لتتوخّ حماس وفتح الحذر في التعامل مع اتفاق المصالحة

رامز مصطفى

قد يكون من السابق لأوانه التسرّع في إطلاق الأحكام على نوايا الموقعين على اتفاق تنفيذ المصالحة الفلسطينية. ومن الجائز القول إنّ علينا إعطاء الطرفين، حماس وفتح، الفرصة وبحسب الموقع عليه من أجل تنفيذه. وبالتالي عدم التشويش عليهما. ولكن في المقلب الآخر، هل هما على استعداد ليعطي كلٌّ منهما الآخر فرصة؟ وهل هما أو البعض من كليهما حاضر للعب هذا الدور؟ وهل تترك التصريحات والمواقف التي بدأنا نسمعها من بعض كلا الطرفين مجالاً لقطار المصالحة وإنهاء الانقسام أن يصل إلى محطته الأخيرة؟ وليس آخراً الأميركي و«الإسرائيلي» اللذان ينتظران خلف الباب إذا جاز التعبير، وهما داخل الغرفة أصلاً؟ هل سيتركان المصالحة تصل إلى مبتغاها ومرتجاها؟ وفي السياق ذاته نتنياهو يُصعّد في وجه السلطة، وليست آخر خطواته التوجه إلى سن قانون أساسي جديد ينص على أن الكيان هو «دولة الشعب اليهودي»، ويضمن بقاءه لليهود دون سواهم.

إن الانقسام، هو توصيف يلازم حماس وفتح طالما بقي الاتفاق حبر على ورق. اكتوينا بنار الاتفاقات والانقلابات عليها، وهي كثيرة. فطرفا الانقسام ليسا منضبطين تماماً، أو بعضهما، وغير ملتزمين بما وقعا عليه. الإشارات والتصريحات والمواقف تدلّ على ذلك. فقبل أن يجف حبر الاتفاق ظهر للعيان التباين في شأن الخطوات السياسية التي ستعتمدها الحكومة العتيدة التي ستكون مولود الاتفاق بعد أقل من خمسة أشهر. وفي السياق ذاته، الاجتهاد المتناقض حول مهمات هذه الحكومة حتى انتهاء الانتخابات مطلع العام المقبل 2015 وهل هي تكنوقراط أم سياسية أو مطعمة بينهما؟ وقادتني إلى هذا الكلام كثرة الكلام عن الاعتراف بالكيان الصهيوني. ثمة من هو في السلطة وتساوق مع هذه المطالبة، فيما وقف البعض الآخر مدافعاً عن فكرة أن الاعتراف من مسؤولية منظمة التحرير الفلسطينية وليس من مسؤولية الحكومة أو السلطة. وتناسى هذا البعض أن المنظمة هي مرجعية السلطة ومؤسساتها بما فيها الحكومة والتشريعي، متجاهلاً في الوقت عينه إصراره على تفعيل المنظمة وتطويرها ليكون في المستقبل القريب مكوّناً أساسيّاً من مكوّناتها.

لم يقف الأمر عند هذا الحد بل تعدّاه إلى تلطي السلطة وراء اجتماع المجلس المركزي الفلسطيني في دورته الـ 26، التي عقدت في رام الله بعد أيام من التوقيع على اتفاق مخيم الشاطئ لتنفيذ المصالحة. وتأكيد هذا المجلس في بيانه الختامي على المفاوضات والتمسك بها، والسير على خطاها رغم ما أظهره نتنياهو من تشدد ووقف للمفاوضات. وعودة المجلس للتأكيد أيضاً على الشروط الجديدة القديمة لمواصلة المفاوضات. فيما فُسر على أنه محاولة من رئيس السلطة لنيل تفويض بغية الاستمرار في المفاوضات. وهو، أي رئيس السلطة، لم يخفِ رغبته في مواصلة المفاوضات واستكمالها، مشدداً في الوقت عينه على التمسك بالتنسيق الأمني. وحتى انتهاء المهل الزمنية لتنفيذ المتفق على تنفيذه، أطلق القيادي في حركة حماس السيد محمود الزهار تصريحاً أكد فيه أن القوات العسكرية لا يمكن أن تكون مستقبلاً تحت مسؤولية أبو مازن.

إن التهرّب من تضمين الاتفاق الحالي وما سبقه من اتفاقات من أي برنامج سياسي، أو رؤى سياسية تحدد بوضوح تام لا لبس فيه عناوين العمل الوطني الفلسطيني بكامل أبعاده ومسمياته ومتطلباته وحاجاته، سيترك الباب مُشرعاً على الرؤى المتناقضة في أغلبها مع المصالح الوطنية العليا المحددة في حقوقنا وثوابتنا المشروعة والتاريخية على أرضنا فلسطين. ومن شأن ذلك أن يترك الأطراف الفلسطينية كلها، وتحديداً السلطة الفلسطينية، في منأى عن المساءلة والمراجعة حول ما أقدمت عليه من سلوك سياسي قد يلحق الضرر بالقضية الوطنية، وهي أصلاً مصابة في أكثر من مكان بهذا الضرر، بسبب أوسلو وكوارثه. وإلى أن تحين استحقاقات تنفيذ المصالحة ستبقى الساحة الفلسطينية أسيرة المخاوف والهواجس والتوجس بسبب التجربة السابقة وما حملته من فشل متتالٍ لاتفاقات المصالحة. وعلى طرفيها توخي الحذر والدقة في التعامل مع هذا الاتفاق لأجل حمايته والسقوط أو الإسقاط. لا يزال هذا الاتفاق طري اللحم والعظم.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى