تقرير إخباري بين المال والإذلال و«الاستراتيجيا» المرتعشة الأيدي
فاديا مطر
منذ نشوء حلم الوحدة العربية في اربعينات القرن الماضي، وصولاً إلى إنشاء جامعة الدول العربية التي لم تتخذ حتى الآن خياراً يتعدى في حده الأدنى الشجب والاستنكار والتنديد وفي حده الأعلى شرعنة الاعتداء على دولها المؤسسة لها.
قمة أصبح وقع حدوثها على الآذان اعتيادياً، وليس آخرها قمة «شرم الشيخ» بدورتها الـ «26» على خلفية أحداث متسارعة في نبضها ووجوه جديدة تعطي للقمة خيارات جديدة مخيفة في بعض احيانها ومُبهمة في الأحيان الاخرى، لجهة الخلافات والمصالحات وما يقع منها في موقع شرعنة الحروب، في ظل حكم جديد لمصر يُعتبر أحد الوجوه الجديدة على مسارح القمة التي وضعت خصوم الأمس على ضفة تجديد النفس في جبهة واحدة، بعد أن أعلنت قطر رسمياً مشاركتها في القتال ضد «الحوثيين» إستجابة لطلب «هادي» في رسالته الموجهة إلى دول الخليج، وقامت بإرسال طائرات للمشاركة في العملية العسكرية أسوةً بنظرائها الخليجين باستثناء «عُمان»، في مقابل تقدم مصر خطوة للأمام لتسبق بها العديد من الدول المشاركة، مؤشر يدل إلى تبدل في التحالفات وخطوط التماس واهتمامات جديدة تطل من شرفة بيت السياسة المصرية التي أبرزها الأهتمام الكبير لزيارة أمير قطر إلى مصر تميم بن حمد آل ثاني ومشاركته في القمة، اهتمام جعل المال يطل من الشرفة الأخرى.
فبإجماع مراقبين كُثر ساد القول أن حرص الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على أن يكون أول مستقبلي أمير قطر لحظة وصوله إلى المطار مع المصافحة وتبادل القبل، وحرص الشيخ تميم هو الآخر على أن يوجه «برقية شكر وتقدير» لأخيه المصري أثناء مغادرته لمصر وما حوى هذا من لقاءات ثنائية جمعتهما، هو ما يمكن أن يجعل مصر أمام خيارات ليس أقلها أن السيسي وضع مصر أمام لوحة ترسيخ الاعتقاد بأن الاستثمار فيها هو استثمار في قلب أمن الشرق الاوسط، وأمن البحر المتوسط، وصولاً إلى أمن أوروبا. وإن الطريق مفروش بالورود في وجه أي مشاكل وتحديات تعوق طريق هذا الاستثمار، الذي يرتبط أرتباطًاً وثيقاً بتعامل السيسي مع السياسة السعودية المتغيرة في ظل ظروف المنطقة ومغادرة هادي مع العاهل السعودي من القمة إلى الرياض، تبدل بدأت تتضح آثاره بغمز ضمني من جماعة الاخوان المسلمين، الذي اعتبره محللون ورقة إثبات حسن نوايا في طريق مصالحة مع السيسي، ثنائي خطر يتجه ليتموضع في مصر التي لم تبارح الساحة الروسية منذ قيادة إنقلاب 30 حزيران 2013، ليبقى السؤال المطروح بقوة أين ستتموضع مصر في قلب الثلاثي الخطر الإخوان والسعودية من جهة والرأس الروسي من جهة أخرى؟ وهل ستكون في تموضع سياسي «براغماتي» يقيها ويقي مصالحها على المستوى الإقليمي والدولي، خصوصاً بعد إعلان الأطراف اليمنية عن طلب من روسيا للتدخل بوساطة توقف ما يجري في اليمن على لسان المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف ومحاولة تسوية الصراع على قاعدة الضرورة بأن تكون «لقرارات ولمواقف متوازنة» وعدم وقوف الوسيط في صف أي من الأطراف، بعد حضور بوغدانوف قمة شرم الشيخ المصرية، التي غلب عليها طابع الدفع باتجاه ما يسمى تطبيق «معاهدة الدفاع العربية المشتركة» وتشكيل قوة عربية عسكرية لمواجهة «الأخطار المحدقة» بالدول العربية، ليُترك الباب مفتوحاً أمام نوع هذه الأخطار ومصادرها، فهذه رؤية العرب للكلمة العسكرية المقبلة، وهي التي تقود ما يسمى «عاصفة الحزم» السعودية التي تشكل مصر «الجنرال السيسي» عصباً قوياً فيها، في ظل خياراته «الاستراتيجية» التي تتوزع بين المال ومشاركة مصر في توثيق العلاقات بينها وبين دول الجوار من حوض النيل وبالأخص أثيوبيا، وبين الآمال في حصول مصر في غضون العشر سنوات المقبلة على حجم استثمارات كرستها القمة المصرية يمكن لها أن تتراوح بين 250 ـ 300 مليار دولار تُمكن مصر بالانتقال من مصافي الدول النامية إلى مواقع الدول المتوسطة الدخل، فهل ستنجح مصر في تحديد أولوياتها الاستراتيجية بعد القمة في ضوء تبدل موازين القوى في ميادين وصراعات الجغرافيا السياسية، وقيادة الدور المحوري القادم في غرفة عمليات تعتمد طريق حشد التوائم «السعودي ـ المصري ـ القطري ـ «الإخواني» في الساحات العربية على وقع التفاهمات الدولية المقبلة من الغرب؟