بعد ثورتين مجيدتين: متى تتطهّر بلادنا من دنس التطبيع مع العدو الصهيوني؟!
د. رفعت سيد أحمد
من الأحاديث النبوية المهمة، قوله: «لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر فيقول الحجر أو الشجر يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله»… رواه البخاري ومسلم.
هذه النبوءة التاريخية للنبي محمد، أضحت اليوم حقيقة على الأرض الفلسطينية والعربية، وهي تؤكد بالمعنى التحليلي أنه لن تقوم القيامة حتى تعلن تلك الصيحة، بل لعلنا نزيد في التفسير إلى الحدّ الذي نقول فيه أنّ يوم القيامة مرتهن حدوثاً واكتمالاً بوقوع تلك الصيحة: «خلفي يهودي فإقتله»، إنها الصرخة التي تكتسب أكثر من معنى في واقعنا المعاصر وتقدم أكثر من نبوءة:
أولاً : لم يقل الحديث الشريف أمامي يهودي أو «بيني يهودي» بل قال «خلفي يهودي»، بما يعنيه ذلك من معان وإيحاءات تعكس طبيعة الحرب وطبيعة الخصم الذي سنقاتله، فهي حرب مع عدو غادر لن يأتي أبداً من «أمامنا»، ولن يجرؤ أبداً على العيش في «وسطنا» ولكنه دائماً سوف يأتي من خلفنا، من الظهر، ليطعننا دون أن ندري، إلا أنّ الله العالِم بكلّ شيء، سوف يُنطِق لنا الحجر، والشجر، وكلّ المخلوقات غير الناطقة لتصيح في تلك اللحظة التاريخية، «خلفي يهودي فاقتله»، مما يؤكد أيضاً أنّ الحرب المقبلة سوف تكون حرباً شاملة، ضارية، لن تبقي، وينبغي لها ألا تبقي صهيونياً فوق الأرض الفلسطينية والعربية!
ثانياً : إن ما نعيشه اليوم على امتداد ساحة العالمين الإسلامي والعربي، وفي مجتمعنا المصري منذ زيارة السادات إلى القدس عام 1977 وحتى اليوم 2015، من أحداث وهزائم، ووقائع طاحنة، يؤكد بوضوح أنه يقف خلفها، دائماً «اليهود الصهاينة» داخل فلسطين أو خارجها، ولا فرق عندي بين صهاينة الداخل وصهاينة الخارج فكلهم سواسية، وكلهم في العداء لهذه الأمة سواء، وما الأمر إلا توزيع للأدوار بين صهاينة غلاة في داخل الوطن المحتلّ، وصهاينة سيكونون غلاة خارج الوطن المحتلّ!
بل إنّ تفاصيل قصة «التطبيع» السياسي والثقافي والاقتصادي والعسكري بين الكيان الصهيوني وبين النظام الحاكم في مصر حتى اليوم، ودخول اليهود المصريين في تفاصيل هذا التطبيع وفي الأدوار المختلفة له، والاشتراك في شبكات التجسّس العديدة التي ضبطت مع السفارة «الإسرائيلية» خلال الـ36 عاماً من التطبيع 1979-2015 وعددها يزيد عن 25 قضية تجسّس، هذا يكفي وحده ليقوم كدليل حيّ على أن لا فرق يذكر بين يهود الداخل ويهود الخارج، وأنّ الأمر فقط مجرّد «توزيع أدوار»، ويؤكدها أكثر إدخال يهود أميركا وأوروبا والاتحاد السوفياتي، واليهود العرب، في الحسبان مما سيؤكد أكثر، تلك الحقيقة.
ثالثاً : إنّ المقولة النبوية الكريمة «خلفي يهودى فاقتله» تنبئنا بأنّ الرغبة في الهيمنة والسيطرة السياسية والثقافية والاجتماعية، والتي تعدّ في تصوّرنا المعنى الأدقّ في التعبير عن كلمة التطبيع حيث الأخيرة تعني أنّ ثمة علاقات كانت موجودة سلفاً فقطعت، ثم عادت لتكون طبيعية وهو ما لم يحدث أصلاً بين مصر والكيان الصهيوني إنّ هذه الرغبة في الهيمنة، سوف تمتدّ إلى كافة النواحي، من اقتصاد وزراعة، وتجارة، وثقافة، وفن وآثار إلخ…، ومجرّد نطق الحجر بتلك الصيحة، فإنه نبوءة نبوية كريمة، بأنهم سوف يتغلغلون داخلنا في كلّ شيء، وسوف يحاولون اختراق كلّ الحدود والحواجز وسوف يمسحون المجتمع، وينفذون إلى أحشائه، حتى الحجارة سوف يحاولون التسلل إليها، والتمركز خلفها، بل ونسبتها إليهم، ألم يقل بيغن رئيس وزراء العدو الصهيوني الأسبق ذات يوم «إنّ هذه الأهرامات الثلاثة من صنع أجداده اليهود!» وكان ذلك في أواخر عهد الرئيس الأسبق أنور السادات الذي ابتسم ساعتها بطريقة تلفزيونية وكأنّ الأمر لا يعنيه!
إذن الرغبة في الهيمنة اليهودية على كلّ مقدّراتنا وأحشاء مجتمعنا، سوف تكون شاملة وعلى نفس الدرجة من الرغبة، يحثنا الرسول الكريم أن تكون الرغبة في القتال والمقاومة، والجهاد أكبر وأشدّ، فساعتها سوف تتكاتف معنا كلّ مخلوقات الله، وستقاتل إلى جانبنا حتى الحجر سيقاتل معنا من خلال إخبارنا بمواقع الخصم ونقاط وجوده وتسلله، إنّ العالم الإسلامي كله سيقاتل ساعتها، كلّ بأسلوبه وطريقته.
ولكن.. سوف يوجد في ذلك اليوم والذي قد يكون يومنا هذا من سيكون أحط من الحجر، ومن سيخون، ومن سيكون يهودياً أكثر من اليهود أنفسهم، نعم سيكون هؤلاء بيننا، بل هم بالفعل موجودون، ولعلّ خير نموذج يحدّد مواقعهم ويعرّي أماكن تواجدهم في عصرنا هذا هو قضايا المقاومين للتطبيع بالسلاح مثل الشهيد سليمان خاطر، ومثل الشهيد البطل محمود نور الدين وشباب قضية ثورة مصر 1987 1988 تلك القضية التي اتهم فيها عشرون رجلاً مصرياً بقتل اليهود والأميركان من الدبلوماسيين في شوارع القاهرة، أعوام 1984، 1985، 1986،1987 ، فحين يخرج علينا من ينعت هؤلاء العشرين بأنهم مدمنو خمر وفساد، وأنهم عصابة هدّدت راحة «السكان» الآمنين، أو أولئك الذين أنشأوا تحالف كوبنهاغن المشبوه، أو طبعوا في الفن والصحافة والسياسة والسياحة نرجو مراجعة أسمائهم في موسوعتنا عن التطبيع والمطبّعون في مصر 1979 2011 التي تقع في 2500 صفحة .
إنّ هؤلاء ساعتها سوف يكونون أحط من الحجر، وأدنى مرتبة، بيد أنّ الأمر طبيعي ومنطقي في سياق التاريخ والأحداث، ولا بدّ من وجود منافقين، وآفّاقين، ومرتزقة، لـ«يتزيّن» بهم كلّ عصر وربما على سبيل العبرة والعظة. وهم بالمناسبة لا يزالون موجودين بين دعاة التطبيع الصحافي والثقافي والسياسي والاقتصادي في بلادنا.
رابعاً: إذن.. القضية التي يفجرها الحديث النبوي خلفي يهودي فاقتله هي هذا الوجود اليهودي، وتلك الرغبة في الهيمنة الشاملة سياسياً واقتصادياً وثقافياً وعسكرياً ، وهي هذا التغلغل في كلّ شيء، ومحاولة تصديره إلى خارج الوطن، بل محاولة تصدير الوطن ذاته خارج نفسه، إلى واشنطن، أو «تل أبيب»، والقضية إذن، التي ينبغي إعادة الاهتمام بها في أجواء الإرهاب الداعشي الذي هو الوجه الآخر للإرهاب الصهيوني هي «هذا التطبيع» مع التحفظ الكامل على اللفظ ومدلوله ومحاذير استخدامه الذي جرى خلال أكثر من ثلاثة عقود ونصف 1979-2015 بين النظام الحاكم في مصر إبان حكم السادات ومبارك ومرسي ولا يزال مستمراً وبين الكيان الصهيوني، هي قضية شائكة ومعقدة، ومتداخلة الحلقات والأحداث والوقائع، وهي قضية تحتاج إلى جهاد بالكلمة وبالسلوك، وتحتاج إلى مواقف حقيقية رافضة، تليق بثورة 25 يناير 2011 وموجتها الثانية 30/6/2013، وبدون هذه المواقف الجادّة الحازمة من التطبيع ورجاله وسياساته وكوارثه، فلا قيمة ولا مستقبل لتلك الثورة، فلنعمل إذن على بناء مستقبلها المشرق، بالمقاومة الحقيقية للتطبيع، في بلادنا إلى أن يزول وتتطهّر بلادنا منه في ذات الوقت الذي نقاوم فيه الإرهاب ، فالدور الوظيفي للاثنين في ضرب مصر ورسالتها واحد… والله أعلم.
E mail : yafafr hotmail. com