طبارة: أميركا تعيش صراعاً على ملفات عدة بين الكونغرس الجمهوري والرئيس الديمقراطي
حاورته روزانا رمال
أكد سفير لبنان السابق في الولايات المتحدة الأميركية الدكتور رياض طبارة «وجود صراع غير مسبوق في أميركا سيتطور في المستقبل بين الكونغرس الجمهوري وبين الرئيس باراك أوباما الديمقراطي في موضوع المفاوضات النووية والملف السوري بسبب تأثر الكونغرس في شكلٍ كبير باللوبي الصهيوني».
وبيّن طبارة أن «كل رئيس جمهورية أميركي في السنتين الأخيرتين من ولايته يبحث عن الإرث ويحاول أن يترك شيئاً للتاريخ»، لافتاً إلى أن أوباما حاول تحقيق إنجاز في المجال الصحي وفي موضوع المهاجرين غير الشرعيين وقضية السلام العربي – «الإسرائيلي» لكنه فشل، لذلك لم يبق له إلا الإتفاق مع إيران حول النووي.
وأشار طبارة إلى وجود «معارضة قوية لأوباما لعدم توقيع الإتفاق مع إيران من الكونغرس واللوبي الصهيوني ومن حلفائه الفرنسيين في مجموعة الـ 5+1 و«إسرائيل» والسعودية وتركيا»، فيما «الشركات الأوروبية والاميركية الكبيرة تنتظر الإتفاق لتعيد العلاقات الإقتصادية مع إيران لأنها بلد غني».
وأشار إلى أن «ما تغير في السياسة الأميركية في سورية هو أمران أساسيان: الأول أن الأولوية الأميركية في سورية انتقلت من إسقاط الرئيس بشار الأسد إلى محاربة الإرهاب. والأمر الآخر، هو ضرورة الحفاظ على المؤسسات السورية وعدم ارتكاب الخطأ نفسه في العراق»، مؤكداً «وجود قناعة لدى واشنطن بأن الأسد يمثل شريحة من الشعب السوري ويجب التفاوض معها وإدخال «المعارضة» كشريك في الحكم».
وشرح طبارة موقف حلفاء أميركا من الإتفاق مع إيران، معتبراً أنهم «يطالبون بحل ملفات أخرى تتعلق بعلاقات إيران بالجوار بالتزامن مع حل الملف النووي والطريقة هي بعدم تعليق العقوبات قبل حل هذه المشاكل».
وفيما يلي نص الحوار:
نبدأ حوارنا بكلام وزير الخارجية الأميركي جون كيري الذي أعلن عن ضرورة التفاوض مع الرئيس بشار الأسد لحل الأزمة السورية، هل فعلاً هذا التصريح صدر بظروف الإتفاق الأميركي – الإيراني في المفاوضات النووية أم حان الوقت لكي يقوله؟
– الوزير كيري مشهور بهفواته، فهو قال في مقابلته الأخيرة: يجب تطبيق قرارات «جنيف- 1» وسألته المحاورة في قناة «سي بي أس» «أنت تعني الرئيس بشار الأسد» قال لها: «نعم» ولكن الناطقة باسمه جيم بساكي أوضحت في ما بعد في تصريح أن «كيري لا يعني المفاوضات مع الأسد شخصياً ولكن مع ممثلين عن النظام»، ولكن نسيت أن تقول ما كان يقوله المسؤولون الأميركيون لا سيما أوباما بأن لا مستقبل للأسد، ثم صرحت مساعدة بساكي مارهارف بعد ساعتين بأن ليس للأسد مكان. هم حاولوا أن يصححوا هفوة كيري بأقوى لهجة على أساس أنها هفوة، فهل هذا «جس نبض» من أوباما ولاقى إعتراضات قوية من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وفرنسا ووزير خارجيتها لوران فابيوس قال إن هذا التصريح لا يعني تغييراً في السياسة الأميركية، لكن طلب التفاوض مع ممثلين عن النظام في سورية لا يغيّر شيئاً لأنه في «جنيف- 2» ذهب الوفد السوري برئاسة وزير الخارجية وليد المعلم، وهذا يتعارض مع موقف أوباما الذي كان يردد بأن الأسد فقد شرعيته.
تصريحات كيري ترافقت مع المفاوضات النووية ومع زيارة وفد أميركي إلى دمشق وكان من ضمنه الديمقراطي رمزي كلارك كما سبقه وفد فرنسي، فكيف يكون تصريح كيري غير مرتبط بذلك؟
– كلارك هو ناشط أميركي في حقوق الإنسان ومعارض للدولة فهو يذهب كشخص، لكن الوفد الذي ذهب أخيراً إلى دمشق هو وفد الكونغرس والرئيس الأميركي لا يمون عليهم ولا يمثلون السياسة الخارجية الأميركية بل يمثلها رئيس الجمهورية، لكن ما بات واضحاً هو وجود صراع غير مسبوق في أميركا سيتطور ويقوى في المستقبل بين الكونغرس الجمهوري وبين الرئيس «الديمقراطي» ولكن مشكلة الرئيس أوباما هي وجود قسم من الديمقراطيين في الكونغرس يصطفون مع الجمهوريين في موضوع المفاوضات النووية وفي الملف السوري، لأن الكونغرس يتأثر في شكلٍ كبير باللوبي الصهيوني، لذلك في الملف النووي يوجد عدد كبير من أعضاء مجلس الشيوخ الذين أعدّوا قراراً بزيادة العقوبات على إيران، ومنهم ديمقراطيون وهذا الأمر المزعج لأوباما نظراً الى ضغوطات اللوبي الصهيوني.
أعتقد أن المعركة فتحت بين الجمهوريين في الكونغرس ورئيس الجمهورية الذي قال: سأعقد اتفاقاً مع إيران حول النووي وسأعلق العقوبات ضدها لأن الرئيس لا يستطيع إلغاء العقوبات بل يستطيع تعليقها لكن الإيرانيين يريدون إلغاء العقوبات في الكونغرس وليس فقط تعليقها من قبل الرئيس، وعندما وجدت إيران صعوبة في ذلك اقترحت أن يذهب أوباما إلى الأمم المتحدة لأخذ قرار من مجلس الأمن ليصبح قراراً دولياً.
إذا كانت هذه المعارضة الشديدة من الكونغرس ماذا يفعل أوباما ماذا يريد وما هي اجندته، فهو يواجه الجميع، هل يتحدى الولايات المتحدة؟
– الرئيس له صلاحيات واسعة، إذا استعمل «فيتو» على أي قرار من مجلس الشيوخ أو مجلس النواب يستطيع تعليقه وحينها يحتاج إلغاء القرار إلى ثلثي عدد أعضاء الكونغرس والرئيس يستطيع أن يعلق قرارات الكونغرس لتطبيقها في الوقت المناسب، وكل رئيس جمهورية في السنتين الأخيرتين من ولايته يبحث عن «الإرث» فهو يحاول أن يترك شيئاً للتاريخ وحاول أوباما تحقيق إنجاز في المجال الصحي لكنه فشل، كما حاول مسامحة المهاجرين غير الشرعيين ولكن المحكمة أوقفت هذا المشروع، كما فتح قضية السلام العربي «الإسرائيلي» وفشل. وفي قضية كوبا طرح إزالة العقوبات والآن إذا أراد تعيين سفير في كوبا يحتاج إلى موافقة الكونغرس، لذلك لم يبق له إلا الاتفاق مع إيران حول النووي كما اعتبر الرئيس السابق ريتشارد نيكسون فتح العلاقات مع الصين إنجازاً وإرثاً له، لكن المعارضة لأوباما قوية ليس فقط من الكونغرس بل من اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة ومن حلفائه الفرنسيين في مجموعة الـ 5+1 و«إسرائيل» والسعودية وتركيا.
هذه الملفات التي يخوضها أوباما وأهمها المفاوضات مع إيران وهذه المعارضة له، هل هذا يعني أنه إذا جاء خلف لأوباما ربما ينقض الإتفاق أم توجد ضمانات معينة أنه جدي وحقيقي؟
– الاتفاق موقت سيسير ويطبق لكن دائماً توجد طريقة لنقضه مستقبلاً، لكن الطرفين يحاولان أن يكون هذا الاتفاق دائماً والكونغرس أرسل رسالة تحذير لإيران بأننا سنسقط هذا الاتفاق. لذلك المعركة قادمة ولا أحد يعرف متى تنتهي وأوباما يتعرض لدعاوى من الكونغرس بأنه تخطى صلاحياته باستعمال حق النقض «الفيتو» مرات متعددة ما يعرضه للمساءلة. والرئيس له حق أيضاً باستعمال القرار الرئاسي من دون العودة الى الكونغرس لكن يجب وجود سبب لذلك، مشكلة أوباما في تاريخه السياسي هي الصعوبة في اتخاذ قرارات لكن الآن هو مندفع في ما خص الملف النووي ربما بسبب «الإرث».
ماذا غيّر أوباما في السياسة الأميركية هل كسر المحرمات؟
– عندما جاء الرئيس السابق جورج بوش إلى الحكم حاول حل المشاكل بالحروب في أفغانستان ودخل إلى العراق ولو لم يتعثر ويفشل في العراق لكان دخل إلى إيران وإلى سورية. أما أوباما فقد جاء بسياسة معاكسة لكل سياسة بوش ومدّ اليد لكل الأخصام لحل المشاكل بالتفاوض والحوار. مدّ اليد إلى روسيا ويعتبر الآن أنه نجح في كوبا لأنه أعاد العلاقات معها بلا حروب. الشركات الأوروبية والاميركية الكبيرة تنتظر الإتفاق لتعيد العلاقات الإقتصادية مع إيران لأن إيران بلد غني خصوصاً بعد العقوبات بات لدى إيران حاجة كبيرة جداً لقطع الغيار والآلات وعندما يتم الاتفاق جميع هذه الشركات ستفتح العلاقات مع إيران وتتنافس في ما بينها.
الأمر المهم الذي تغير في السياسة الأميركية هو في سورية من خلال نقطتين أساسيتين: الأولى أن الأولوية الأميركية في سورية انتقلت من اسقاط الأسد إلى محاربة الإرهاب، لذلك يريد أوباما تدريب مقاتلين من «الجيش الحر» لقتال «داعش». النقطة الأخرى، كما قال مدير الـ«سي آي أي»: «أننا نريد الحفاظ على المؤسسات السورية ولا نريد ارتكاب الخطأ نفسه في العراق». وهناك قناعة لدى أميركا بأن الأسد «يمثل شريحة من الشعب السوري ونريد التفاوض مع هذه الشريحة التي يمثلها ونريد أن ندخل المعارضة كشريك في الحكم»، وفي السابق كان أوباما يقول إن الأسد فقد شرعيته ويجب أن يرحل واليوم اقتنع بأنه من الصعوبة إزالته لأنه يمثل شريحة كبيرة من الشعب السوري لذلك يجب أن يكون من ضمن المفاوضات أو من ينوب عنه.
إذا عدنا إلى تصريح كيري، يقول إنه يجب تعزيز العملية الديبلوماسية في سورية. ماذا يقصد؟ هل عودة السفارات والموفدين الرسميين بين الغرب وسورية؟
– أعتقد أنه يقصد «جنيف – 3» لأن الهدف الأميركي اليوم هو انعقاد هذا المؤتمر وهذا منسق مع روسيا. وقال كيري في تصريحه إننا سنضغط بكل قوتنا على النظام في سورية وسنطلب من أصدقائنا أيضاً الضغط على الأسد لإجباره على المجيء إلى الطاولة ليفاوض. فأميركا تحاول تكرار «جنيف-2» مرة ثالثة لتطبيق «جنيف- 1» والحل الديبلوماسي يعني تحييد الحل العسكري.
المبعوث الحالي ستيفان دي ميستورا يعيش في عالم الخيال عندما يقول أنه سيوقف القتال في حلب ومن يحارب في حلب هما «داعش» و«النصرة» ولا يتحدث معهما ما يعني أن الحرب ستستمر، لأن وقف إطلاق النار بين عدد كبير من المجموعات المسلحة التي تقاتل في سورية، يتطلب الحديث مع زعيم جبهة «النصرة» أيمن الظواهري وزعيم «داعش» أبو بكر البغدادي وهذا عمل صعب.
