الباحث عماد الأرمشيّ: كنز متنقّل من التوثيق لدمشق ينتظر الخروج إلى العالم لتكتشفه الأجيال
كتب محمد سمير طحّان من دمشق سانا : انطلق الباحث السوري عماد الأرمشي من حبه وشوقه وشغفه بمدينته دمشق قبل عشرة أعوام باحثاً وموثقاً بالوثائق والصور والمعلومات التاريخية لأوابد أقدم عاصمة مأهولة في العالم، فتوافر لديه مخزون كبير من الأرشيف المهم والنادر حول كل ما يتعلق بالمساجد القديمة والمدارس والتكايا والأضرحة والخانات في دمشق.
ولدت لدى الأرمشي، المتخصص في التاريخ والمقيم في أبو ظبي منذ عام 1982، فكرة البحث والتوثيق صيف عام 2003 بعدما أمضى إجازته الصيفية متجوّلاً في أرجاء الأوابد القديمة في دمشق مراقباً قوافل السياح المبهورة بعظمة التاريخ والحضارة السورية، فاشترى بعض الكتب القيمة التي تتحدث عن هذه الحضارة ومضمونها.
عن دخوله مجال البحث والتوثيق التاريخي لمدينة دمشق يقول الأرمشي: «إن الفكرة نبعت من رغبة شخصية ملحة لجمع وحفظ هذا الكنز من المعلومات والوثائق كي تبقى منهلاً لكل محب وعاشق لدمشق، رغم ضخامة العمل والجهد الكبير الذي يتطلبه والذي يحتاج إلى مؤسسات بحثية متخصصة». وحول تمويل عملية البحث والتوثيق المستمرة منذ اثني عشر عاماً إلى اليوم، يوضح المغترب السوري أنه قدّم مبادرة لتولّي جميع تكاليف هذه العملية المضنية وراح يقتني الكتب والمراجع التاريخية عن دمشق داخل سورية وخارجها، الى جانب الصور النادرة مهما بلغت قيمتها.
بعد أعوام من العمل المتواصل رأى الأرمشي أن إتمام مشروع توثيق تاريخ مدينة دمشق يحتاج وقت طويل وتفرغ تام من قبل فريق العمل القائم عليه لربط المواضيع والنصوص مع الصور الضوئية التي يتم الحصول عليها لأرشفتها، ما يجعل العمل يسير ببطء نسبيّ لكونه غير متفرغ لعملية البحث على حد تعبيره. ويتمنى ان تتبنى جهة وطنية هذا المشروع المهم ليحفظ في أيد أمينة ويخرج إلى العالم بالطريقة اللائقة والمدروسة بعد ترجمته إلى عدة لغات عالمية، ما يعود بفوائد كبيرة على الوطن، أهمها حفظ المعالم التاريخية لدمشق وتوثيقها والتسويق السياحي لها، مع ما يجلب ذلك من مردود مادي ومعنوي كبير.
يملك ابن مدينة دمشق أرشيفاً كبيراً جداً قسّم عدة أقسام، مدعوماً بالصور التوثيقية كي يصار إلى نشره بالطريقة السهلة عبر الكتب والمجلدات، وهي دراسات تاريخية وتحليلية هندسية لمساجد وجوامع مدينة دمشق القديمة، إلى دراسات تاريخية وتحليلية هندسية لمدارس دمشق القديمة، ودراسات تاريخية وتحليلية هندسية للترب والأضرحة في مدينة دمشق، ودراسات تاريخية وتحليلية هندسية لخوانق وبيمارستانات مدينة دمشق، ودراسات تاريخية وتحليلية هندسية للزوايا والأربطة في مدينة دمشق، ودراسات تاريخية وتحليلية هندسية لخانات دمشق، ودراسات شاملة لتطور الحياة العمرانية والاجتماعية لأحياء مدينة دمشق في القرن التاسع عشر ومنتصف القرن العشرين.
