يوم الأرض… خلفياته ودوافعه ومعانيه
رامز مصطفى
يُحيي الشعب الفلسطيني في الثلاثين من آذار من كلّ عام، ذكرى يوم الأرض الفلسطينية. تلك الذكرى التي حوّلها الفلسطينيون يوماً للتأكيد على تمسكهم بأرض وطنهم، وعدم التسليم والإذعان إلى كلّ إجراءات وسياسات الكيان الصهيوني الهادفة إلى الاستيلاء على الأرض وطمس هويتهم الوطنية، ومن ثم القول إن لا حقوق للفلسطينيين على أرضهم، حيث تسعى الحركة الصهيونية إلى فرض كيانها المصطنع عبر ما يُسمّى بـ«الدولة القومية للشعب اليهودي».
هبة الأرض الفلسطينية في الثلاثين من آذار عام 1976 ليست مصادفة أو وليدة لحظتها، بل جاءت تعبيراً عن سياق طويل عمره من عمر النكبة، من الممارسات العنصرية التي انتهجها الكيان الغاصب بحق الفلسطينيين، من اضطهاد وتهميش وطمس لهويتهم الوطنية.
الخلفية الصهيونية
اعتبرت الحركة الصهيونية أنّ الأرض الفلسطينية يجب أن تكون ركيزتها الأولى لإنجاح مشروعها الاستيطاني، وهذا ما أشارت إليه أدبيات الحركة الصادرة عن المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897 في بال بسويسرا. وحسب المفاهيم الصهيونية، لجأ الصهاينة ومن أجل الحصول على الاستيلاء على الأرض الفلسطينية بطرق عدة:
1 ـ القوة العسكرية والاغتصاب وارتكاب المجازر.
2 ـ مصادرة الأراضي قسراً، وهذا ما مارسته حكومة الانتداب البريطاني، ومن ثم الكيان الصهيوني.
3 ـ شراء الأراضي بشتى الطرق والأساليب…
وعليه قامت المعادلة «الإسرائيلية» في تعاملها مع شعبنا في مناطق في فلسطين التاريخية عام 1948 بـ أرض أكثر وعرب أقلّ .
رغم كلّ الممارسات الصهيونية الهادفة إلى تنفيذ سياسة التهويد، حافظت منطقة الجليل بأغلبيتها العربية على طابعها العربي الفلسطيني. فعمدت سلطات الاحتلال الغاصب عام 1975 إلى الإعلان عن مشروع تهويدي جديد تحت مسمّى «تطوير الجليل»، مخطط تهويد الجليل، والذي أعده «يسرائيل كنج» قائد ما يُسمّى لواء المنطقة الشمالية في آذار 1976، وحذر فيه من ازدياد تعداد الفلسطينيين، والذي أصبح مساوياً لعدد اليهود، وأوصى فيه الحكومة «الإسرائيلية» بضرورة العمل على خفض نسبة الفلسطينيين العرب في الجليل والنقب، من خلال الاستيلاء على أراضيهم الزراعية والتضييق عليهم اقتصادياً واجتماعياً، لدفعهم نحو ترك أرضهم والهجرة.
