جزر سعودية تحت الاحتلال «الإسرائيلي»
جهاد أيوب
بفضل الإعلام السعودي المسيطر منذ عقود، بخاصة الفضائي منه، تناسى أغلب الجمهور العربي أنّ «إسرائيل» هي العدو، لا بل أصبحت صديقة، وإيران هي التي تحتلّ المنطقة العربية، ويظن الكثيرون أنّ الأراضي العربية المحتلة من قبل العدو «الإسرائيلي» هي فقط مرتفعات الجولان السوري المحتلّ ومزارع شبعا اللبنانية، أما فلسطين فلم تعد تذكر في أدبيات الإعلام السعودي، لكن هذا الظنّ ليس حقيقياً، فهناك جزيرتان سعوديتان مُحتلتان ومُسيطر عليهما من قبل الاحتلال «الإسرائيلي» مُنذ عدة عقود، ولم يطالب بهما أحد!؟
والغالبية العظمى من الشعب السعودي وحتى من الشعوب العربية لا تعرف أنّ هناك جزراً وممرات بحرية سعودية محتلة من قبل «إسرائيل» منذ عام 1967 وحتى يومنا هذا، وهاتان الجزيرتان هما «صنافير» مساحتها 33 كلم مربع و«تيران» مساحتها 80 كلم مربع ، ولهذه الجزر موقع استراتيجي بالنسبة إلى «إسرائيل» لكونهما تحرسان منفذها الوحيد إلى البحر، وحالياً تقيم عليهما محطة كبيرة للإنذار، ولو وضعت أي دولة فيهما معدات عسكرية لاستطاعت أن تشلّ حركة السفن «الإسرائيلية» عبر ميناء إيلات وخليج العقبة كلياً، فأهميتهما كبيرة جداً بسبب الموقع الاستراتيجي الحساس، حيث تقعان في بوابة مضيق تيران وهو ممرّ مائي عرضه 4,5 كلم بين شبه جزيرة سيناء وشبه جزيرة العرب، ويفصلان خليج العقبة عن البحر الأحمر، وبهذا فموقعهما يُسيطر على بوابة خليج العقبة وإيلات، وهما يُعادلان في الأهمية بالنسبة للموقع كجزر حنيش التي استرجعتها اليمن من أريتريا عبر التحكيم الدولي.
كما تعتبر مضائق تيران، وهي التسمية الحقيقية لها، المنفذ التجاري للاحتلال «الإسرائيلي» نحو آسيا وأفريقيا، حتى أنّ «إسرائيل» أطلقت اسم «تيران» على مجموعة من دباباتها، ولهذه الجزيرة أهمية استراتيجية في المنطقة، إذ تشكل أضيق مقطع في المضيق الذي يمرّ به كلّ ملاحة موانئ العقبة الأردني وإيلات، وتحوي الجزيرة اليوم على حقول الألغام أكثر مما قد تحويه قارة بأكملها.
وهذا يعني أنّ هناك مضيقين أوسعهما بين مدينة شرم الشيخ بسيناء وجزيرة تيران وفيه ممران أعمقهما وأوسعهما هو ممر «إنتربرايز» إلى الغرب عمقه 950 قدماً وممر «جرافتون» المحفوف بالشعاب المرجانية عمقه 240 قدماً ، والمضيق الآخر بين جزيرة «صنافير» وجزيرة العرب ضحل عمقه 54 قدماً وممرّه ضيّق. وجزيرتا «صنافير» و«تيران» التابعتان لأراضي المملكة العربية السعودية وقد احتلتهما «إسرائيل» في حرب 67 بسبب موقعهما الاستراتيجي الهامّ، ولأنهما تقعان على بوابة مضيق تيران بعد أن استعارتهما مصر من السعودية لإغلاق المضيق أمام الملاحة «الإسرائيلية»، ثم خسرتهما مصر في تلك الحرب كما خسرت صحراء سيناء، والغريب أنّ أنور السادات لم يُطالب بهما ضمن اتفاقية «كامب ديفيد» لأنهما في الحقيقة جزيرتان سعوديتان؟!
تبرّأت السعودية منهما وألقت بتبعيتهما على مصر، ومصر السادات بدورها تبرّأت منهما، وقالت إنّ هذه الأراضي تابعة للسيادة السعودية، وفي 4 تشرين الأول 1956 احتلّ الكيان الصهيوني مضائق تيران التابعة لأرض السعودية ومنها وصل إلى قناة السويس مع فرنسا وبريطانيا. وكانت هذه المضائق محلّ خلاف حول ملكيتها مع مصر، إلا انه بعد أن احتلها «الإسرائيلي» أصبح وكأن الأمر لا يعني السعودية، بل تركت مصر تفاوض في شأنها حتى انسحب منها الكيان الصهيوني في ما بعد. لكنه في عام 1967 وخلال الحرب استولى عليها مرة ثانية واستولى كذلك على جزيرة «صنافير» السعودية ثم عاد «الإسرائيليون» وانسحبوا من مضائق تيران لكنهم أعادوا احتلالها في نهاية شهر آب، وتقول وثائق أميركية كشف عنها أنّ الملك فيصل أبدى امتعاضه وطلب الانسحاب من تيران سراً خوفاً من الإحراج، إلا أنّ «إسرائيل» تعهّدت أن تظلّ تيران منزوعة السلاح، وأن لا يمنع «الإسرائيليون» من حرية المرور من خلال هذه المضائق. وتذكر الوثائق أنّ ردّ «الإسرائيليين» على عرض فيصل كان سلبياً، وقد جاء الردّ على لسان اسحاق رابين حين كان سفير الاحتلال «الإسرائيلي» في الولايات المتحدة، والذي قال إنه لا خلاف على ذلك فالقضية أنّ ثلاثة من رجال فتح مسلحين برشاشات بإمكانهم إغلاق المضائق، وهي حساسة جداً بالنسبة لنا، وذكر بأنه سيجري ترتيبات بالنسبة لهذه القضية ضمن اتفاق أكبر بين «إسرائيل» والسعودية. وفي شهر نيسان 1968 قدم الملك فيصل شكوى إلى الولايات المتحدة بأنّ جزيرة «صنافير» قد تكون هي الأخرى معرّضة للاحتلال من قبل «إسرائيل»، وعندما تحققت الولايات المتحدة من ذلك وجدت أنها محتلة منذ حرب حزيران 1967 أيّ منذ عشرة أشهر من دون أن يعلم الملك فيصل والحكومة السعودية بذلك! ويذكر أنّ مصر وقبل الاحتلال «الإسرائيلي» قامت باستئجار جزيرتي تيران وصنافير من السعودية، لتصبح مياه مدخل الخليج مصرية فيحق لها السيطرة البحرية عليها، وبمجرّد أنّ اكتسبت هذا «الحق القانوني»، قامت بقفل الخليج في وجه الملاحة «الإسرائيلية»، كما فرضت التفتيش البحري على كافة السفن التي تطلب المرور في المضيق، فاكتسبت منطقة شرم الشيخ تبعاً لذلك أهمية سياسية وعسكرية كبيرة.
وقد احتلت «إسرائيل» هاتين الجزيرتين في حرب 67 بسبب موقعهما الاستراتيجي الهام لأنهما تقعان على بوابة مضيق تيران. وبالعودة إلى تاريخ الأزمة فقد نشأت مشكلة مضائق تيران كنتيجة لقيام دولة «إسرائيل»، والتي تعرّضت إلى خليج العقبة، حيث أنشأت ميناء إيلات، وفي عام 1950 أعلنت مصر حالة الحرب على «إسرائيل»، وفي كانون الأول من العام ذاته، أدّت المناوشات الساحلية القائمة في شرم الشيخ ورأس النصراني إلى إغلاق خليج العقبة في وجه الملاحة «الإسرائيلية»، وفي ذلك إعلان خليج العقبة مياهاً عربية إلا أنها تعدّ ممراً مائياً ملاحياً دولياً يخضع للقوانين التي تحكم الملاحة في الممرات المائية المماثلة. الغريب أنّ السعودية دخلت نزاعاً دامياً مع اليمن على بعض الجزر المرجانية الصغيرة كان من ضمنها جزيرة فرسان مع أنها لا تقع على أيّ منفذ بحري كما هي حال جزيرتي «تيران» و«صنافير»؟
ولذلك من حقنا أن نسأل: أين نخوة آل سعود ومن معهم من أعراب من الجزر السعودية المحتلة، أم أنّ اليمن هو «الممرّ الشرعي» لتحرير الجزر؟ لذلك تشن السعودية حرباً همجية نابعة من حقد بدوي جاهلي، وتلبية لنداء المؤسّس الذي قال لأبنائه: «عزكم في ذلّ اليمن وذلكم في عز اليمن»!