من يجرؤ على تحميل قطر وتركيا المسؤولية؟
ناصر قنديل
– في بيان لا قيمة له في السياسة، حمّل الاتحاد الأوروبي «داعش» مسؤولية الهجوم الإرهابي الذي ضرب العاصمة التونسية يوم أمس، وأسفر عن سقوط عشرات الأوروبيين من زوار تونس، بين قتيل وجريح، ومعلوم أنّ الدول الأوروبية الفاعلة تشارك في التحالف الدولي للحرب على «داعش»، ولا أحد يحمّل فريقاً هو في حالة حرب معه مسؤولية استهدافه، بما يعنيه تحميل المسؤولية، من تهديد بتحميله تبعات الاعتداء، وسقف هذا التهديد هو إعلان الحرب، المعلنة أصلاً بين الفريقين.
– قبل أوروبا تعرّضت مصر لعدوان أودى بحياة واحد وعشرين من مواطنيها ذبحاً، بصورة مهينة لدولة بمكانة مصر تقع على حدودها، جريمة مدوية تستهدف مواطنيها، ولا تملك إلا تحميل «داعش» مسؤولية الجريمة والقيام بمجموعة من الغارات الجوية التي انتهى السماع بنتائجها، مع اليوم الأول لحدوثها، كما انتهى سيناريو تصفية الحساب مع الإرهاب المهيمن على ليبيا، والذي تتصدّره «داعش»، بعدما تحوّل الطلب المصري لتحالف تتولى قيادته لتحرير ليبيا من الإرهاب، إلى مصدر ضغوط تعرّضت لها مصر، بداية من رفض منح طلبها من التغطية العربية الشاملة بتمنّع قطر عن المشاركة، وإصرار دول الخليج على التصدّي لتحميل مصر لحكومة قطر مسؤولية التعطيل والتخريب، ووقوفهم إلى جانب قطر، وفي المقابل قيادة أميركا حملة تجويف الطلب المصري بمنح الأولوية في ليبيا لحلّ سياسي محوره، إشراك «الإخوان المسلمين»، في الحكم، والمعلوم أنّ «داعش» يقيم قواعده الخلفية في تركيا، وأنّ «الإخوان المسلمين»، يخفق قلبهم في اسطنبول التركية، فتكون الضربة بيد تركية، وتلقي العائدات بيد تركية أخرى.
– المسؤولون التونسيون يقولون علناً إنّ العملية الإرهابية التي استهدفت بلدهم، جاءت عبر الكوريدور المفتوح من تونس إلى ليبيا والذي ينتهي في تركيا حيث نقطة التحويل من وإلى سورية والعراق بالنسبة للتونسيين الذين يعملون مع «داعش» في الحرب على سورية، ولا يخفى أنّ الثنائي ليبيا وتركيا، سيتكرّر في كلّ رسم لخريطة الإرهاب الجغرافية، كما الثنائي «داعش» و«الإخوان المسلمين»، سيتكرّر في كلّ رسم لخريطة الإرهاب السياسية، ونقطة التقاطع في السياسة والجغرافيا تبقى في كلّ محاولات الرسم تركيا.
– في سورية لا يحتاج المرء إلى التدقيق كثيراً في الإجابة عن سرّ قوة «داعش» و«النصرة» شمال سورية، كتنظيمين إرهابيين مصنفين لدى الأمم المتحدة والغرب كله، وخصوصاً أوروبا وأميركا، وتمركزهما على النقاط الحدودية بين سورية وتركيا، وتحوّل مواقع «داعش» نحو المحافظات الحدودية في الرقة ودير الزور والحسكة، وهي المناطق ذات البيئة الاجتماعية المختلطة التي لا تشبه في شيء البيئة الحاضنة لـ«داعش» أو من تدّعي أنها وجدت لحمايتهم، بينما المناطق التي يمكن توقع اهتمام «داعش» و«النصرة» بها، أو العكس اهتمامها بـ«النصرة» و«داعش»، فالوجود لكليهما فيها هزيل كحمص وحماة، والسبب ببساطة بعدهما عن الحدود التركية، بينما أرياف إدلب وحلب، يمكن أن تتحوّل إلى قلاع عسكرية لهما على حساب تشكيلات «الجيش الحر» الذي تبخر على أيديهما، والسرّ هو القرب من الحدود التركية.
– في العراق، على رغم المكانة المحورية لمحافظة صلاح الدين وفي قلبها تكريت، بالربط والوصل بين المناطق التي سيطر عليها تنظيم «داعش»، وعلى رغم التمركز السكاني الوازن فيها وتركيبتها الطائفية، ما يؤهّلها لتكون عاصمة الإمارة، نزح قادة «داعش» نحو الموصل الواقعة على أطراف الإمارة كنقطة حدودية معرّضة للنيران من الميليشيات الكردية، والمتعددة طائفياً، والتي لا يميّزها سوى أنها المدينة الأقرب إلى الحدود العراقية مع تركيا، فيتخذها الأمير عاصمة للإمارة.
– لبنان حيث يحتجز عناصر «داعش» و«النصرة» عسكريين لبنانيين، بعدما ذبح عدداً منهم، تشكل قطر وتركيا الوسيط المقبول من الإرهابيين، وتدور معهما أو عبرهما المفاوضات، وقطر لم تتردّد في الإعلان رسمياً عن سعيها لإقناع «النصرة» بفك علاقتها بـ«القاعدة»، لتعويمها تحت عنوان «المعارضة السورية المعتدلة»، وتركيا أعلنت جهاراً في وقت سابق عن توصل استخباراتها لتسوية مع «داعش» انتهت بالإفراج عن عشرات الرهائن الأتراك، ومنذ يومها لم يفرج «داعش» عن رهينة اختطفها، وكان الذبح والحرق مصيرهم جميعاً.
– فرنسا التي تعرّضت عاصمتها لعملية إرهابية مدوّية، تكتشف أنّ تهريب منسّقة أعمال المجموعة التي استهدفتها، والمسؤولة عن شؤون التمويل فيها حياة بومدين، جرى تهريبها من الحكومة التركية، من باريس إلى اسبانيا فتركيا فسورية.
– التقارير الغربية عن علاقة تركيا وقطر بكلّ من «داعش» و«النصرة»، ومسؤوليتهما عنهما، في مرحلة ما بعد إعلانهما تنظيمين إرهابيين، لا تحصى ولا تعد، من تقارير صحافية واستخبارية، وصولاً إلى الكلام المعلن لمسؤولين غربيين.
– على رغم كلّ ذلك باستثناء سورية، لا يجرؤ أحد على إعلان تحميل تركيا وقطر مسؤولية الدماء النازفة على يد الإرهاب، ومعلوم أنّ تحميل تنظيم إرهابي سري لا يمسك جسمه، ولا تفيد في إيلامه العقوبات، يشكل لعبة مضحكة، فيما يشكل سؤالاً محيّراً التهرّب من تحميل دولة مثل تركيا أو قطر هذه المسؤولية، والتهديد بقطع العلاقات معهما، وإجبارهما بقرار من مجلس الأمن وفقاً للفصل السابع، بقطع كلّ صلة بهذين التنظيمين، على رغم أنه ورقة قوة يحجم أصحابها عن استخدامها، بل تضع أميركا ثقلها لنقل الأهداف التركية القطرية من عمليات «داعش»، لتعويم «الإخوان المسلمين»، إلى مستوى جعلها جدول أعمال للمبعوث الأممي، لحلّ الأزمة الليبية، وربما السورية والعراقية غداً عبر السعي إلى مقايضة موقف تركي يغلق الحدود وشرايين الإمداد على «داعش» و«النصرة» مقابل، شراكة سياسية للإخوان في الحلّ السياسي، كمثل أن نرى المطالبة بعودة طارق الهاشمي نائباً للرئيس إلى بغداد، أو المطالبة بشراكة خالد خوجة في حوارات موسكو.
– واشنطن ومن خلالها تركيا وقطر، يتحمّلون مسؤولية الدم النازف من العمليات الإرهابية، ومن تهمّه دماء مواطنيه يكفي أن يقولها بالفم الملآن، من دون تذرّع بمقتضيات السياسة لبيع الدم.