محدلة برامج الهواة
هنادي عيسى
عندنا أطلق المخرج سيمون أسمر مطلع السبعينيات برنامج الهواة المشهور «ستديو الفن» ساهم عهد ذاك ولسنين طويلة في صناعة نجوم في مختلف ميادين الفن، من الغناء والرقص والشعر إلى تقديم البرامج… وتميّز ذاك البرنامج بلجنة تحكيمه التي كانت مكوّنة من أهل الاختصاص في سائر المجالات، ومن أبرز النجوم الذين ظهروا في «ستديو الفن» ماجدة الرومي ووليد توفيق وراغب علامة والمصمم زهير مراد وآخرون.
اليوم تحولت برامج الهواة الى محدلة لدهس المواهب الشابة الطامحة إلى الشهرة، إذ تستخدم تلك المواهب لشدّ عصب المشاهدين في العالم العربي واللعب على وتيرة الانتماء إلى البلدان واستغلال العواطف لكسب أكبر نسبة تصويت عبر الرسائل القصيرة والاتصالات الهاتفية، وذلك كله بهدف الربح المادي وليس دعم المواهب التي غاب معظمها بعد أسابيع قليلة من انتهاء البرنامج. ولو عدنا عقداً الى الوراء، وإلى بداية انطلاق برامج الهواة بحلتها الجديدة، بدءاً بـ«سوبر ستار» على قناة «المستقبل»، وصولا الى «ستار أكاديمي» على شاشة «ال بي سي»، لوجدنا أن معظم الذين شاركوا في هذين البرنامجين فشلوا في تحقيق نجومية تذكر، مع بعض الاستثناءات مثل ملحم زين ورويدا عطية وجوزيف عطية وشذا حسون، إلاّ أن هذه الأسماء لم تحقق النجومية المطلقة أو تصل الى مصاف نجوم الصف الأول، رغم أن لجان التحكيم في «سوبر ستار» و«ستار أكاديمي» كانوا من أهل الاختصاص في الموسيقى والشعر والغناء، وبينهم الياس الرحباني وزياد بطرس وماري محفوض وآخرون. ومع ذلك، جميع الذين حملوا الألقاب ذابوا مع مرور الأيام وضاعوا في غياهب النسيان، خاصة أن القيّمين على تلك البرامج لعبوا على وتر التعصب والانتماء بغية الإفادة المادية وأصروا على تقديم نسخة من هذين البرنامجين سنويّاً، ما جعل المواهب مجرد أرقام في حسابات شركات الإنتاج. وساهمت في تدهور الساحة الغنائية في عالمنا العربي البرامج التي اشترت حقوقها محطة «إم بي سي» مثل «أرابس غوت تالنت» و«أراب أيدول» و«ذا فويس» و«إكس فاكتر». اذ شاءت «إم بي سي» تقليد الغرب فاعتمدت اختيار أعضاء لجان التحكيم من نجوم الصف الأول مثل أحلام ونانسي عجرم وكاظم الساهر وعاصي الحلاني وأحمد حلمي وشيرين عبد الوهاب… لكن غاب عن بال ادارة المحطة أن معظم النجوم العرب غير مؤهلين لتقديم نصائح علمية لأي مشترك تفيده في بداية مسيرته الفنية، فهولاء النجوم استغلوا وجودهم، ويا للأسف، في هذه البرامج لزيادة شعبيتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعية، واكتفوا باختلاق المناكفات أو المديح والإطراء للمواهب، ما يجعلها تحلق في سماء النجومية لأسابيع قليلة وبعد ذلك ترمى في الهواء إلى مصيرها المجهول، هذا عدا الاستغلال المادي.
ترى هل هناك من يذكر أسماء الفائزين في «ذا فويس» أو «أراب أيدول» أو «أرابس غوت تالنت» على مدى سنوات الأربع الفائتة؟ حتماً كلا، فلا أحد منهم يترك بصمة أو يجد من يساعده لوضع رجله على بداية السكة الصحيحة. وأكبر مثال الرابح الفلسطيني محمد عساف الذي حقق انتشاراً واسعاً أثناء مشاركته في «أراب أيدول» وساعده في ذلك انتماؤه الوطني، فأحيا عشرات الحفلات، لكن الإدارة غير المحترفة جعلته يقدم ألبوماً غنائيّاً غير ناجح، ومع الأيام خفت بريق نجوميته وقريباً يصبح مجرد اسم مر في البرنامج.
إذن، أمست برامج الهواة محدلة تساهم في محو المواهب بدلاً من تلميعها وإطلاقها في دنيا الفن، وذلك كلّه بهدف الربح التجاري فحسب. ترى هل يعود الزمن الى الوراء ونشهد إطلاق مواهب حقيقية؟ أم أننا نعيش في زمن الانحطاط على مختلف الصعد الى حين ظهور الفرج.