رسالة مفتوحة إلى القادة العرب في قمة شرم الشيخ آذار 2015
د. جورج جبور
السادة أعضاء القمة العربية:
أحييكم، بالاحترام المناسب، من سورية الجريحة المتعافية، وأضع على جدول أعمالكم، بقدر ما أملك من قدرة إقناع، بنداً يفرضه عليكم تاريخ جامعة الدول العربية، ولا سيما منه تاريخ مؤتمرات القمة بدءاً من أولها في أنشاص عام 1946.
عنوان البند: «الاهتمام بمئوية وعد بلفور»
وانشغالي بمحاولة إقناع القمة وضع هذا البند على جدول أعمالها قديم يعود الى عام 2007. وقد يكون معروفاً لديكم، او لدى بعضكم، أو لدى الأمين العام الحالي للجامعة، لأن الأمين العام السابق للجامعة، السيد عمرو موسى، قدّم للطبعة الثانية من كتابي: وعد بلفور دمشق، الطبعة الثانية، تشرين الأول أوكتوبر 2007 ، ولأنه، تنفيذاً للتقديم وتجاوباً مع روح الكتاب، بدأ منذ ذلك التاريخ تقليداً جديداً في عمل الجامعة، هو إصدارها بياناً سنوياً عن الوعد في الثاني من الشهر الحادي عشر من كلّ عام.
لم يعد يفصلنا عن مئوية وعد بلفور إلا أقلّ من سنوات ثلاث. والمناسبة تاريخية ثقافية إعلامية سياسية بامتياز. سوف ينشغل بها العالم. هي تخصّنا قبل غيرنا، فما أحرانا أن ننشغل بها ونهيّئ لها منذ الآن.
لن أثقل عليكم بتعداد الكثير مما يمكن القيام به في مجال تبيان الظلم الذي أوقع بالشعب الفلسطيني نتيجة ذلك الوعد. أكتفي هنا بذكر نقاط خمس، يحسن أن تكون في جوهر الاهتمام بالمئوية، ثلاث منها تخصّ التاريخ، واثنتان منها للعمل منذ هذه اللحظة.
أولاً: «إسرائيل»: أليست روديسيا آسيوية؟ يتولد هذا الانطباع من رسالة خطها هرتزل في عام 1902 إلى رودس، منشئ روديسيا البائدة وهي في نصف منها دولة زيمبابوي. يقول هرتزل في رسالته: لو كانت آسيا الصغرى في نطاق اهتمامك يا رودس، لكنت نفذت المشروع الصهيوني الذي أدعوك إلى تبنّيه على نحو ما نفذت به مشروعك في أفريقيا. عند هرتزل: المشروعان شقيقان بل توأمان. لو اهتمّ رودس بآسيا الصغرى ونفذ، لكان من الممكن لاسم فلسطين أن يصبح روديسيا لا «إسرائيل».
ثانيا: الرئيس ويلسون والد مشارك في الوعد. هو أيضاً صاحب مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، وهو أيضاً الناقم على الاتفاقات السرية ومنها اتفاقية سايكس ـ بيكو الممهّدة لوعد بلفور، وهو موفد بعثة كينغؤ- كرين إلى بلاد الشام لاستطلاع رأي السكان في أمر مستقبلهم. لا يمكن التوفيق بين إجازة ويلسون مسودة الوعد وبين ثوابت سياسته المعلنة. إشهار هذا التناقض مفيد في ترسيخ إدراك أعمق لمحركات السياسة الأميركية، ولا سيما في المنطقة العربية. ولنلاحظ أنّ الثقافة العربية العامة لا تزال تعبّر عن الإعجاب بويلسون في تبنّيه مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، وهو موقف صائب، لكنها تهمل عادة ما هو موقف صائب أيضاً، ومؤدّاه أنه كان هو نفسه أساسياً في حرمان الشعب الفلسطيني من حقه في تقرير مصيره بنفسه. لم يصدر وعد بلفور إلا بعد إجازة ويلسون له. لا نجانب الحق إنْ قلنا إنّ الرئيس الأمريكي والد مشارك في وعد بلفور.
ثالثا: تصريح بلفور العنصري عام 1919 عن سمو الصهيونية التي يبرّر لها ممارسة العنصرية القاتلة على الفلسطينيين. أتى هذا التصريح بعد إصدار الوعد بعامين، ومؤدّاه أنّ الصهيونية مهما كانت، مصيبة أو مخطئة، إنما هي قيمة سامية من قيم الحضارة الغربية، وينبغي الأخذ بها دون الالتفات إلى رغبات سبعمائة ألف من سكان فلسطين. كان لهذا التصريح دوره في إقناع عصبة الأمم بالموافقة على ما أصبح صك الانتداب على فلسطين في عام 1922.
تلكم نقاط ثلاث تاريخية ثقافية إعلامية سياسية يحسن أن يكون إشهارنا العالمي لها في جوهر عملنا المبرمج إذ نستعدّ لمئوية الوعد. ولا ريب أنّ هذا الإشهار مفيد معنوياً في تغذية وعي دولي يؤدّي في النتيجة إلى إبلاغ الفلسطينيين بعض حقوقهم. ولنتذكر: بحسب القانون الدولي كان الاسترقاق شرعياً وكذلك كان الاستعمار، بطلا. تبدّلت الأزمان وتبدّلت معها الأحكام.
تلكم نقاط ثلاث هي غيض من فيض وآتي إلى نقطتي العمل المستحسن القيام به من هذه اللحظة.
النقطة الاولى: يجب تشجيع فكرة المطالبة بالإعتذار عن الوعد. هي فكرة جليلة ينهض بشرف القيام بها حشد من المتطوّعين على امتداد العالم. أحييهم.
النقطة الثانية: يحسن حث الهيئات الثقافية العربية، وفي طليعتها اتحاد الجامعات العربية، لتنفيذ اقتراح وافقت عليه، عام 1989، الدول العربية والأفريقية، من خلال التعاون بين منظمتيهما، بإنشاء مؤسسة لدراسات الاستعمار الاستيطاني المقارن في العالم. كانت لي عن عملية التنفيذ رسالة في 15 كانون الثاني يناير 2007 إلى أمين عام الجامعة، وكان جواب عنها في 8 آذار مارس 2007. ولا ريب أنّ الرسالة وجوابها محفوظان في ملفات الجامعة. قدّمت الاقتراح إليكم عبر الحكومة السورية، عام 1971. والتفاصيل الدقيقة يتضمّنها كتابي: «نحو علم عربي للسياسة» دمشق، الطبعة الثالثة، 2010 .
السادة أعضاء القمة العربية:
كلمة ختام بسيطة: عنوان البند الذي أضعه على جدول أعمالكم: «الاهتمام بمئوية وعد بلفور». بل أنتم تضعونه. بل يضعه على جدول أعمالكم ضمير الإنسانية فيكم، وتضعه أيضاً المادة الأولى في العهدين الملزمين من شرعة حقوق الانسان.
يرحّب الكاتب بالتواصل مع من يشاء من القراء الكرام إلى إيميل: drjabbour gmail.com
أو عبر الهاتف الجوال: 464 363 944 00963
أو الهاتف الثابت: 6617166 11 00963