لا يخفي الأرمشي قلقه من عدم التمكن من نشر الأرشيف الضخم والنادر الذي يملكه فيبقى حبيس المكتبة الرقمية لديه وتحرم منه الأجيال القادمة ويندثر بعد الجهد والعناء الكبيرين في الحصول عليه وتوثيقه مؤكداً ضرورة التعريف بهذا الأرشيف بمختلف الوسائل المتاحة مثل الإعلام والمعارض والكتب والمجلدات والإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي وغيرها. ويرى الباحث في تاريخ دمشق المصور أن موضوع الأرشفة والتوثيق التاريخي في سورية يلقى اهتماماً كبيراً منذ عدة سنوات، وثمة جهد مهم يبذل في هذا المجال من عدة جهات، لافتا إلى دور مكتبة الأسد الوطنية في دمشق التي تضم الكثير من الكتب القيمة والمراجع القديمة المعاد ترميمها ونشرها.
يؤكد الأرمشي أن الهجمة الشرسة على تاريخنا وآثارنا من قبل الإرهاب هدفها مسح وجهنا الحضاري، مضيفاً: «إن ما نشاهده من تدمير ممنهج لكل ما يرتبط بارثنا الحضاري والتاريخي من قبل الإرهابيين الجهلة هو خسارة كبيرة لما حل بالآثار والأوابد»، معتبراً أن ما يقوم به هؤلاء الجهلة الظلاميون يعبر عن عقولهم المتحجرة والجاهلة لقيمة الحضارة والتاريخ.
ويقول الباحث في معالم مدينة دمشق الذي لم ينجز حتى الآن إلاّ ما نسبته 30 في المئة فحسب من توثيق الأرشيف المتوافر لديه، إنه لو امتلك الوقت الكافي والتفرغ الكامل لوثق للمدن السورية كلها التي يمتلك أرشيفا ضخما لها من الصور والمعلومات، والتي تنتظر من يتبناها في مشروع توثيقي متكامل.
شارك الباحث الأرمشي، الذي لا يحقق أي فائدة مادية من مشروعه التوثيقي، في معرض «بلاد الشام» الذي أقيم في الشارقة عام 2009 بجزء من الأرشيف الضخم الذي يملكه تحت عنوان «الاستشراق الفني في بلاد الشام»، ولم تتح له فرصة أخرى للمشاركة في معارض أخرى بسبب عدم التفرغ، ولم يعرض مشروعه على أي جهة وطنية كي تتبناه وتدعمه بسبب وجوده خارج سورية. وهو يدعو كل مهتم بمدينة دمشق إلى التواصل معه والتعاون في هذا المشروع التوثيقي قائلاً: «أتمنى أن أتواصل مع سائر المهتمين بالتوثيق إلى نشر ما لديهم من وثائق مهمة ومعلومات مفيدة والحفاظ على الحماية الفكرية بأسمائهم. ويشير الأرمشي إلى أن حب دمشق والرغبة في حفظ أرشيفها وتوثيقه جمعاه بعدد كبير ممن يشاطره تقديره لهذا الإرث المهم عبر الإنترنت ما ساعد وسهل وأمن الوصول إلى الكثير من المعلومات والوثائق والصور وتقصي منابعها العربية والأجنبية وتبادل الخبرات للقيام بعمل توثيقي متكامل من سائر الجوانب.
يختم الأرمشي قائلاً: «لست وحدي من يعمل على المشروع، بل هناك فريق عمل كبير والجميع يعمل معي بصمت وتطوّع بلا مقابل. جمعنا صوراً لدمشق من جميع أنحاء العالم، وهذا تعجز عن جمعه مؤسسات متخصصة، وما زلنا نعمل حتى اليوم وسنستمر، فحبنا لوطننا لا ينضب».
الباحث الأرمشي من مواليد دمشق عام 1951، عاش طفولته في حي سوق ساروجا حارة النوفرة ونال إجازة في التاريخ عام 1977 من جامعة دمشق وسافر إلى أوروبا ثم انتقل عام 1982 إلى الإمارات وعمل في مجال النفط ويستمرّ فيه الى اليوم. دخل عام 2003 مجال البحث والتوثيق التاريخي المصور لمدينة دمشق وما برح مثابراً على هذا المشروع ويملك أرشيفاً كبيراً ونادراً من الصور والمعلومات عن دمشق لم يظهر منها سوء جزء يسير وعبر وسائل التواصل الاجتماعي فحسب.