في يوم الأرض هذا العام… تجربة عزمي بشارة لن تتكرّر

الياس عشّي

في الثلاثين من آذار عام 1976، خرج الفلسطينيون في تظاهرات صاخبة، متحدّين قرار سلطات الاحتلال بمنع التجوّل، مطالبين بإلغاء القانون الخاص بمصادرة ألوف الدونومات من الأراضي الخاصة والمشاع، والتي تعود ملكيتها إلى سكّان عرب لطالما نكشوا ترابها، وزرعوها، وأكلوا وأطعموا من خيراتها، وشربوا من ينابيعها، وحافظوا على قداستها. وحصلت المواجهة بين يد تحمل معولاً وأخرى تحمل بندقية، وسقط ستّة من الشهداء الفلسطينيين، هم اليوم من أروع ما تحمله الذاكرة من الوقفات النبيلة.

لن أسمح لـ«داعش» ولا لـ«جبهة النصرة»، ولا للفوضى التي تضرب اليمن، ولا لمتحف بوردو الذي استباحه التكفيريون، ولا للنزاع الناشئ بين أوباما وناتنياهو هذا إذا افترضنا أن هناك نزاعاً بينهما ، لن أسمح لهم أن يكونوا، اليوم تحديداً، محور الكلام. الأولويّة اليوم هي لفلسطين التي نسيها العالم، وليوم الأرض الذي منذ تسعة وثلاثين عاماً يمرّ مطأطأ الرأس، محبطاً، وحزيناً.

يوم الأرض في فلسطين هذا العام غيره في الأعوام السابقة، ففلسطينيو الأرض المحتلّة أرادوا أن يحتفلوا بهذه المناسبة احتفالاً بعيداً عن التقليد، احتفالاً يليق بالشهداء الستة الذين قضوا في يوم الأرض. فماذا فعلوا؟

كانت الأرضية جاهزة، فانتخابات الكنيست على الأبواب، والمعركة في الذروة بين متطرفين يهود لا مكان للمعتدلين في صفوفهم، فحزم الفلسطينيون العرب أمرهم : نسوا انتماءاتهم، وميولهم الحزبية، وطموحاتهم الشخصية، ونزعاتهم الدينية، ونزاعاتهم السياسية، ونجحوا، للمرة الأولى، في خوض المعركة الانتخابية بلائحة واحدة، ونجحوا في إيصال من يريده الشعب الفلسطيني إلى الكنيست. وقدّموا هذا النجاح هديّةً ليوم الأرض.

فجأة خرج يوم الأرض من عزلته، ومشى مرفوع الهامة، ورافقه محمود درويش رافعاً صوته:

«حاضري غيمة.. وغدي مطر»

صارخاً:

«مشياً على الأقدام

أو زحفاً على الأيدي

سنعود».

وإلى جانبه سميح قاسم يتمتم:

«دمُ أسلافي القدامى لم يزل يقطر منّي

وصهيلُ الخيلِ ما زال، وتقريعُ السيوفْ

وأنا أحمل شمساً في يميني وأطوفْ

في مغاليق الدّجى.. جرحاً يغنّي».

وسرى الخبر، فنفضت كروم الزيتون عنها الغبار مغتسلة بغيمة درويش، وتسلّل ماء الزهر من بيارات الليمون، وتوافد الناس من كلّ مكان، وامتلأت الشرفات بالصغار والكبار، وانتشرت الأعلام الفلسطينية كما لم تنتشر من قبل، وعلا صوت المؤذن على إيقاع جرس الكنيسة، فيما وقفت الحراب «الاسرائيلية» عاجزة عن تطبيق قرار حكومتها بمنع التظاهر في يوم الأرض.

كان الفلسطينيون، هذه المرّة، هم الأقوى. وعندما تفرّقوا، كانوا متأكدين من أن تجربة عزمي بشارة لن تتكرّر أبداً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى