريد
د. سليم حربا
يتحضّر السوريون للاستحقاق المهمّ والأهمّ في حياة البلاد وخوض المعركة الدستورية الديمقراطية التي لا تقلّ أهمية في إنجازها والانتصار فيها عن الإنجازات العسكرية، هذا الاستحقاق الذي يأتي تطبيقاً لدستور البلاد الذي كان ثمرة لعملية إصلاحية أطلقت العنان للتعدّدية السياسية، ورسّخت حق المواطن في الترشّح والانتخاب، لأهمّ منصب في الدولة، في انتخابات حرة وديمقراطية يكون فيها القول الفصل للشعب العربي السوري في اختيار من يمثله. والمشاركة الشعبية في هذه المعركة الديمقراطية واجب وطني لا يقلّ أهمية عن مشاركة المواطن المقاتل في مواجهة العدوان والإرهاب، فالمشاركة الوطنية في هذا الاستحقاق تعني أنّ الناخب سيتوجه إلى صناديق الاقتراع ليمارس حقه وواجبه وينتخب سورية التي يريدها ويحبها ويحميها.
هذا الصوت السوري الوطني الذي سيُترجم في صناديق الانتخاب إنّما يعبّر عن إرادة السوريين في التمسك بثوابتهم الوطنية وإصرارهم على مكافحة الإرهاب وتمسكهم بمعاني الصمود والانتصار، وأماني ومعاني إعادة البناء والإعمار، والوفاء لدماء الشهداء، والالتفاف حول حماة الديار.
بلى، هذه العملية هي استفتاء على الديمقراطية وانتخاب لشخص الرئيس المقبل، ويعكس هذا الاستحقاق الرئاسي في سياقه الزمني قوة الدولة السورية بأنها لا تزال دولة قانون ودستور ومؤسسات وإنجازات وإدارة وإرادة ودولة استحقاقات قائمة وقادمة، وإن هذا الاستحقاق الآن هو قرار وطني سيادي سوري غير قابل للطعن أو الاستئناف من أحد لا في الداخل ولا في الخارج، ويؤكد على الثقة والصدقية والالتزام والاحترام لخيار الشعب وإرادته في تطبيق الدستور الذي استفتى عليه الشعب وأقرّه.
يؤكد الواقع الشعبي والأمني وسياق عملية الترشح إلى منصب الرئاسة وعدد المرشحين والمزاج الشعبي العام والحاجة والضرورة والرغبة الشعبية في ممارسة هذا الاستحقاق وإنجاحه وممارسة الحق والواجب المواطني والوطني في الاستحقاق. فالوعي الفردي والجمعي السوري يرى الآن أنّ حق الترشح وحق الاقتراع وواجبه إنما هو استفتاء على الديمقراطية ورفض شعبي قاطع لمصادرة إرادة الشعب وحق التعبير الحرّ الديمقراطي. وتدلّ المؤشرات على أنّ العملية الديمقراطية باتت ثقافة ستترجم من خلال صناديق الاقتراع لأنّ المواطن السوري سيتوجه إلى صناديق الاقتراع في هذا الظرف ليمارس حقه وواجبه الشخصي والوطني ليختار سورية الدولة المنظومة الوطنية أولاً، ويختار النهج والمنهج، ويعزّز من قوة جيشه وانتصاره والتفافه حوله، ويختار ثوابته الوطنية ويظهّر جيناته الوطنية ويرفض الإرهاب والعدوان ويتمسك بهويته وقيمه وقيمته ويضع لبنة في مسيرته ومساره الوطني ويرسّخ معاني الانتصار وأماني الإعمار، ويقدم الوفاء إلى دماء الشهداء الأبرار، ويختار سورية الماضي الزاخر بالأمجاد والمستقبل الواعد، لذلك فإنّ صوت المواطن في صناديق الاقتراع لا يقلّ أهمية عن بندقية الجندي في مواجهة العدوان والإرهاب، لأنّ صوت الشعب الذي يعلو ولا يُعلى عليه هو الذي سيُصيب جوقة العدوان بالصمم، ولأنّ صوت الشعب هو صوت الحق الذي ما تمسك به أحد وضلّ الطريق.
