لمناسبة الانتخابات الصهيونية… دعوة إلى تنشيط الذاكرة
نعيم إبراهيم
ما أحوجنا اليوم إلى تنشيط الذاكرة بغية إدراك الحقيقة التي يريد البعض تغييبها عن عقل المواطن الفلسطيني والعربي، ومفادها أنّ الصراع مع العدو الصهيوني وجودي، ولم و لن يكون نزاعاً على حدود. كما لا يمكن التوصل إلى تسوية ما أو حلّ ما من مثل حلّ الدولة الواحدة أو الدولتين وربما الثلاث… ، فلا الشرائع السماوية تقرّ ذلك، ولا نواميس الطبيعة تسمح بهذا الأمر؟
مناسبة الدعوة إلى تنشيط الذاكرة هي انتخابات «الكنيست» الصهيوني وما أفضت إليه من نتائج أكدت فوز حزب الليكود بقيادة بنيامين نتنياهو، وحديث الخيارات المستقبلية المتاحة أمام هذا الحزب الصهيوني ودعاة التسوية من فلسطينيين وعرب وعجم، الذين تساءل بعضهم: هل هي النهاية الرسمية لعملية السلام؟ فيما صرح رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أنّ «إسرائيل «غير جادّة في الوصول إلى حلّ الدولتين وأنّ تصريحات نتنياهو وليبرمان عنصرية.
الرئاسة الفلسطينية دعت الحكومة «الإسرائيلية» المقبلة إلى «الالتزام بحلّ الدولتين وقرارات الشرعية الدولية، وأن تكون القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية، للمضيّ قدماً في عملية السلام».
هذا في حين تساءل آخرون: ماذا ينتظر الفلسطينيين بعد فوز نتنياهو؟ وما هي الاستراتيجية الفلسطينية في المرحلة المقبلة؟
للوصول إلى الخبر اليقين نقرأ بهدوء ما جرى في الكيان الصهيوني… بنيامين نتنياهو يبدأ ولاية جديدة في قيادة حكومة هذا الكيان، بعدما حقق فوزاً في الانتخابات العامة المبكرة بعد أن قام بدعاية محاربة الإرهاب وتخويف الناخبين من التصويت إلى اليسار الوسط على أساس أنّ الأخير سيقدّم تنازلات للإرهابيين. وبذلك يكون نتنياهو تولى رئاسة الحكومة للمرّة الرابعة، حيث ستكون فترة حكمه لمدة تسعة أعوام، ثاني أطول فترة لرئيس وزراء بعد بن غوريون.
وفي هذا السياق، فإنّ حصول حزب الليكود على 30 مقعداً من أصل 120 في البرلمان، يشكل له فرصة قوية لتشكيل ائتلاف حكومي يميني حيث أصدر حزب «الليكود» بياناً جاء فيه أنّ نتنياهو تحدّث إلى الأطراف التي يُحتمل مشاركتها في الائتلاف الحكومي، من ضمنها الأحزاب اليمينية والمتشدّدة وحزب كولانو الوسطي الذي حصد عشرة مقاعد، وتابع البيان إنّ حكومة نتنياهو ستعبّر عن مطالب الناخبين السياسية والاقتصادية والاجتماعية، الأمر الذي يشير إلى إمكانية ضمّ أحزاب مثل حزب المستقبل بزعامة يائير لابيد، وحزب كولاني بقيادة موشيه كحلو.
بعض الفلسطينيين قالوا :«حتى الآن، وربما لأعوام مقبلة أخرى، فإنّ الانتخابات الإسرائيلية لم تتمخض عن تغيّر حقيقي في السياسات الإسرائيلية في اتجاه السلام. ومن هنا فإنّ الشعب الفلسطيني لم يعد يعيرها اهتماماً، ولا يبدي نحوها أيّ تفاؤل».
السؤال هنا: متى كان الاحتلال والسلام يلتقيان؟ المؤكد أنه من الطبيعي أن لا تتمخض هذه الانتخابات عن تغيّر حقيقي إزاء السلام أو حتى أيّ نوع من التسوية المنقوصة، وإلا ما معنى مرور أكثر من عشرين عاماً على اتفاقات أوسلو ولم يتمخض عنها ما يبشر بالسلام والأمن والاستقرار والتقدّم للشعب الفلسطيني، وأيضاً ما معنى أن يستمرّ الاحتلال الصهيوني لفلسطين منذ أكثر من ستة عقود ولم يستطع المجتمع الدولي إيجاد حلّ عادل للقضية الفلسطينية يتأتى من خلال دعم نضال هذا الشعب ومقاومته في تحرير أرضه واسترجاع وطنه المغتصب.
لقد قال نتنياهو أكثر من مرة هذا الأسبوع «إنّ أيّ حديث حول انسحاب إسرائيل من حدود العام 1967 لإفساح المجال لإقامة دولة فلسطينية هو أمر غير وارد». وهذا قالته كلّ الحكومات الصهيونية السالفة، وبرهنت عليه من خلال المجازر والقتل والتدمير والتدنيس والتشريد وغير ذلك من الممارسات الإرهابية التي فرّخت اليوم أدوات تنفذ الأجندات المعادية في تدمير البلدان بضوء أخضر ودعم كامل من الأسياد في تل أبيب وواشنطن وكلّ عواصم الاستعمار.
ولطالما قال رئيس السلطة محمود عباس «إنّ نتنياهو غير جادّ حول اتفاق سلام مع الفلسطينيين، على الرغم من الوعود التي قدّمها للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي». وفي هذا الإطار قال كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات «إنّ العالم الآن سوف يفهم ما كنا نحاول أن نقوله منذ سنوات».
أما الشعب الفلسطيني فقال ولا يزال يقول إنّ الاحتلال لا يفهم إلا لغة القوة والمقاومة وعلى رأسها الكفاح المسلح لأنّ ما أخذ بالقوة لا يستردّ بغيرها.
هذه هي الاستراتيجية الفلسطينية التي ينبغي أن تستمرّ في المرحلة المقبلة وعلى العالم اجمع أن يؤمن بها ويدعمها بكلّ السبل، الاستراتيجية المذكورة تستند إلى الحقوق الكاملة للشعب الفلسطيني والى خيارات مقاومة العدو بكافة الوسائل. وعدا ذلك أوهام وحرث في الماء وإدامة للاحتلال عسكرياً وأمنيا وسياسياً واقتصادياً وثقافياً وفكرياً واجتماعياً ونفسياً.
ختاماً… انتخاباتهم الصهاينة لهم و«ديمقراطيتهم» لهم، وبنيامين نتنياهو لهم، كما كان هرتزل وبن غوريون وغولدا مائير وشارون وغيرهم لهم… أما الشعب الفلسطيني فله انتخاباته وديمقراطيته والأهمّ له مقاومته وقادتها وحلفاؤها الذين لا يساومون ولا يتنازلون ولا يخونون تضحياته وشهدائه.
فمن شاخ وتعب ليتنحّى جانباً، وليفسح الطريق للأجيال كي تواصل مسيرة الكفاح حتى تحرير الأرض والإنسان.
كاتب وإعلامي ـ دمشق