آخر الكلام نتائج انتخابات الكنيست 2015

إبراهيم علوش

أوباما يتلوى لأنّ نتنياهو عاد لرئاسة الحكومة أقوى مما كان، معززاً مواقعه، ولأنّ حلفاءه في المشهد السياسي الصهيوني تلقوا صفعةً لفحت وجهه أيضاً، ووجه حلفائه الرسميين العرب والفلسطينيين. فقد تمخضت نتائج انتخابات الكنيست العشرين في الكيان الصهيوني عن اكتساح الليكود وحلفائه في اليمن المتطرف صناديق الاقتراع، مع حصول الليكود على ثلاثين مقعداً من مئة وعشرين، وحصول «المعسكر الصهيوني» على 24 مقعداً، وحصول الأحزاب اليمينية واليمنية المتطرفة مثل «يش عتيد» و«كلنا» و«البيت اليهودي» و«شاس» «يهودية التوراة المتحدة» و«إسرائيل بيتنا» على عشرات المقاعد الإضافية في ما بينها، وحلول «ميريتس» الذي يزعم اليسار في نهاية القائمة بأربعة مقاعد، ما يسقط حلم حلفاء أوباما، هرتسوغ وليفني، بالسيطرة منفردين على الحكومة.

إن ما جرى يسقط رهان إدارة الرئيس أوباما وحلفائها العرب والفلسطينيين على استبدال حكومة اليمين واليمين المتطرف بحكومة أكثر اعتدالاً تكون أكثر تجاوباً مع مسرحيات «العملية السلمية» وأقل استفزازاً لمشاعر الشارع العربي، فيما المطلوب أميركيّاً حرف التناقض الرئيسي مع العدو الصهيوني نحو التناقضات العربية الداخلية. لذلك تمثل هذه النتائج ضربة لإدارة أوباما ومشروعها في الإقليم لإثارة «ثورات ناعمة» تفجر الوضع العربي الداخلي. كما أنها تمثل ضربة للرسميين العرب وللسلطة الفلسطينية الذين راهنوا على حكومة صهيونية اكثر استعداداً لتزويدهم أوراق تين يغطون بها استسلامهم وعلاقاتهم التطبيعية وتعاونهم الأمني مع العدو الصهيوني.

واضح بالتأكيد أن «بديل» اليمين الصهيوني، أي فريق هرتسوغ-ليفني، ليس بديلاً له على الإطلاق، وتكفي نظرة واحدة على سجل كلٍ من هرتسوغ وليفني في مجال العمل الاستخباري في الكيان الصهيوني لنعرف أننا إزاء أعداء حقيقيين أنعم ملمساً وأكثر خطراً، لأنهم على استعداد لتقديم تنازلات طفيفة تنقذ ماء وجه المطبعين العرب والفلسطينيين. وعلى كل حال، كل تاريخ الأحزاب اليسارية الصهيونية يشهد لها أنها لا تقل صهيونيةً وعداء للعرب عن اليمين الصهيوني، فلا فرق بين يمين ويسار في الكيان الصهيوني إلاّ بالوسائل، ولا فرق بين مستعمر ومستعمر لأرضنا إلاّ بنوع الأذى الذي يتسبب به لنا. لكن وضوح نتنياهو وحلفائه أفضل لنا لأنه يضيق هامش المناورة التسووية أمام الرسميين العرب والفلسطينيين، ويفرض عليهم أن يذعنوا بشكل غير مشروط أو أن يبقوا خارج اللعبة، والأمران أفضل لنا من صفقة قد يبدو فيها أن العدو الصهيوني قدم بعض أوراقه التي راكمها على مدى عقودٍ بالاحتلال والعدوان لإنجاح عملية التسوية، فنعود بذلك إلى جو التسعينات الرمادي عقب مرحلة توقيع المعاهدات.

بل بدأ الوهم بـ»تغيير إسرائيل من الداخل» يعم على وقع إنشاء «القائمة العربية المشتركة» بقوة دفع من منظمات أميركية وأوروبية و«إسرائيلية» سعت إلى توظيف الصوت العربي في مشروع إدارة أوباما لإطاحة نتنياهو، ما رفع نسبة المشاركة العربية في انتخابات الكنيست من 56 في المئة عام 2013 إلى 65 في المئة عام 2015، وتبين أنّ ذلك وهمٌ في وهم، يهدف الترويج له إلى تحقيق أجندات السلطة الفلسطينية والأنظمة المطبعة والإدارة الأميركية فحسب.

إن المشاركة في انتخابات الكنيست تصويتاً أو ترشحاً أو مشاركةً في تلك الهيئة تطبيع مرفوض ومدان مع العدو الصهيوني، ولم تثبت يوماً أنها تفيد بشيء سوى تقديم قناع «ديموقراطي» للكيان الصهيوني أمام العالم، وتجييش جماهيرنا العربية في الأرض المحتلة للانخراط في النظام السياسي الصهيوني والترويج لأوهام «تغيير «إسرائيل» من الداخل». فالمشاركة في انتخابات الكنيست «أسرلة» للعقل الجمعي العربي الفلسطيني. وإذا كان هناك من سيعتبر أن حصول القائمة العربية المشتركة في انتخابات الكنيست العشرين على 13 مقعداً نصر للعرب، بعدما كان عدد نواب تلك القوائم أحد عشر نائباً، فإننا نذكّر بأن النواب العرب في الكنيست كانوا 14 وأكثر من قبل، إذا عددنا النواب «العرب» عن حزب «الليكود» و«حزب العمل» و«إسرائيل بيتنا» و«كاديما» عرباً… فليست العبرة أن يكون المرء عربياً المولد، بل العبرة أن يكون عربي الانتماء، متمسكاً بعروبة فلسطين من النهر إلى البحر، ومن يستعد مجرد استعداد لأن يقسم يمين الولاء لدولة «إسرائيل» وقوانينها، كما يجب أن يفعل كل عضو كنيست، لا يمكن أن يكون عربياً!

إن قائمة انتخابية تضم النائب اليهودي دوف حنين لا يمكن أن توصف بأنها قائمة عربية مشتركة، فعدد «العرب» الناجحين من تلك القائمة في انتخابات الكنيست العشرين ليس في الواقع 13 بل 12! ولسوف تكشف الأيام في أي حال أن التحالف الانتخابي الصرف الذي قام لتخطي نسبة الحسم البالغة 3،25 من الأصوات ليس في الواقع تحالفاً سياسياً حتى لـ»تغيير إسرائيل من الداخل»، بل لدخول الكنيست فحسب.

لمناسبة فوز اليمين واليمين المتطرف في انتخابات الكنيست العشرين، نؤكد على موقفنا المبدئي رفض المشاركة في الكنيست، ونضيف أن تلك المشاركة بات واضحاً أنها عبثية، سواء تشكلت حكومة يمين ويمين متطرف في الكيان الصهيوني، أو حكومة «وحدة وطنية» تضم نتنياهو وهرتسوغ، فالكنيست لم يصمم ليكون «أداة تغيير ثورية» للكيان الصهيوني، ولا حتى لتحويله إلى «دولة لمواطنيها كافة» ولا ليكون النواب العرب فيه لاعباً رئيسياً من خارج عباءة الأحزاب الصهيونية. واليهود، وإن اختلفوا في ما بينهم، لن يختلفوا علينا.

في الذكرى السنوية الأولى لاغتيال القاضي رائد زعيتر، وذكرى عملية أحمد الدقامسة في الأغوار، نكرر أن برنامجنا في القضية الفلسطينية هو الميثاق القومي 1964 والميثاق الوطني الفلسطيني غير المعدل: فلسطين عربية من البحر إلى النهر، اليهود الذين غزوا فلسطين بعد بدء الحركة الصهيونية لا يعتبرون فلسطينيين، فلسطين تحرّر بالكفاح المسلح وحرب التحرير الشعبية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى