الحرب الوهابية على اليمن… السعودية تسير إلى الهاوية وأميركا تكتفي بالتفرّج
إعداد وترجمة: ليلى زيدان عبد الخالق
كُتب كثيراً في الآونة الأخيرة عن اليمن وعن الأحداث الحاصلة هناك. إعلام يشيد بخطوة المملكة العربية السعودية، مصدّقاً ذريعتها، أو مروّجاً كذبتها، وإعلامٌ يشيد بالمقاومة اليمنية، ويعتبرها ذات حق، وشرعية في وجه تقسيم اليمن وإرجاعه إلى عصور الجاهلية والاقتتال الطائفي. وثمّة إعلام قرأ جيّداً، وحلّل جيّداً، ولم يسرد الأحداث بمقدار ما كشف عن وقائع، رابطاً الماضي بالحاضر، ومستسقياً الحقائق من منابعها.
بين أيدينا اليوم موضوع دُمجت فيه تقارير عدّة، تتحدّث عن حقيقة ما يجري في اليمن، وما سينتظر المملكة العربية السعودية الوهابية، بسبب خطوتها المتمثلة بقصف اليمن والإغارة عليه، سائرةً بذلك نحو الهاوية.
التقرير الأول لبات لانغ، وهو م أبرز المفكرين الجيوسياسيين في الولايات المتحدة، ويتمتع بمعرفة عميقة حول اليمن. وفي تقريره يقول إن أحفاد الحوثيين ليسوا عبيداً لإيران، ولا يشكلون خطراً على المصالح الغربية. هم خطيرون فقط على تنظيم «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية. وإن الولايات المتحدة في دعمها الحملة السعودية، يبدو أنها تدعم الحركة الوهابية لتنظيم «القاعدة» لا غالبية الشعب اليمني. إنه لغباءٌ ـ أصبح نموذجياً ومعتاداً ـ بالنسبة إلى الولايات المتحدة أن تدعم حركات كهذه. وإن الرابح الحقيقي، يتمثل في تلك الدول المصدّرة للنفط التي ترزح حالياً تحت وطأة أسعار النفط المنخفضة، والتي ارتفعت بنسبة 6 في المئة بعد الإعلان عن المخطّطات السعودية.
أما التقرير الثاني فهو لمارتن جاي، المحلّل الذي درس جيّداً الأوضاع اليمنية والسعودية عن قرب، وفي تقريره يقول: إذا ما استمرّت الولايات المتحدة في دعم التدخل السعودي في هذه الحرب الأهلية اليمنية، فسيتمخّض عن ذلك تورّط ثلاثة فرق: الزيديون، السعوديون، وسنّة اليمن الجنوبي، في الصراع الذي ستجد فيه الولايات المتحدة نفسها تخدم مصالح تنظيم «القاعدة» في المنطقة في نهاية المطاف.
ونصل إلى التقرير الأخير وهو تحليل لبهادراكومار، ومما جاء فيه: فإن هذا التدخل السعودي في اليمن ستكون له تبعاته السلبية على المنطقة برمتها. وإذا ما طال أمد الحرب هناك، فإن تكلفته ستكون باهظة على السعودية ودول البتروـ دولار الخليجية التي سترتاح لارتفاع أسعار النفط مجدداً.
كتب بات لانغ:
كنتُ مخطئاً إذ اعتقدتُ أنّ السعودية لن تجرؤ على مهاجمة اليمن. في الوقت الذي يرسل فيه الجيش السعودي قواته إلى حدودها الجنوبية مع اليمن، يبدو أن لا نيّة لدى الجيش السعودي أو ذلك المصري للتورط في القتال والخسارة مجدداً أمام القوات اليمنية. لن تشارك باكستان في هذا الهجوم. فالطلب الذي قدّمه الرئيس اليمني المستقيل عبد ربه منصور هادي إلى القوات المتمرّدة بالانسحاب، لم يلقَ آذاناً صاغية. سيبقى الحوثيون القوة الحاكمة في اليمن بسبب عدم استعداد القوى الأجنبية للتدخل حالياً هناك لكن بين ليلة وضحاها، قامت القوات السعودية بمهاجمة قاعدة الدليمي العسكرية في صنعاء، عاصمة اليمن.
قاد عبد الملك الحوثيّ ثورةً في اليمن ونجح في طرد رئيسها الأميركي ـ السعودي هادي خارج البلاد، كما تمكّن من السيطرة على معظم مدنها بما فيها عدن، عاصمتها الجنوبية. تحالف الحوثي مع الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، الذي أطاح به انقلاب قاده الأميركيون لينصّبوا فيه هادي مكانه. قطاعات كبيرة من الجيش اليمني تدعم صالح والحوثي. وكانت السعودية قد حذّرت من مغبّة القيام بأيّ حركة ضدّ عدن التي لجأ إليها هادي منذ فترة، لكن لم يأخذ أحد هذه التحذيرات على محمل الجدّ.
أعلن السعوديون الآن من خلال سفارتهم في واشنطن، أن تحالفاً سنّياً سيقود الهجوم ضدّ اليمن. وسيشمل هذا التحالف على الأقلّ مصر، المغرب، السودان، الكويت، الإمارات العربية المتحدة، قطر والبحرين. يقول السعوديون إنّ مئة من طائراتها الحربية و150.000 من جنودها سيشاركون في هذه الحملة. فضلاً عن أنهم أعلنوا فرض حصار جويّ وبحريّ ضدّ البلاد، بدعمٍ من الولايات المتحدة الأميركية التي تقود هذه الحملة وتوجّهها من خلال خلية للتنسيق.
أما البيت الأبيض فيقول: «ردّاً على تدهور الوضع الأمني، فإن المملكة العربية السعودية، بالتعاون مع دول الخليج وأعضاء مجلس التعاون الخليجي وغيرهم، قرّرت القيام بعمل عسكري للدفاع عن حدودها وحماية الحكومة اليمنية الشرعية. ومن الواضح أن دول مجلس التعاون الخليجي قد اتخذت هذه الإجراءات بناءً على طلب من الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي. تنسّق الولايات المتحدة بدقة مع المملكة السعودية وأعضاء مجلس التعاون الخليجي في شأن القضايا المرتبطة بأمنهم وبمصالحهم الخاصة. وافق الرئيس أوباما على تقديم الدعم اللوجستي في القضايا المتعلقة بالأمن والمصالح المشتركة، دعماً لإجراءات دول مجلس التعاون الخليجي في وجه العنف الحوثي، وتعمل على إنشاء خلية تخطيط مشتركة مع المملكة العربية السعودية لتنسيق الدعم الأميركي العسكري والاستخباراتي».
وفي الوقت الذي يوبخ فيه أوباما الدعاة في الكونغرس إلى الحروب وداعميها. يسعى الأميركيون والسعوديون إلى إعادة الرئيس هادي للرئاسة من خلال القوة. تدّعي الولايات المتحدة أن هادي قد «انتُخب» بشكل شرعيّ، غير أننا نعلم أن هذه الانتخابات كانت مجرّد مزحة. إن إعادة هادي إلى كرسي الرئاسة الشرعيّة لن تتحقّق من خلال القوة، لذا، فمن الواضح أن فرصة تحقيق الهدف من الحرب ضئيلة جداً.
حذّر أحدهم الحوثي من إمكانية حصول هجوم وشيك، فأجلى رجاله مكاتبهم قبل بدء الضربة. وأعلنوا أن كلّ الاتفاقيات بين اليمن والسعودية، بما فيها معاهدة الطائف الحدودية عام 1934، أصبحت الآن لاغيةً وباطلة لأن بعض المقاطعات السعودية مثل نجران، عسير وجيزان، تعتبر تاريخياً أجزاء من اليمن الذي يعمل على استعادتها.
يتميّز اليمنيون بنزعتهم الواضحة إلى الاستقلالية وكرههم الغطرسة السعودية. فالحوثيون يخوضون الحرب منذ أكثر من عقد، ما أغرق البلاد في أطنان من الأسلحة بما فيها 500 مليون دولار «ضاعوا هباء» بعدما سلّمتهم الولايات المتحدة لحلفائها على الأرض. إن فرص كسب السعوديين الحرب في اليمن تبدو بعيدةً للغاية.
موهوب ميدانياً بشكل مذهل، ساخر، يمتلك حسّ الفكاهة، مستقلّ بقراراته الشرسة بين العشائر ويعارض قيام أيّ حكومة من أيّ نوع، قد يكون هؤلاء الرجال المسلحون أصدقاء جيدين، لكنهم أيضاً أعداء حقيقيون.
يشرح غريغوري جونسون ـ الذي درس في اليمن ـ جذور الحملة الحوثية ضدّ الحكومات اليمنية المدعومة من الولايات المتحدة. ويصف عماد موستاق الخلفية الاقتصادية لهذا الواقع. فضلاً عن توفر وثيقتي ويكيليكس حول الصراع السعودي الحوثيّ عام 2009. أنهى السعوديون تلك الحملة بعد تكبدهم خسائر كبيرة.
وفي الوقت الذي يواجه فيه الحوثي أعداءه في الداخل اليمني، الذي قد لا يحكم فترة طويلة من دون اجتراح حلّ سياسيّ وسطيّ، فمن المرجح أن يتمكن الغرباء من توحيد القوى اليمنية، ربما باستثناء قوة واحدة ألا وهي «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية.
ومن الخطأ في مكان، النظر إلى هذا الصراع على أنه حرب طائفية سنيّة ـ شيعيّة بين إيران والسعودية: في الوقت الذي يلعب فيه رئيس المقاتلين في الحرب الأهلية لعبة الطائفية. هناك سبب ما يقودنا إلى الاعتقاد بأن اليمن لن ينزلق إلى صراع طائفي في المنطقة. وبغضّ النظر عن الارتباطات الأجنبية، فإن الحوثيين الشيعة وأعداءهم السنّة متجذّرون بعمق في اليمن، وغالباً ما تحرّك القضايا المحلية صراعاتهم الأساسية. يكمن الخطر الرئيس الآن في وجود القوى الغربية، فستبالغ كلّ من السعودية ومصر في ردود الفعل، وستسعيان إلى التدخل، بهدف مواجهة النفوذ الإيراني، أو لسحق جهود تنظيم «القاعدة» في شبه الجزيرة، الهادف إلى كسب المزيد من الأراضي. ومع ذلك، يبقى التدخل الأجنبي أسوأ السيناريوات الحالية المحتملة، إذ يؤدي إلى أقلمة صراع لا يزال محلياً، ويؤجج احتقان النغمة الطائفية أكثر فأكثر في الصراع بين الطرفين اليمنيَيْن، ما يدفع باليمن إلى انفجار داخليّ عنيف.
إن أحفاد الحوثيين من معارفي القدماء، ليسوا عبيداً لإيران، ولا يشكلون خطراً على المصالح الغربية. هم خطيرون فقط على تنظيم «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية. هل تفهمون ما أقصد قوله؟ سيعود صالح.
وهكذا، فإن الولايات المتحدة في دعمها الحملة السعودية، يبدو أنها تدعم الحركة الوهابية لتنظيم «القاعدة» لا غالبية الشعب اليمني. إنه لغباءٌ ـ أصبح نموذجياً ومعتاداً ـ بالنسبة إلى الولايات المتحدة أن تدعم حركات كهذه. لن يرشح عن هذه الحملة أيّ تقدّم أو نجاح لأيّ من مكوّناته تماماً كما وصف آدم كيرتيس عام 1960 الحملة البريطانية القذرة على اليمن، والتي باءت بالفشل المريع.
إن الرابح الحقيقي، يتمثل في تلك الدول المصدّرة للنفط التي ترزح حالياً تحت وطأة أسعار النفط المنخفضة، والتي ارتفعت بنسبة 6 في المئة بعد الإعلان عن المخطّطات السعودية.
الشعب اليمني في صنعاء والشمال غاضبٌ جداً
وكتب مارتن جاي، المحلّل الذي درس جيّداً الأوضاع اليمنية والسعودية عن قرب:
غضب شعبي عارم يجتاح صنعاء وشمال اليمن. فيما يعيش سكان عدن والجنوب حالة من النشوة. فقد وقف البارحة الحوثيون ومعهم علي عبد الله صالح على أبواب عدن المقاوِمة. أما الآن فقد فرّوا من عدن. لكنه فقط اليوم الأول. ولا أعتقد أنّ السعوديين سيتركون المنطقة بعد مضيّ ثلاث ساعات على بدء الضربات الجويّة، التي ألحقت أذىً شديداً بجيش صالح. هذا يجعل صالح يبدو ضعيفاً أمام شركائه الحوثيين الذين يخوضون الحرب تلو الأخرى منذ عام 2004. وهؤلاء سيختارون العمل مع صالح إذا ما اشتمّوا رائحة الدم قبل أن يحوّلوا اهتمامهم نحو الجنوب.
للسعودية علاقات ممتازة مع القبائل اليمنية المتواجدة على طول حدودها في شرورة والعتق وكذلك قاعدتها الجوية في الشبوة، وفي مأرب. ولا أظن أنهم سيجرؤون على قتال الحوثيين في الجبال، لأنهم سيُذبحون هناك. ومن الواضح، أننا نشهد بداية ولادة جنوب مستقل. فقد خرجت الأمور عن السيطرة.
يرى الجنوبيون أنهم متورطون في قتال «الأخوة» منذ عام 1986، غير أنهم عادوا الآن ليتّحدوا ضدّ الحوثيين الشيعة وضدّ صالح. إلّا أن الأمور لم تكن تسير في منحىً طائفيّ سوى منذ أشهر قليلة مضت. هذا سيشرذم البلاد ويمزقها إرباً. فالسعوديون يتحملون الكثير من اللّوم، وكذلك الإيرانيون الذين عملوا أيضاً على إثارة هذه النعرات طوال سنوات مضت. وبمقارنة بسيطة، فإن السعوديين هنا يشبهون الأميركيين في تحريضهم على تغيير النظام في أوكرانيا اليمن يقف على حدود السعودية ولا تستطيع هذه الأخيرة تجاهل الأمر. والمسألة برمّتها ترتبط بإعادة تشكيل المنطقة ضمن الإطار الإقليمي للصراع الإيراني ـ الخليجي الأكبر. ستقضي هذه الحرب على المزيد والمزيد من الأرواح. فـ60 في المئة من اليمنيين يقعون تحت خطّ الفقر، ويعانون من سوء التغذية. وعندما لن يعود اليمن القابع تحت وطأة الحصار العسكري والاقتصادي، تحمّل تأمين الخبز لهؤلاء، فسيموتون ـ بالملايين ـ ببطء وهدوء شديدين. إنها كارثة يمكن تفادي حدوثها. وستكون الولايات المتحدة المُلام الأبرز بسبب سماحها لبرنامج الطائرات من دون طيار بالتدخل عسكرياً في صميم ثقافة لا تفقه عنها شيئاً.
إنني اتفق معه في الاستنتاج، أنّ ما نشهده حالياً، تفكك غير طبيعي لاتحاد الجمهورية العربية اليمنية سابقاً، ودول جمهورية اليمن الديمقراطية. يميل مارتن جاي إلى الاعتقاد أنّ محاولة المملكة السعودية التدخل برّياً في اليمن سيكون عبر صحراء الربع الخالي لتلتفّ بعدها يساراً نحو الجنوب اليمني، وهي منطقة في البلاد يقطنها جزء كبير من السنّة السعوديين. ويؤكد مارتن جاي أنّ القوات السعودية لن تدخل اليمن برّاً من الشمال أي من نجران، لأنها لو فعلت ذلك، فهي ستخاطر بتكبّد خسائر فادحة في صفوف قواتها. فمقاتلو القبائل الزيدية سيرتكبون مجزرةً بحقّ السعوديين في تلك الجبال البعيدة. أوافق على احتمال حدوث كلّ هذا. لكن علينا تذكر أنه على رغم تدريب الأميركيين والفرنسيين والبريطانيين القوات السعودية طوال عقود مضت، فإن القوة السعودية هذه لا يزال مشكوكاً في قدراتها.
ويؤكد مارتن أن الطائفية لم تكن سابقاً مشكلة حقيقية في اليمن، أقلّه في اليمن الشمالي حيث خدم لسنوات طويلة. وفي الواقع، فإن المتمرّدين الحوثيين يشكلون الغالبية الزيدية الشيعية التي ينتمي إليها صالح، الذي يتلاعب بالأحوال الآنية في اليمن بما يتواءم مع مصالحه الخاصة. والحقيقة أن مساندة الحوثيين لصالح إلى جانب فئة كبيرة من الزيديين لهي إشارة فعلية إلى طبيعة المجتمع اليمني العرقي والطائفي في الشمال كما في الجنوب. غير أنني لا أظن أن الحوثيين والزيديين هم أدوات للحكومة الإيرانية، غير أن واشنطن تصيح بأعلى صوتها مؤكدةً أن الزيديين والحوثيين يحاولون ـ بالتعاون مع إيران ـ إسقاط الحكومة التي يفضلها الصليبيون بحسب تعبيرهم. ومن الواضح أن الحوثيين هم حلفاء الولايات المتحدة الطبيعيون ضدّ السنّة الجهادية في جميع أنحاء العالم، لكن يبدو أن الولايات المتحدة غضّت الطرف عن هذه الحقيقة، أو أن أوهامها الخاصة التي ذرّها السعوديون كالرماد في عيون الأميركيين، والتي أعمتهم عن هذا التطور التاريخي الهام.
أما لناحية توقعاتي التي تسير جنباً إلى جنب مع تلك المتعلقة بمارتن جاي، فأقول ما يلي:
إذا ما تُرك اليمنيون على سجيّتهم في تحديد هذا الفرز، فما من دموية محتملة في اليمن، وسيُعاد فصل الزيديين الذين يسيطرون حالياً على المقاطعات الشمالية عن تلك الجنوبية التي يسيطر عليها السنّة، وتحديداً تنظيم «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية.
ومن ناحية أخرى، إذا ما استمرّت الولايات المتحدة في دعم التدخل السعودي في هذه الحرب الأهلية اليمنية، فسيتمخّض عن ذلك تورّط ثلاثة فرق: الزيديون، السعوديون، وسنّة اليمن الجنوبي، في الصراع الذي ستجد فيه الولايات المتحدة نفسها تخدم مصالح تنظيم «القاعدة» في المنطقة في نهاية المطاف.
تحليل بهادراكومار
وكتب بهادراكومار محلّلاً حول التدخل العسكري في اليمن ـ مع الأخذ بالاعتبار موقع كلّ من الإيرانيين والأميركيين وتأكيد الشكوك حول سعي أوباما إلى إغراق السعوديين:
ما من سبب للشك في جدّية بيان الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز في اجتماع قمة الجامعة العربية يوم السبت الماضي في شرم الشيخ في مصر، في أن التدخل العسكري في اليمن سيستمرّ «حتى يحقق أهدافه في تأمين الأمن والاستقرار» في تلك البلاد. سلمان رجل متشدّد وسيستخدم القوة الغاشمة بهدف إيقاف التمدّد الحوثيّ الشيعيّ.
تظهِر ردود الفعل الإيرانية أن السعودية قد سارت بملء إرادتها إلى المستنقع اليمني والذي قد يلوّح باحتمال انهيار السقف الملكي على آل سعود. تعلّمت إيران من تجاربها السابقة أن اليمن جارها، لكن من الحكمة البقاء على مسافة واضحة منه. إن تدخلاً إيرانياً في اليمن أمرٌ غير مطروح البتة. وقد حذّر مساعد وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان من أن المملكة السعودية قد ارتكبت «خطأً استراتيجياً». وأضاف في ملاحظة ذات مغزى: «على الرياض ألّا تعتمد على الدعم الأميركي لاجتياحها العسكري لليمن». إنه التقارب الأميركي ـ الإيراني الذي يُترجم نفسه عندما ينفق وزيرا خارجية الدولتين أوقاتاً مع بعضهم أكثر من أيّ أحد آخر. وبالطبع، فإن الحوثيين ليسوا بغرباء عن عمل الاستخبارات الأميركية في اليمن طوال سنوات ضدّ أعضاء تنظيم «القاعدة».
وفي الواقع، فإن تقريراً بارزاً لـ«رويترز» من واشنطن، بُني على تقديرات بعض المسؤولين الأميركيين رفضوا الكشف عن اسمائهم، أن إدراة أوباما متردّدة في تحديد موقفها من الضربات السعودية العسكرية في اليمن.
لذا، ووفقاً للمسؤولين الأميركيين:
ـ ستحتفظ السعودية بالتفاصيل الرئيسية للعمل العسكري الوشيك المقبل من واشنطن حتى اللحظات الأخيرة
ـ هناك ثغرات في معرفة الولايات المتحدة للخطط العسكرية السعودية وأهدافها
ـ وبالتالي، لا يمكن للولايات المتحدة أن تضمن نجاح الخطة السعودية
ـ تتردّد الولايات المتحدة لخوفها من الغرق في المستنقع العسكري في اليمن
ـ يبالغ السعوديون في تقدير آفاق العلاقة بين الإيرانيين والحوثيين
ـ إن هذا العمل السعودي هو «ردّ فعل مذعور» من إمكانية التمدّد اليمني.
وفي النهاية، يبدو أن المسؤولين الأميركيين يستشرفون ـ من دون أن يقولوا ذلك علانيةً ـ أن التدخل السعودي في اليمن لن ينهي الأزمة اليمنية، وهذا ما يميل الإيرانيون إلى تصديقه.
وكي نتيقن أكثر، فإن هذا التدخل السعودي في اليمن ستكون له تبعاته السلبية على المنطقة برمتها. وإذا ما طال أمد الحرب هناك، فإن تكلفته ستكون باهظة على السعودية ودول البتروـ دولار الخليجية التي سترتاح لارتفاع أسعار النفط مجدداً. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، لن تكون السعودية قادرة في المستقبل المنظور على لفت الانتباه إلى صراعات أخرى دائرة في المنطقة سواء في العراق أم في سورية أم في لبنان.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، كم ستكون الولايات المتحدة قادرة على تحمّل عبء القتال على جبهتين ـ اليمن والبحرين. علماً أن هاتين الدولتين تشكلان تحدّياً وجودياً للسعودية كما للقوة الشيعية وتمكينها هناك. إنه «فيروس» قد ينتقل بسهولة تامة إلى شيعة المقاطعات الشرقية هناك، والتي تحتوي أيضاً على حقول نفط ضخمة.
إنه الربيع العربي، يا للغباء!! سينهار البيت السعودي ما لم يتمكن من تثبيت نظام دمية آخر في اليمن، أو لم ينجح في تحقيق نصرٍ عسكري بتدخله هناك. وتوضح تصريحات المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إلى أن: «اللجوء إلى أعمال عسكرية ضدّ اليمن المتورط في أزمته الداخلية، وفي مكافحة الإرهاب سيزيد الأمر تعقيداً، ويدمّر فرص تسوية الخلافات الداخلية سلمياً… كما سيساهم هذا العدوان في ازدياد التطرف والإرهاب، وانعدام الأمن في المنطقة بأسرها».
في الواقع، إن إضعاف الحوثيين سيساعد فقط على تقوية تنظيم «القاعدة» في المنطقة. إنه «اختيار مزدوج» على حدّ تعبير لعبة الشطرنج، وهي خطوة على الملك الإيفاء بها. على سلمان الوصول إلى بان كي مون الذي تناهت إلى مسامعه حديث سلمان في شرم الشيخ حول «المفاوضات ـ بتسهيل من المبعوث الخاص جمال بنو عمر والتي أقرّها مجلس الأمن ـ والتي لا تزال الطريقة الوحيدة لمنع الاستغراق في الصراع لوقت أطول».