لتكن حرباً مفتوحة…
جمال العفلق
منذ عقود ونحن نتعرض للتهديد والوعيد. منذ عقود تعربد «إسرائيل» ويصمت العرب ويجهضون ويعطلون أي قرار لمحاربتها، حتى بالكلمة. منذ عقود وهم يعملون مع «إسرائيل» داعمين اقتصادها وممولين طائراتها بالنفط لتقصف بيوت الآمنين، منذ عقود وهم يجتمعون ويقرّرون ثم يرسلون الرسل في الخفاء ويطلعون دولة العدو على كلّ ما يجري، وينفذون عكس كلّ تعهداتهم.
هي ليست حرباً طائفية، كما يزعمون، ولا تمدّد مذاهب ولا استعمار. ففي وجود الصهيونية، لا استعمار على وجه الأرض، وفي وجود «إسرائيل» لا شيطان على الأرض إلا من حالفها وعمل في خدمتها.
صنعوا «القاعدة» و»داعش» و»جبهة النصرة» و»الجيش الحر»، ودفعوا مليارات ومليارات. كذبوا وسرقوا التاريخ والآثار بهدف تدمير الحضارات. قتلوا العلماء وفرغوا الأوطان من شبابها وتركوا لنا مجموعات تقودها الغرائز وتتحكم بها الأهواء. قالوا هذا إسلامكم وهؤلاء شيوخكم فاتبعوهم فنحن لهم داعمون.
لطالما تجنبنا الحرب، لا خوفاً ولا ضعفاً، إنما تقرباً إلى الله حقناً للدماء وحفظاً للأرواح، أما اليوم وبعد كشف أوراق كلّ الذين ادعوا أنهم إخوتنا وقالوا إننا معكم، نقول: لتكن حرباً مفتوحة.
نحن اليوم في حالة حرب مشروعة، إذ إننا لم نعتد على أحد، لكننا نردّ الظلم عنا وعن بلادنا وشعبنا. كيف لا وقد سارعت الأقلام المأجورة التي طالما كتبت عن الحرية والديمقراطية وطالما تباكت على أطفال سورية وتبجحت عن براميل تنزل على بيوت الآمنين، تلك الأقلام التي كانت تكتب مقدمات نشرات الأخبار وعناوين الصحف، إلى تبرير عدوان غاشم على شعب آمن ، شعب لم يطلب شيئاً سوى الإنصاف والتحرّر من قيود الجوار الأرعن الذي حرمه من حقوقه ومن نفطه ومنع كلّ مسعى للتطوير خلال العقود الماضية.
قد يكون للدول مصالح تفرض عليها أن تخالف مبادئ تطرحها عند اقتضاء الأمر، كما فعل السودان الذي باع حكامه نصفه وسرقوا النصف الآخر، وهم اليوم على أبواب تجديد حكمهم بدعم دعاة الديمقراطية والحرية في العالم. ولكن أن يخرج أصحاب المبادئ، كما يسوقون لأنفسهم، وأنصار الشعوب المظلومة والمتبجحين بكلمات الحرية والحقّ والديمقراطية، لدعم عدوان ظالم على شعب آمن، فهذه هي الوقاحة والسفاهة بعينها، كما فعل ما يسمى ائتلاف الدوحة الذي دعم خطوة أسياده في قتل الشعب اليمني حتى قبل أن تعلن «إسرائيل» دعمها للعدوان الذي صنعته.
هنا لا يمكن المقارنة بين ما يحدث في سورية وما يحدث في اليمن، فسورية دولة تدافع عن شعبها بجيش من أبناء شعبها عاهد الله أن يطهر الأرض السورية من رجس الإرهاب، وفي اليمن عدوان غاشم على شعب أراد أن يخرج من حكم العصا المتخلفة إلى النور.
سورية دولة أرسل إليها إرهابيون من كلّ أصقاع الأرض ليعيثوا الدمار والفساد والخراب. وفي اليمن شعب يريد إخراج القاعده وذيولها، شعب اختار طريق الكفاح للنهوض. فكيف يقرأ الأعداء هذا التناقض ويضعونه في سياق واحد وكأنّ الناس لا عقول لها وتساق بعصا الوهابية الحمقاء؟
لتكن حرباً مفتوحة، فمن فرضها لن يستطيع الاستمرار ولا الصمود. وكيف يصمد خائن لأمته؟
أيام وينتهي بنك الأهداف الجوية، ومهما تجدّد سينتهي. فماذا سيفعل تحالف العدوان على اليمن؟ وماذا سيكتب في تقاريره الأخيرة؟ هل سيسجل عدد الأطفال والنساء الذين قتلوا معتبراً أنه حقق نصراً، أم أنه سيكتفي بصور الطيارين الذين يرتدون الملابس الأميركية تتصدر الصفحات الأولى من الصحف ويقول انتصرنا؟
لقد تورطت السعودية هذه الحرب، كما تورطت من قبل في العراق وسورية. ومن يعرف ما تدفعه السعودية ومن معها في تلك الحروب. وبحسب النتائج، يكتشفون كم هم خاسرون وفاشلون وحتى ملياراتهم لم يعرفوا كيف يستثمرونها.
كلنا على يقين بأنّ حلف المقاومة سيبقى وإن التزم الصمت، ففي الصمت يكون أعظم الكلام. ولنا في الماضي عبرة عندما احتفل حلفاء الشيطان بسقوط بغداد واكتشفوا بعد عقد من الزمن أنهم هزموا وأنهم عاشوا وهم الانتصار، كشارب الخمر لا يدرك ألم الواقع حتى يستفيق.
اليوم إذا كتبنا أنّ كلّ دماء العرب، منذ إعلان «إسرائيل» وحتى اللحظة، في أعناق هؤلاء، فلسنا نبالغ ولا نحن معتدون.
لله درك يا محمود درويش حين قلت:
عرب أطاعوا رومهم
عرب وباعوا روحهم
عرب وضاعوا
سقط القناع
والله غمس باسمك البحري أسبوع الولادة واستراح إلى الأبد
كن أنت حتى يكون
لا… لا أحد
يا خالـقـي في هذه الساعات من عدم تـجل
لعل لي رباً لأعبده لعلّ
علمتني الأسماء
لولا هذه الدولة اللقيطة لم تكن بيروت ثكلى