«داعش» و«النصرة» إلى الوراء درّ…
جمال الكندي
تتوالى أخبار الانتصارات الكاسحة من أرض المعارك في العراق وسورية، على مسامع أميركا وحلفائها في المنطقة، وترتفع أصوات العويل والصياح عبر قنواتهم الإعلامية التي تحاول أن تقلل من حجم الإنجازات العسكرية وأن تغلفها بالغلاف الطائفي، وخصوصاً في العراق.
إنّ التقدم العسكري في العراق وعنوانه العريض «تحرير محافظة صلاح الدين من الدواعش» وجعلها منطلقاً لتحرير باقي المناطق، كوّن حلفاً جديداً حاولت أميركا وأدواتها تأخير ظهوره أو إضعافه، عبر تضخيم الدور الإيراني وإبرازه بأنه جاء عبر الحشد الشعبي للسيطرة على المنطقة، لكنّ إرادة العراقيين كانت فوق الجميع بعد أن تكاتفت العشائر السنية مع الحشد الشعبي والجيش العراقي لمواجهة عدو واحد زُرع لخلق فتنة طائفية يلج منها الأميركي وعملاؤه في الجسم العراقي ويتدخل بذريعة محاربة الإرهاب.
«نحن مع أخوة العقيدة والوطن في الحشد الشعبي»، قالتها العشائر العراقية، فشكلت بذلك حلفاً مقدساً وضع مصلحة العراق في المقام الأول، وعبر بها برك ومستنقعات الفتن الطائفية التي حاولت أميركا ومن معها افتعالها منذ ظهور الوحش «الداعشي» في المحافظات العراقية ذات الأكثرية السنية.
انقلب السحر على الساحر، فوصفة «داعش» لقلب المنطقة على حلف المقاومة، لم تنفع الأميركيين، لسبب بسيط، هو أنّ التنظيم الإرهابي لم يميز بين أحد، فكلّ من خالفه، سواءً من المكون الشيعي أو السني أو المسيحي تمّت تصفيته، لذلك غابت البيئة الحاضنة التي ينطلق منها لنشر مبادئ دولته المزعومة، وكسرت شوكته وشوكة من يموله بالمال والعتاد، وها هي بشائر النصر تلوح في العراق ولن يوقف أحد انتصارات الجيش العراقي مع الحشد الشعبي والعشائر العراقية، فالعنوان القادم بعد صلاح الدين «معركة الحسم» في الأنبار ونينوى.
الحال في سورية لا تختلف عنها في العراق ونحن نسمع عن الإنجازات العسكرية كلّ يوم، على امتداد الجغرافية السورية ، وها هي «جبهة النصرة» التي تحاول أميركا وحلفاؤها وضعها ضمن «المعارضة المعتدلة»، حسب توصيفهم، تخسر «قادتها» في الجنوب السوري بعمليات تكتيكية استخبارتية تخترق جسمها القيادي، ما يؤكد أنّ الجيش السوري في كامل جهوزيته وحاضر في الميدان بعد أربع سنوات من محاولات استنزافه.
فاجأ التقدم السوري الأخير في جميع جبهات القتال المحور الأميركي، وما التخبط في التصريحات الأميركية مؤخراً، إلا دليل على ذلك، فعندما يخرج أحدهم ليقول: «سوف نحمي المعارضة المعتدلة التي ندربها»، وبعد أيام يصدر تصريحاً آخر يناقض التصريح الأول مفاده أنّ الإدارة الأميركية لا تسعى إلى هدم النظام السوري ومؤسساته، بل تسعى إلى التحاور مع الرئيس بشار الأسد لحلّ الأزمة السورية، وأنّ الخيار العسكري سقط في سورية، ما يدلّ على غياب الاستراتيجية الواضحة لدى أميركا في المنطقة وتخبطها، بسبب الإرهاب الذي بات يهدّد الغرب عبر الإرهابيين الأجانب العائدين إلى أوروبا.
إنّ بوادر الحسم في العراق وسورية تلوح في الأفق، وتراجع الأميركيين عن تصريحاتهم الأخيرة بشأن النظام السوري، يوحي بأنهم أصبحوا شبه مقتنعين بأنّ الرئيس الأسد هو صمّام الأمان لسورية ولا بدّ من التعامل معه وهو يتمتع بشعبية واسعة وتأييد كبير، والكلام المكرّر بأنه فاقد للشرعية أصبح للاستهلاك المحلي والخليجي فقط .
«داعش والنصرة إلى الخلف درّ»… فشلت أدوات أميركا في تغيير الواقع في العراق وسورية، ستتغير المعادلات وقد بدأت الاستدارة الأميركية تظهر ببطء. ففي العراق لم يجد الأميركيون وسط اللحمة الوطنية الكبيرة بين جميع المكونات العراقية في محاربة «داعش» إلا التسليم بالأمر الواقع وإعلان فشل المخطط الطائفي الذي كان معدّاً لهذا البلد. أما بالنسبة إلى المدة التي حدّدوها للقضاء على «داعش» والتي تراوحت بين ثلاث وعشر سنوات، فها هي تتبخر أمام الزحف الكاسر للقوى الوطنية العراقية، ولم تنفع المحاولات الأميركية لمساعدة «داعش»، من خلال المطالبة بوقف الضربات الجوية أو بمساعدته ميدانياً، أمام إرادة شعب يريد أن يعيش بكرامة وعزة ومحبة بين جميع مكوناته من دون تدخل دولي أو إقليمي في شؤونه الداخلية.
وفي سورية، سقطت ورقة إسقاط العاصمة دمشق من الجنوب، وتقطعت أوصال الإرهابيين في الأرياف الجنوبية الثلاثة القنيطرة ودرعا ودمشق ، وفشل مشروع غرفة العمليات المشتركة «موك» لخلق خاصرة رخوة تكون منطلقاً لإسقاط دمشق، بعد أن غيرت سورية ومعها قوى المقاومة خارطة سيطرة المسلحين، وأربكت العدو الصهيوني الذي طالب برجوع قوات «أندوف» إلى الشريط العازل بين سورية وفلسطين المحتلة.
إنّ التقدم النوعي في العراق وسورية، مع قرب توقيع الاتفاق النووي مع إيران، سيرسم خارطة جديدة للشرق الأوسط، مغايرة تماماً لما كان يعدّ للمنطقة بعد الربيع العربي ، وها هي الدول التي أرادت أميركا وحلفاؤها إضعافها وتقسيمها، تفرض أجندتها الوطنية وتغير المعادلة، وتفرض على واشنطن إعادة النظر في حساباتها.