هل الاتفاق النووي الإيراني سيؤسس لشرق أوسط جديد؟
– هذا يتوقف على نوع الإتفاق، مثلاً حلفاء أميركا يرون أن الإتفاق مع إيران على النووي هو الفصل الأول، لكن بقي فصل ثانٍ أي ملفات أخرى وهي علاقات إيران بالجوار، مع العراق مع لبنان مع سورية واليمن، ويجب حلها مع الملف النووي والطريقة هي بعدم تعليق العقوبات قبل حل هذه المشاكل، إذا وصلوا إلى هذا الحل الشامل يمكن أن نصل إلى سلام أبدي وليس فقط إلى شرق أوسطٍ جديد ولكن حلفاء أميركا يخشون أن تتصرف أميركا مع إيران كما تصرفت مع سورية عندما سحبت السلاح الكيماوي وتركت الحرب مستمرة بين كل الأطراف، فيخافون تكرار ذلك مع إيران بأن تحل مسألة الملف النووي وتقول لهم أفعلوا ما تريدون وحلوا مشاكلكم وحروبكم في الشرق الأوسط بأنفسكم ولا علاقة لي بها، لذلك يحاولون ربط الملف النووي بإعادة ترتيب الشرق الأوسط على أساس حل المشاكل فيه.
مطلب حلفاء أميركا أن يكون حل الملف النووي تتويجاً لحل المشاكل الأخرى في المنطقة، لا أن يكون هو الأمر الأساسي. ثمة مؤشرات إلى أن هذه الملفات يتم بحثها لكن الى أين ستصل لا أحد يعلم. إيران تطلب حل الملف النووي وتعليق العقوبات لتعود الاستثمارات الغربية والإنتعاش الاقتصادي ثم تبحث الملفات الأخرى، حلفاء أميركا يقولون أنه إذا ازدادت قوة إيران وبلا عقوبات فكيف سنفاوضها على هذه الملفات.
هل تلاحظ وجود تصعيد إيراني في المنطقة؟ علامَ يدل ذلك؟
– ديبلوماسياً يدل على أن المفاوضات آتية لأنه قبل أن تبدأ المفاوضات،عادة، يبدأ رفع السقوف ثم تنخفض لاحقاً، هذا التصعيد عادة يعقبه مفاوضات على الملفات المطروحة، الحوثيون فجأة يصعدون وكأن ذلك ورقة، وهناك من يعتبر أن رئاسة الجمهورية في لبنان ورقة أيضاً.
نحن نتصور أن أميركا تعلم كل شيء ولا ترتكب أخطاء لكن خلال تاريخ الولايات المتحدة الحديث من فيتنام حتى الآن، ارتكبت أميركا الخطأ تلو الآخر، مشكلة أعضاء مجلس الشيوخ انتخابية على رغم علمهم في السياسة الخارجية، اللوبي الصهيوني مهم في الانتخابات الأميركية ليس لأنه يمثل كثيراً في الشعب الأميركي هم 3 في المئة فقط بل لأنهم يمثلون 11 في المئة من الناخبين ويذهبون جميعهم إلى الانتخابات واليهود أيضاً يمولون الحزبين ويعرضون على المرشح شروطاً ويساندونه إذا وافق عليها، واللوبي الصهيوني مسجل ومعترف به ويحق له الحديث مع الكونغرس ويتبرع للحملات الانتخابية وهذا عمل قانوني.
هل يمكن أن يكون القضاء على «داعش» ورقة انتخابية أميركية؟
أوباما يقول يمكننا القضاء على «داعش» بعد ثلاث سنوات ولديه فقط سنتان من ولايته ما يعني أن خلفه هو الذي سيقوم بهذا الأمر. أوباما قال منذ البداية أن عهدي هو نهاية الحروب والآن يضرب «داعش» من الجو ويرسل مدربين وهو طلب من الكونغرس «كرتاً أبيض» ليقوم بما يريد ولا أعتقد أن الكونغرس سيعطيه ذلك لأنه يطلب منه وضع قوات برية على الأرض وهو لا يريد ذلك، لذلك أوباما ليست لديه خطة لضرب «داعش».
يُبث هذا الحوار كاملاً الساعة الخامسة من مساء اليوم ويعاد بثه عند الحادية عشرة ليلاً على قناة «توب نيوز» تردد 12034