وهذه الخطة كانت كفيلة بمصادرة عشرين ألف دونم من أراضي الفلسطينيين حسب ما خططت له حكومة الكيان «الإسرائيلي» الغاصب بهدف خلق تغيير ديموغرافي لصالح اليهود على حساب الفلسطينيين. وهذا ما ذهبت إليه نشرة وزارة الزراعة الصهيونية عام 1975 والتي ذكرت «أنّ هناك مشكلة خاصة في الجليل، هي أقلية السكان اليهود بالنسبة إلى الأقليات غير اليهودية، والتي تؤلف 70 في المئة من مجموع السكان». وبذلك كشفت هذه النشرة عن الأهداف الحقيقية لما سُمّي زيفاً خطة «تطوير الجليل». وقد مهّدت سلطات الكيان الطريق إلى ذلك بسلسلة واسعة من القوانين التي تمسّ بالمباشر الفلسطينيين وممتلكاتهم وأراضيهم. ومن أبرزها:
ونتيجة تكثيف الصهاينة لمصادرتهم للأراضي الفلسطينية منذ نكبة عام 1948، حيث مثلت الذروة لهذه المصادرات ما أقدمت عليه حكومة الكيان الصهيوني في التاسع والعشرين من آذار العام 1976 من وضع اليد على الآلاف من الدونمات في مناطق الجليل الفلسطيني في سخنين وعرابه ودير حنا وعرب السواعد. علماً أنّ السلطات الصهيونية قد صادرت منذ العام 1948 وحتى العام 1972 أكثر من مليون دونم من أراضي القرى العربية في الجليل والمثلث، إضافة إلى ملايين الدونمات الأخرى التي استولت عليها عام 48
دور المفكرين والقادة الصهاينة
– ورد في مذكرات «نبي» الصهيونية الأبرز هرتزل: «أنّ الحركة الصهيونية منذ نشأتها كحركة وضعت أمامها هدف الاستيلاء على الحدّ الأقصى من الأرض كحتمية لإقامة دولة يهودية كبيرة».
– ناحوم غولدمان: «إنّ مستقبل الصهيونية العالمية يتوقف على سياسة الهجرة اليهودية إلى «إسرائيل»، فإذا حلت مشكلة الهجرة وهي المشكلة الثانية، فإنه لن تكون هناك مشكلة أولى وهي مشكلة الأمن».
– الأب الروحي أوشيسكين وفي خطابه أمام اللجنة التنفيذية الصهيونية عام 1937 قال «ليست الزراعة هي ما نصبو إليه، بل أننا نطمح في الدرجة الأولى إلى أن نضمن للأمة أوسع الحدود الممكنة لبلادنا». وأضاف: «ولما وضعنا البرامج من أجل الحصول على الأراضي كان هذا الهدف دائماً نصب أعيننا الاستيلاء على مناطق بعيدة. ففضلاً عن جودة الأرض كانت تحركنا الرغبة لتوسيع الحدود مهما بلغت المصاعب».
– ووضع بن غوريون الأسس العملية للسياسات الاستيطانية الصهيونية لكلّ الحكومات المتعاقبة في تنفيذ برنامج تهويد الأرض الفلسطينية، حين قال: «الاستيطان نفسه هو الذي يقرّر إذا كان علينا أن ندافع عن الجليل أم لا».
– وجاء على لسان رعنان فايتس رئيس قسم الاستيطان في الوكالة اليهودية سابقاً «إنّ مخططي الاستيطان الصهيوني خلال الستين عاماً المنصرمة عملوا على أساس أنّ حدود المستقبل للدولة اليهودية يجب أن تعيّن من خلال أنظمة من المستوطنات السكانية، تبدأ كنقاط استيطانية، وتأخذ بالتوسع لأكبر مساحة ممكنة من الأرض».
ـ عبر نتنياهو عام 2003 عندما كان وزيراً للمالية في حكومة شارون عن التوجهات نفسها في كلمة ألقاها أمام مؤتمر هرتسليا في دورته الثالثة. ومما جاء فيها «إننا نواجه مشكلة ديموغرافية، لكنها غير متركزة في عرب «إسرائيل». ولذا فإنّ المشكلة الديمغرافية لن تكون قائمة هناك عندما ينتقل هؤلاء السكان إلى السيادة الفلسطينية. وقد حدّدت «وثيقة الاستقلال» قيام دولة يهودية وديمقراطية. ولكي لا تلغي الديمقراطية الطابع اليهودي للدولة، لذا يجب ضمان أغلبية يهودية»، ويضيف نتنياهو «إنّ مسألة العلاقة بين الأغلبية اليهودية والأقلية العربية هي مسألة نسيج العلاقات والقدرة على دمج هذه الأقلية في حياة الدولة والاقتصاد والمجتمع من جهة أولى، ومسألة العدد من جهة ثانية. وإذا ما تمّ دمج الأقلية العربية في الدولة، ووصل عددهم إلى 35 في المئة أو 40 في المئة من مجمل عدد السكان، عندها ستصبح الدولة اليهودية ملغية وتتحوّل إلى دولة ثنائية القومية»، ويخلص نتنياهو إلى القول: «حتى لو بقيت نسبتهم حوالي 20 في المئة، فالعلاقات ستبقى تتسم بالتحدّي والعنف، وفي هذه الحالة أيضاً سيتمّ مسّ ادّعائنا بشأن النسيج الديمقراطي. ولذا نحن بحاجة إلى انتهاج سياسة توازن بين هذين الأمرين. وقبل أيّ شيء يتعيّن علينا أن نضمن أغلبية يهودية في دولة إسرائيل».
انتفاضة الأرض وشهدائها
بعد إصدار وزير الجيش الإسرائيلي إسحاق رابين في العام 1976 قراره بمصادرة حوالي 21 ألف دونم من الأراضي الفلسطينية التي تعود لبلدات دير حنا، سخنين وعرابة في منطقة الجليل، اتضح أنّ هدف خطة «تطوير الجليل» هي المزيد من الاستيلاء على الأرض الفلسطينية في مناطق الجليل والمثلث، تنادت نخب الشعب الفلسطيني، إلى عقد اجتماع بهدف بحث سياسة الاستيطان، ومخاطرها على الهوية الوطنية الفلسطينية. وفي نهاية الاجتماع اتفق على تشكيل لجنة للدفاع عن الأرض باسم «اللجنة الوطنية للدفاع عن الأراضي». والتي عقدت اجتماعها الأول قاعة فندق غراندنيو في الناصرة في آب 1975. وكان من مقرّراتها الدعوة إلى مؤتمر شعبي يطالب بوقف مصادرة الأراضي، وإلى إصدار نداء موجه إلى الرأي العام لحمله على مواجهة ومقاومة مصادرة الأرض الفلسطينية.
ومساء يوم التاسع والعشرين من آذار اقتحمت قوة حرس الحدود والشرطة قرية عرابة، وباشرت بإطلاق النار على المواطنين، استشهد على أثرها الفلسطيني خير ياسين كأول شهداء يوم الأرض. وفي يوم الثلاثين من آذار، وفي خطوة تهدف إلى إفشال الإضراب العام الذي أعلنت عنه اللجنة الوطنية، أصدرت الشرطة «الإسرائيلية» قراراً مُنع بموجبه التجوّل في قُرى الجليل والمثلث لمدة 24 ساعة. ولكن هذا القرار لم يجد طريقاً له عند الفلسطينيين الذين خرجوا في حشود كبيرة إلى الشوارع والساحات معبّرين عن سخطهم، واشتبكوا مع الجيش والشرطة، في مواجهة لم يسبق لها مثيل حيث سقط العشرات من الشهداء والجرحى واعتقال المئات. والشهداء هم:
اليوم وبعد مرور تسعة وثلاثين عاماً على يوم الأرض سيبقى الصراع مفتوحاً بين الشعب الفلسطيني وقواه مع الكيان الصهيوني وسياساته العنصرية والاستيطانية الهادفة إلى محو هويتنا الوطنية، والحؤول دون تحقيق الفلسطينيين أي من تطلعاتهم وأمانيهم على وطنهم فلسطين. ولعلّ انتخابات «الكنيست» الأخيرة قد أظهرت وبشكل واضح وجلي المستويات المتقدمة من العنصرية وخطاب الكراهية لشعبنا الفلسطيني، من خلال الحملة الشعواء التي مارسها نتنياهو.