سورية بوقعها وموقعها ودورها وبصمودها وانتصارها وموروثها تريد وتستحق أن تختار رئيسها وقائد مسيرة شعبها، وستختار بالعقل القادر على حمل وتوظيف معاني الانتصار وأماني الإعمار، والقادر على صون الأمانة وحفظ الوديعة وحماية الاستقلال والقرار الوطني السيد الحرّ المستقل الذي لا يأبه لتهديد ولا يهاب الأهوال ولا يفرّط بمبدأ أو حق، والقادر على قيادة نهج وطني عروبي مقاوم، قائداً استراتيجيّ الفكر، حافظاً ومحافظاً على الثوابت الوطنية، وباختياره وفوزه يتعزّز انتصارنا وتقوى شكيمتنا وعزمنا وإصرارنا على مكافحة الإرهاب، وباختياره نحفظ دماء الشهداء ضدّ كلّ مستعمر ونعزز الأمن والاستقرار، ونصيب مشروع العدوان والإرهاب بالضربة القاضية، ونسقط الأمراء والمتآمرين والمشيخات وأشباه الرجال.
لذلك تريد سورية وتستحق وستختار قائداً ورئيساً، وما أكثر الرؤساء وما أقلّ القادة، فالقائد يعبّر عن ضمير الشعب ويعبر به إلى شاطئ الأمان، ولنا في جمال عبد الناصر وحافظ الأسد الذي أنهى عصر النكبات والنكسات ورسم سفر النصر لأمّته أسطع مثال على ذلك، فالقادة يصنعون التاريخ ويتحمّلون المسؤولية التاريخية في الظروف المفصلية الاستثنائية التي سترسم معالم المنطقة والعالم لنصف قرن لاحق. قائد يعتبر المنصب مسؤولية وليس امتيازاً، قائد يعيش في الوطن ويعيش الوطن في قلبه وعقله وسلوكه بمائه وهوائه وترابه وإنسانه وعزته وكرامته وشموخه وسيادته، قائد يلتفّ حوله الشعب ويخشاه العدو ويفخر به الحليف والصديق، قائد في صمته كلام وفي كلامه برد وسلام، وفي أفعاله مسك ختام.
بلى، في هذا الظرف، مقام القيادة والرئاسة ليس موضع تجريب أو مغامرة، ولذلك فإن الشعب العربي السوري سيكسب المعركة الدستورية، وسينتخب، وسيكون له القول الفصل في سورية التي نريد ونستحق، وسيكون صندوق الاقتراع ونتيجته مزلزلاً ومدوّياً ليعلن انتصار سورية، كلّ سورية، وسيكون آخر المسامير في نعش العدوان والإرهاب.
أثبت الواقع والمقبل أنّ سورية جيشاً وشعباً وقيادة تمسك بزمام المبادرة والتزمت بتسليم نسبة كبيرة من مخزونها الكيماوي في وضع أمني أعقد مما نحن عليه الآن، رغم استماتة أطراف العدوان والإرهاب على إفشال ذلك، وما محاولات أطراف العدوان إشاعة الغمام والضباب والنعيق والنهيق والاتهام إلاّ لعب في الوقت الضائع وقتال تراجعي وانسحاب استراتيجي، فهم يرون إرهابهم يتحطم، وهم مرعوبون من أن يقول الشعب السوري كلمته لأنّ صوت الشعب العربي السوري الذي يعلو ولا يُعلى عليه أصابهم وسيصيبهم بالصمم، لذا سننتخب ما نحتاج إليه ونريده ونستحقه، وسيكون قائد ورئيس، فما أكثر الرؤساء والملوك والأمراء… وما أقلّ القادة.