«يا محلا الفايسبوك»!

أحمد طيّ

بدايةً، سمحت لنفسي أن أكمل ما كانت ـ أو ربما كانت ـ ستقوله صديقتي وزميلتي الإعلامية ريحان يونان عن عيد الأمّ، وعن الابتذال والتضخيم والمبالغة في الاحتفال به على شاشات التلفزة… لا سيما اللبنانية.

وبعد البداية، أودّ أن أحسم أمراً مهمّاً، ألّا يزايدنّ أحدٌ على آخر بحب الأمّ، كي لا أُتّهم في نهاية هذه الحلقة من «دبابيس» بالعقوق، وبأنّ أمّي ـ سمرائي الجميلة ـ لا تحتلّ أيّ مكانةٍ في قلبي.

كتبت ريحان على صفحتها في «فايسبوك» ما يلي: «يا محلا الفايسبوك قدّام شاشات التلفزيون! والله والله والله في ولاد بلا أمهات، وفي نساء بلا ولاد، وفي أمهات كان عندها ولاد وفقدتن… وفي ملايين الناس الموجوعين بهاليوم… خفّوا شوي علينا… خفّوا شوي».

ريحان على حق، فمن سنحت له الفرصة بأن يشاهد القنوات التلفزيونية اللبنانية مساء السبت، للمس مدى المبالغة بالاحتفال بعيد الأمّ، لا بل أنّ إحدى القنوات، ودّت أن تحقّق سبقاً إعلامياً، بتوجّه مراسلتها إلى أمّهات شهداء الجيش، والأشدّ وقاحة كان السؤال عن شعور والدة الشهيد في هذا اليوم تحديداً. ماذا كانت تتوقّع المراسلة؟ هل كانت تتوقّع أن تجيبها الأمّ المفجوعة، التي لم يمضِ على مشاهدتها ابنها يُذبح ذبحاً سوى أشهر، بأنّها سعيدة أو حزينة؟ علامَ كانت تصوّب تلك المراسلة؟ على جعل كل من يشاهد تقريرها… يبكي؟

المضحك المبكي، ما حدث خلال برنامج لاكتشاف المواهب الغنائية، بطلاه مطرب أحبّ صوته، وإعلامية من الجيل المخضرم، واحتل أحد مقاعد لجنة التحكيم مخرج «قدير» في هذا النوع من البرامج، خرج ـ أو ربما أُخرج ـ من السجن منذ فترةٍ ليست ببعيدة.

ما حدث في حلقة البرنامج مساء السبت، أن احتُفل بعيد الأمّ، إنّما بطريقة مبالغ فيها، وقبل ختام الحلقة، أنقذت عضو في لجنة التحكيم ـ وهي مخرجة أيضاً ـ الموقف، أن وجّهت سلاماً إلى كلّ أمّ فقدت ابنها، وكلّ أمّ لم تلد ابناً معتبرةً أنّها نالت شرف الأمومة بصبرها وجلدها ودموعها.

على «فايسبوك»، تلك المساحة الواسعة للتعبير عن الآراء، احتلت صور الأمّهات صفحات أبنائهن وبناتهن. والمعايدات والبطاقات والدعاء بطول عمر الأمّ، كلّ ذلك أحكم سيطرته على الحديث «الفايسبوكي».

ولكن يا معشر «الفسابكة»، أتجهلون أنّ ثمّة أصدقاء لكم فقدوا أمّهاتهن منذ مُددٍ متفاوتة، لا بل أنّ بعضهم لم يروا أمّهاتهم قط؟ لماذا لا تراعون مشاعر هؤلاء؟ لا نطلب منكم عدم الاحتفال بعيد الأمّ، إنّما خفّفوا «الدوز» قليلاً. لا تبالغوا، لا تجعلوا صديقكم اليتيم يبكي مرّات ومرّات. تكفيه المرّة الأولى حين يشاهد ما تكتبونه والصور التي تنشرونها.

كم كنت أودّ أن يُحتفَل بعيد الأمّ هذه السنة، ليس فقط بالدعاء لها بطول العمر والصحّة والنجاح، إنما بالدعوة إلى تحريرها من قوانين بالية تؤطّرها ضمن حلقةٍ ضيّقة أقل ما يقال عنها إنّها جاهلية. وبالدعوة إلى حمايتها ـ بموجب قانون واضحٍ متحرّرٍ من القيود الدينية المتمذهبة ـ من العنف الأسري. وبالدعوة إلى منحها الحقّ بأن تمنح أولادها جنسيتها اللبنانية إذا كانت متزوّجة بغير لبنانيّ، بغضّ النظر عن النظرية التي تعير التوزيع الطائفي والديمغرافي أي اعتبار. حبّذا لو توحّدت الكلمات والريبورتاجات، والصور، والمعايدات، بالدعوة إلى إنصافها لأنّ المرأة ليست نصف المجتمع، بل هي أمّ المجتمع.

ختاماً، إلى أمّي التي تختصر بسمرتها التعبة كل الأمهات في بلادي، أستعير مأثورةً من الزعيم أنطون سعاده تقول: «أمّي وبلادي ابتدأتا حياتي وستلازمانها إلى الأبد، فيا أيّها الإله أعنّي كي أكون بارّاً بهما».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى