«الربيع العربيّ» قضى على الأغنية العربيّة
هنادي عيسى
استطاع ما سمّي بـ«الربيع العربي» خلال السنين الأربع الماضية أن يؤثر سلباً في الفن الغنائي في العالم العربي، فمثلما قضى على الحجر والبشر في معظم الدول العربية دمر الإبداع بشكل ملحوظ. لا شك في أنّ المزاج العام للناس سيّئ، والاكتئاب يسيطر على الجميع بسبب مشاهد القتل والذبح التي يتابعونها باستمرار على الشاشة. لكن ثمة ضعف كذلك لدى صناع الأغنية عامة سواء الملحنين والشعراء أو الموزعين الموسيقيين. يبدو أن الإبداع لدى معظم هؤلاء اضمحل، وباتت أعمالهم متشابهة وأحياناً كثيرة دون المستوى. ولو عدنا الى الوراء قليلاً، أي الى بداية الألفية الثالثة فإننا نستطيع أن نلتمس سبب تدهور الأغنية العربية عامة واللبنانية خاصة، رغم أن ثمة ثلاثة نجمات ظهرن على الساحة اللبنانية بقوة وفرضن نجاحهن على الجميع وهن نانسي عجرم وإليسا وهيفاء وهبي، وفي مصر برزت شيرين عبد الوهاب وفي الخليج حسين الجسمي. نجاح هولاء الخمسة أخاف أسماء كبيرة كانوا نجوم الثمانينات والتسعينات، مثل راغب علامة ونجوى كرم وأنغام وعبد الله الرويشد ونوال الزغبي وعاصي الحلاني وعمرو دياب وآخرين. إلاّ أن نجاح ظاهرة الجميلة هيفاء وهبي التي لا تملك أياً من مقوّمات الغناء السليم شكّل حافزاً لكلّ من هبّ ودبّ كي يدخل مجال الغناء، فلم تبق جميلة في مصر ولبنان إلا جرّبت حظها في تقديم أغنية أو اثنتين بمضمون مسفّ، وأبرزهنّ دانا وماريا وبوسي سمير ودومنيك حوراني، فضلاً عن جاد شويري وأخريات وآخرين. ذلك كلّه حصل ويا للأسف بتشجيع من شركات الإنتاج مثل «ميلودي» و«مزيكا» و«روتانا» إذ استسهلت إداراتها جني الموال عبر بث كليبات هؤلاء على شاشتها، رغم انحطاط المضمون. غير أن تلك الظواهر ومع بداية ما سمي بـ«الربيع العربي» تلاشت، ومعها فقدت شركات الإنتاج قدرتها على تقديم أعمال جيدة، وزاد الطين بلة تدهور سوق الغناء والقرصنة، وبات متعذراً على أي منتج استرداد أمواله، فما أن يُطرح ألبوم جديد في الأسواق يسارع معجبو الفنان إلى إنزاله على مواقع الإنترنت من دون أي حقوق، ما تسبّب بإقفال «ميلودي» وامتناع «مزيكا» عن الانتاج وإصابة «روتانا» بنكسة، حتى أنّ هذه الأخيرة أبلغت جميع المغنين المتعاقدين معها عدم قدرتها على إنتاج ألبومات غنائية كاملة، مكتفية بإصدار أغانٍ منفردة وتصويرها فحسب، ومن شاء تقديم عمل كامل فإن عليه أن يفعل من حسابه الخاص وتتكفل الشركة بالتوزيع والإعلانات. أصيب المغنون المتعاقدون معها بصدمة، فمعظمهم يرفض دفع الأموال التي كسبها من حفلاته على ألبوماته، أو هم مرغمون على إصدار أغانٍ منفردة لا تنال إعجاب الجميع.
منذ اربع سنين لم نسمع أغنية ذات قيمة، بل مجرد أغانٍ إيقاعية فرضها نجاح ظاهرة علي الديك وشقيقه حسين الديك، أما الأعمال الرومانسية التي أنجزتها كل من إليسا ووائل كفوري فلاقت الاستحسان، لكنها لم تكن قنبلة الموسم. بات المغني يعتمد على إثبات نجاح أغنيته عبر نسبة مشاهدتها على «يوتيوب». وأضحى معلوماً أن في إمكان أي مغنّ اللجوء الى شركة متخصصة تساعده في شراء هذه المشاهدات بمبالغ مقبولة، وبذلك يكون نجاحه وهمياً.
الساحة الغنائية العربية مليئة بالأصوات الجميلة، لكنها تحتاج الى مبدعين لتقديم الأعمال المميزة، فهل نشهد نهضة كهذه قريباً أم أن الأوضاع الأمنية والسياسية في العالم العربي لا تسمح اليوم بذلك؟