الحوار أقوى من الهذر

العلامة الشيخ عفيف النابلسي

لماذا الحوار إن كنّا نريد أن نبقى في دساكر الاتهامات والبغضاء والمناوشات؟ لماذا الحوار إنْ لم تكن هناك إرادة جدّية للتفاهم والتوافق؟ لماذا الحوار إن كنّا سنسمح للمشوشين والمخربين أن يعبثوا به؟ غريب أمر البعض الذي لا يفقه أصول العلاقات والأسس النظرية والسلوكية في كيفية معالجة الأزمات وحل المشاكل. فيجد في التوتير مادة للشهرة، وفي التخريب وسيلة للابتزاز، وفي التحريض تعميم لصورة القوي الثابت على المبادئ. لا ينكر أحد أنّ الخلاف بين حزب الله وتيار المستقبل كبير ويتجلى بأشكال مختلفة، لكن لا يجوز أن يُنسينا الخلاف أننا أمام مهام ملّحة ومباشرة. لن أدخل في القضايا المكبوتة وهي كثيرة عند الطرفين لكن لا أجد سبباً أكثر إفصاحاً من الإرهاب ليعود كل طرف إلى الثوابت التي تحمي الوطن والناس. لا أجد كيف يمكن أن يكون التكفيريون على مقربة من قرانا ولا يراه البعض إلا بوصفه ماضياً أو لا وجود له كفاعلية تخريبية تدميرية للكيان اللبناني. بالفعل لا أجد الكلمات لأصف هؤلاء الذين حين تسمعهم تشعر أنهم في ميعة الشباب، وأنهم يلعبون كما لو أنّ الذي يحصل على حدودنا كرنفال. لا ضير، فهؤلاء الذين يتحدثون بهذه اللهجة السمجة ضد المقاومة كانوا من قبل كذلك. لم يتغير الأمر عندهم. لم تكن التهديدات «الإسرائيلية» لتعنيهم ما خلا المطالبة بنزع السلاح، ولم تكن التهديدات التكفيرية لتشدّ من عزيمتهم سوى في إطار التشكيك بدور حزب الله على الحدود. في الحقيقة عندما تصبح العصبية أساساً ومعياراً يغيب الوعي والفهم والمنطق. إنّ مثل هؤلاء يستغلون سقف الحرية العالي ليقولوا كلاماً أشبه بالهذر، وليمارسوا التحريض تحت عنوان القناعات. ماذا يُقال لهؤلاء الذين يحملون أوسمة على أكتافهم مسروقة من دماء المقاومين الشرفاء وتضحيات شعب جُبل من طينة الصدق والشهادة! لا أجد الكلمات. سأترك للزمن مهمة تنقية بلدنا من الانتهازيين والمحرضين والقاعدين والفاشلين!

إننا حين ندعو إلى الحوار بين جميع الأفرقاء اللبنانيين لا ندعو إلى ذلك من منطلق نفعي فقط، وإنما لأننا نعتقد أنّ الحوار هو السبيل الذي يقود إلى الهداية والاستقرار والتفاهم. الحوار يُخرج الإنسان والجماعة من ضيق الفكرة والاتجاه والخيارات ليُصبح أكثر انفتاحاً للآراء المطروحة. لكن أن يذهب فريقان للحوار كحزب الله وتيار المستقبل ملتزمين بضوابط التفكير السليم والتهدئة والنية الحسنة ثم يكتشف اللبنانيون أن بعضاً من المحسوبين على تيار المستقبل ما زالوا يحرّضون ويشوّشون ويتهمون ويمارسون العبث واللغو، فمعنى ذلك أنّ هناك من يسعى للإضرار ولا يرحب أن يُنتج الحوار تفاهمات حقيقية تؤدي إلى تفعيل المؤسسات وتنفيذ الاستحقاقات الدستورية الملّحة. إنّ ما يستلزمه أي حوار هو البحث الموضوعي في حقائق الأمور حتى يتم وضعها في نصابها الصحيح فتُحبَط بذلك خطط السوء والفتنة.

إنّ حوار حزب الله وتيار المستقبل يُفترض به أن يخفف حدة التوتر ويمتص حالة التشنج والانفعال، وما نرغب به أن يساعد في تلافي حدوث مشاكل وأزمات جديدة، بالتالي إزالة حالات الاحتقان والتمزق والاحتراب السياسي الذي يضع جميع اللبنانيين في خطر دائم.

لكن في كل مرة هناك من يُصر على التخريب ويرى مصلحة في تنافر تيار المستقبل عن حزب الله ، لذلك يلجأ إلى هذه الاتهامات المغرضة لإعادة أجواء النزاع التي تكرّس انغلاق كل طرف على ذاته واهتمامه بالتحشيد والتعبئة ضد الآخر.

إلى بعض هؤلاء الذين يخافون من الحوار ومن حصول تسوية سياسية في سورية ومن توقيع اتفاق نووي بين إيران والدول الكبرى أن يستكينوا ويتواضعوا وإلا فإن الرياح العاتية والحرارة العالية لن تذر الهشيم في مكانه بل ستحرقه وترميه في وهاد التاريخ.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى