صمود سورية والمناورة الأخيرة لأميركا وحلفائها
هشام الهبيشان
قبل أربع سنوات، اختارت أميركا، بالشراكة مع بعض أدواتها الإقليمية، وخصوصاً الكيان الصيهوني، سورية لتكون المرحلة الثالثة لاستكمال مشروعها الهادف إلى ضربها وإسقاط محور الممانعة في المنطقة. إنّ حرب أميركا التي تحكمها وتديرها اليوم الجماعات المتصهينة النافذة فيها هي حرب طويلة لا تتوقف عند حدود سورية، ليس أولها احتلال فلسطين وإسقاط العراق، ولن يكون آخرها الحرب المعلنة على قوى المقاومة، ففي الجعبة الأميركية الكثير من الخطط المرسومة لهذه البقعة من العالم، لكنّ الرؤية الأميركية تعتمد على إسقاط هدف تلو الآخر بالاعتماد، نوعاً ما، على نظرية أحجار الدومينو.
ما يهمّنا اليوم من كلّ هذا هو أنّ سورية استطاعت خلال هذه المرحلة وبعد مرور أربعة أعوام على الحرب الكونية عليها، أن تستوعب الضربة الأولى من أميركا وحلفائها وهي الأكثر صعوبة خلال هذه الحرب المفروضة عليها، وهي ضربة متعدّدة الوجوه والأشكال والفصول وذات أوجه وأهداف عسكرية واقتصادية واجتماعية وثقافية. ومع انكسار معظم هذه الأنماط من الحرب على أبواب الصخرة الدمشقية الصامدة، أجبر الصمود السوري بعض الشركاء في الحرب على سورية على الاستدراة في شكل كبير في مواقفهم وجعلهم يقدمون مجموعة بالونات اختبار للسوريين. في هذه المرحلة تحديداً يطلّ علينا يومياً مسؤولون وساسة وجنرالات غربيون وإقليميون، يتحدثون عن تعاظم قوة الدولة السورية بعد مراهنتهم على إسقاطها سريعاً، فالقوى المتآمرة على الدولة السورية بدأت تقرّ سرّاً وعلناً في هذه المرحلة، بأنّ سورية 2011 تحديداً، ليست كسورية عام 2015 وما بعد، بعد أن أيقنت أنّها في أفضل حال رغم ما تعرضت له من أعمال تدمير وتخريب وجرائم ارتكبت في حقّ شعبها، وتخشى تلك القوى لأنّ سورية تسير في طريق واضح المعالم لتكوِّن محوراً جديداً في هذه المنطقة، بل في هذا العالم.
ومن هنا، فإنّ معظم القوى الدولية التي شاركت في الحرب على الدولة السورية أدركت أنّ جميع حصون وقلاع «المعارضة المعتدلة»، أداتها لإشعال فتيل هذه الحرب، تشارف على الانهيار، حتى أنّ بعضها قد انهار فعلاً، وأنّ نسبة كبيرة من الشعب السوري باتت تبتعد كلياً عن أجندتها، بعد أن أدركت أنها كانت ضحية لمؤامرة قذرة تستهدف سورية كلّ سورية، بشعبها ومقوماتها وتاريخها وحضارتها.
وهنا يجب أن لا ننكر أنّ الولايات المتحدة الأميركية كانت رأس الحربة في استهداف سورية، وقد ساهمت في شكل كبير في التحضير للمؤامرة عليها وفي دعم أعدائها وخصوصاً التنظيمات الإرهابية التي تدّعي أنها تحاربها عبر التحالف الكاذب الذي تقوده، وقد حالت حكمة القيادة السورية والعقلاء من السوريين الوطنيين الحريصين على وحدة بلادهم والواعين خطورة المؤامرة عليها، وقوة وتماسك الجيش السوري، ومتانة التحالفات الإقليمية والدولية لسورية مع روسيا وايران وقوى المقاومة، دون تحقيق القوى المعادية أهدافها وأجندتها التقسيمية الهادفة إلى إغراق كلّ الجغرافيا السورية في الفوضى والصراعات.
كان الردّ السوري في الميدان سريعاً على هذه الهجمة، فاليوم يتم حسم جملة معارك في العاصمة دمشق بريفيها الشرقي والغربي، لتأمين المدينة من جهة الجنوب، بالتزامن مع المعارك الكبرى التي تدور في الجنوب السوري، وبالتزامن مع إطباق الجيش على باقي حصون المسلحين الإرهابيين في ريفي حماة وحمص في شمالي وشرقي أرياف المدينتين وبعمليات نوعية وخاطفة. أما في حلب، فقد اقترب الجيش السوري من إحكام سيطرته على بعض أحياء المدينة التي يتحصّن فيها المسلحون، وفي الريف الحلبي هناك أيضاً تقدم ملحوظ للجيش السوري، كذلك في ريف اللاذقية الشمالي.
إنّ تسارع الأحداث والتطورات الميدانية، وتعدّد جبهات القتال على الأرض والانتصارات المتلاحقة للجيش السوري وما يصاحبها من هزائم وانكسارات وتهاو في بعض قلاع المسلحين، «المعارضين حسب التصنيف الأميركي»، سيجبر الكثير من القوى الشريكة في الحرب على سورية على تغيير موقفها من هذه الحرب والاستدارة نحو التفاوض مع الدولة السورية، في محاولة لتحقيق وكسب بعض التنازلات، لعلها تحقق ما عجزت عن تحقيقه في الميدان، وهذا ما ترفضه الدولة السورية اليوم وفي شكل قاطع، حيث تؤكد القيادة السورية والمسؤولون جميعاً، أنهم لن يقدموا لأميركا وحلفائها أي تنازلات، ويقولون بصريح العبارة «إنّ ما عجزت أميركا عن تحقيقه في الميدان السوري، لن تحققه على طاولة المفاوضات».
ختاماً، وفي هذه المرحلة لا يمكن إنكار حقيقة أنّ حرب أميركا وحلفائها على سورية ما زالت مستمرة، ولكن مع كلّ ساعة تمضي من عمر هذه الحرب تخسر أميركا ومعها حلفاؤها أكثر مما تخسر سورية، ويدرك الأميركيون هذه الحقيقة ويعرفون أنّ هزيمتهم ستكون لها مجموعة تداعيات، فأميركا اليوم مجبرة على الاستمرار في حربها على سورية إلى أمد معين، ولكن لن يطول هذا الأمد، هي اليوم تقف أمام خيارين لا ثالث لهما، إما الحرب العسكرية المباشرة في سورية، أو الاستدراة في شكل كامل نحو التفاوض العلني مع الدولة السورية. وفي كلا الخيارين أميركا خاسرة، وهذا ما يؤكد أنّ الصمود السوري على مدى أربعة أعوام قد وضع أميركا في أزمة حقيقية وحالة غير مسبوقة من الإرباك في سياستها الخارجية، وهي أزمة ستكون لها تداعيات مستقبلية تطيح بكلّ المشاريع الصهيو أميركية الساعية إلى تجزئة المنطقة ليقام على أنقاضها مشروع دولة «إسرائيل» اليهودية التي تتحكم وتدير مجموعة من الكانتونات الطائفية والعرقية والدينية التي ستحيط بها، حسب المشروع الأميركي.
إنّ صمود سورية هو الضربة الاولى لإسقاط هذا المشروع الذي يستهدف المنطقة كلها، وحسب كلّ المؤشرات والمعطيات التي أمامنا ليس أمام الأميركيين وحلفائهم اليوم سوى الإقرار بحقيقة الأمر الواقع، وهي فشل وهزيمة حربهم على سورية والاستعداد لتحمّل التداعيات.