الأمم المتحدة والشريط الحدودي الإنساني

عامر نعيم الياس

«الشريط الحدودي»، تعبير ارتبط في الثقافة السورية بوجود الاحتلال «الإسرائيلي» على جزء من الأراضي اللبنانية، في الوقت الذي رُوّج له أممياً وغربياً على أنه منطقة عازلة تضمن الأمن والأمان للمعتدى عليها «إسرائيل» وفق الفكر الجمعي الغربي الأممي.

القوة وحدها كانت كفيلة بتغيير التوازن وقلب المعادلات وجعل هذا الشريط ذكرى انتصار على الاحتلال. واليوم، كما منذ ثلاث سنوات ماضية من الفشل والتخبط والتجارب في سورية، يعود الحديث عن الشريط الحدودي أو المناطق الآمنة أو العازلة كيفما أردنا تسميتها، يعود من بوابة خرق السيادة وتجسيد التقسيم بكلمة السر الأكثر شهرةً «المساعدات الإنسانية».

منذ «بيان الحليب» الذي صاغه بعض «النخب» الفنية والثقافية في سورية 2011، والذي كان بمثابة صك غفران «لعلب حليب وحرامات» اللبناني عقاب صقر وكيل التحالف المضاد للدولة الوطنية في سورية في ذلك الحين، بدأ العمل على هذا السيناريو في سورية، في الفترة الأولى استغل التمدد الإرهابي عبر الحدود وضبط النفس الذي مارسته الدولة السورية في تمرير هذا الأمر دون ضجيج والاعتماد على عمليات التهريب الدولية عبر الحدود مع سورية لخلق أمر واقع واستجماع مقومات صمود للميليشيات المتعاونة مع الغرب بهدف ضمان تمددها وصولاً إلى الهدف الموضوع حينها والمتمثل بإسقاط الدولة السورية. لكن، ومع بداية عام 2013 واتخاذ الهجوم المعاكس للجيش العربي السوري والمقاومة شكله الواضح، اضطرت الأمم المتحدة إلى إبرام اتفاقات ثنائية مع الدولة السورية لإيصال المساعدات الإنسانية إلى بعض المناطق في سورية، لكن بشرط موافقة الدولة السورية على ذلك. أمر بديهي في دولة ذات سيادة واتفاق مع منظمة أممية تدّعي حفاظها على السيادة والسلم والأمن الدوليين!

اليوم، ومع استتباب السيطرة على الحدود اللبنانية السورية من القصير وصولاً إلى القلمون، ونجاح الجيش السوري في ضبط بعض أجزاء الحدود الجنوبية مع الأردن، تم تفعيل كرت المساعدات الأممية عبر الدعوة إلى شرعنة التهريب وخرق السيادة الوطنية والأهم من ذلك الاعتراف بالميليشيات المسلحة كسلطة أمر واقع في المناطق التي تتواجد فيها، فضلاً عن دعم هذه المجموعات لضمان عدم انهيار قواها، فالسيطرة على الأرض هي المعيار الذي يحرك الغرب لا القانون الدولي أو غيره من مصطلحات جذابة.

هذا الأمر طرحته صحيفة «غارديان» البريطانية في تقرير حمل عنوان «لا عقبات قانونية أمام قيام الأمم المتحدة بتوزيع المعونات عبر الحدود لسورية» وذلك عبر مطالبة تحالف قانوني من 30 خبيراً في القانون الدولي، عرضوا رأياً يطالب الأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية «بعدم الالتزام بالحصول على الإذن المسبق من الحكومة السورية لعبور الحدود» إذ يمكن الوصول إلى اللاجئين السوريين، طبعاً المقصود هنا اللاجئون داخل سورية، «من خلال حدود الدول المجاورة، خصوصاً تركيا والأردن».

وتضيف الصحيفة البريطانية نقلاً عمّن أسمتهم أعضاء «الائتلاف القانوني الدولي» إنه في المناطق التي تسيطر عليها جماعات مسلحة من قوات المعارضة ينبغي فقط «الحصول على الموافقة من هذه الجماعات» والتي تسيطر على الطرق التي ستمر منها قوافل الإغاثة، حيث لا يمكن استخدام رفض مرور قوافل الإغاثة من قبل الحكومة السورية «لإضعاف المعارضة وحصارها والدفع إلى المجاعة بين السكان المدنيين».

ليس من الضروري الحصول على موافقة الدولة في الدخول إلى حدودها إذ يمكن الدخول إليها عبر حدود الدول المجاورة، محاولة لتعميم نموذج تصدير الجهاديين إلى سورية وتهريب السلاح إليها ليشمل المساعدات الأممية، فهل نشهد نوعاً جديداً من عمليات التهريب تحت مسمى «التهريب الأممي الإنساني».

كاتب سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى