الكتب عبوات ناسفة… و«تويتر» كارثة
كتب تسفي برئيل في «هاآرتس» العبرية:
أعين البطريق الغاضبة وأجنحته الكبيرة الممتدة إلى جانبيه، وكأنه مستعدّ للطيران والهرب، تعطي مغزى عملياً حاداً لشعار المجلة التركية الساخرة «البطريق». «البطريق»، مجلة ملاحَقة، ومحرّروها ومنهم بهادير بروتر وأوزير آيدوان موقوفون للمحاكمة بتهمة الإساءة لسمعة الرئيس رجب طيب أردوغان. إذا أدينوا، ربما يُسجنون لخمس سنوات. ذريعة الدعوى كاريكاتور نشرته المجلة في آب 2014، بعد وقت قصير من انتخاب أردوغان رئيساً، وفيه يبدو وكأنه يتوجه إلى موظفين كبار ويسألهم هل قاموا بتجهيز صحافيّ للذبح، وقربه وقف رجل برتبة عالية يشير بيده بحركة بذيئة.
أيضاً الصحافية مقدّمة الاخبار السابقة سداف كباش، ستُقدّم هذا الشهر للمحاكمة بتهمة «نشر الاكاذيب» على صفحتها في «تويتر». اتهمت كباش الحكومة بأنها تتستر على جرائم الفساد، وانتقدت طريقة معالجة المحكمة قضية الرشوة الكبرى قبل سنة، التي كان متورطاً فيها وزراء في الحكومة. ومن المتوقع إذا أدينت، أن تُحكم ببضع سنوات بجريمة توجيه اتهامات لشخصيات تحارب الإرهاب.
في مقابلة تلفزيونية أجرتها مع تلفزيون «هالك»، قرأت كباش بياناً طويلاً عدّدت فيه بالتفصيل مظالم النظام، ملاحقات الصحافيين، والفساد المتفشي في أجهزة النظام: «أنا أحاكَم في دولة الكتب فيها تعتبر عبوات ناسفة وتويتر يعتبر كارثة». الصحافيون الذين يسألون الاسئلة يسمّون «عديمو الخجل»، ومن يجسدون حقهم القانوني بالتظاهر يسمون «مشاغبون»، ورجال الشرطة الذين يكشفون المخالفات يتهمون بالتحريض على العصيان، والمدّعون الذين يبادرون إلى فتح التحقيقات يسمّون «خائنون للدولة».
في 5 آذار، حوكم صحافي تركي بخمسة أشهر سجناً مع وقف التنفيذ بسبب إهانته أردوغان في صفحته على «فايسبوك»، وصودر جهازا الحاسوب لصحافيَين آخرين بعدما أهانا الرئيس بحسب الادّعاءات.
منذ انتخب أردوغان رئيساً، قدّمت نحو 70 دعوى ضد صحافيين ومواطنين بتهمة الإساءة للرئيس أو للحكومة، وأدين عشرة صحافيين على الأقل بأحكام بالسجن.
في هذا الشهر، وقّع 74 سيناتور أميركي على رسالة يطلبون فيها من وزير الخارجية جون كيري العمل ضد تقييد حرية التعبير في تركيا. قبل ذلك قام 90 من أعضاء الكونغرس بإرسال رسالة مشابهة، لكن مشكوك فيه أن تغير هذه الرسائل طبيعة الحرب التي يشنّها أردوغان ضدّ وسائل الاعلام التركية التي تجرؤ على انتقاد تصرفاته. سفير تركيا في واشنطن، سردار كيلتش، تذكر قبل يوم من نشر رسالة السناتورات أن يرسل ردّاً يحدد فيه أن الرسالة مليئة بالتشويهات. صحيفة «سبأ» التي يملكها صهر أردوغان أوضحت أن منظمة فتح الله غولان، خصم أردوغان السياسي، هي التي تقف وراء المعركة ضد تركيا، حتى أنها أشارت إلى أن عدداً من أعضاء من الكونغرس تلقوا الرشوة من المنظمة.
تركيا التي تصنف في المرتبة الـ149 من بين 180 دولة على سلّم حرية التعبير في منظمة «صحافيون بلا حدود»، مرّرت في الاسبوع الماضي قانوناً شرساً قديماً ـ جديداً، وبحسب هذا القانون يستطيع رئيس الحكومة والوزراء طلب وقف أو مواقع على الإنترنت إزالتها، إذا تبيّن أنها تضرّ بالأمن العام أو بالنظام وتهدّد ممتلكات أو صحة الجمهور».
سلطة الإعلام التركية ملزمة بتوجيه ذلك الطلب إلى مزوّدي خدمات الإنترنت خلال أربع ساعات من عرضه، والمزوّد الذي لا يستجيب له، يغرّم بمبالغ عالية. هذا الاجراء يتم من دون أمر من القاضي، لكن يمكن الاستئناف ضده أمام المحكمة. وهو لا يمنع تقديم طلب تعويض عن الضرر ضدّ المزوّد وأصحاب الموقع. صحيح أنه قبل نصف سنة فقط ألغت المحكمة الدستورية قانوناً مشابهاً، لكن يبدو أن الحكومة التركية ستجد الطريقة لتمرير هذا القانون في هذه المرة على رغم الانتقاد الدولي والمحلي.
حرب أردوغان ضدّ الصحافة ليست جديدة. فهي تمتد تقريباً طوال فترة ولايته في عدة مجالات: لقد شجع مؤيديه على امتلاك وسائل إعلام خصومه، بعدما فُرضت غرامات عالية جدّاً عليها. كما تدخل في تعيين محرّرين وصحافيين. ليس هناك أيّ خطاب علنيّ لا يذكر فيه الضرر الذي تسببه لتركيا وسائل إعلام معينة، كما أنه لا يتأخر في استخدام الجهاز القضائي ضدّ كلّ من يجرؤ على انتقاده.
في تركيا يقدّرون أن هذه الحرب ضدّ وسائل الاعلام الانتقادية ستتعاظم كلما اقترب موعد الانتخابات البرلمانية في بداية حزيران. أردوغان الذي يتطلع إلى إحراز غالبية 400 عضو برلماني من حزبه من أجل القدرة على تغيير الدستور وطريقة الحكم، يطرح هذه الانتخابات كتصويت للثقة به. هذه الحالة النفسية لا تحتمل الانتقادات حتى لو كان تفسير هذا الامر، صيغة تركية للشعار «الإسرائيلي» المعروف: «دولة تركية وديمقراطية ـ في البداية تركية وبعد ذلك ديمقراطية».