إشكالية التدخل السعودي

عصام الحسيني

ظهر مفهوم مبدأ عدم التدخل في سيادة الدولة، منذ العام 1815، مع هزيمة نابليون بونابرت، وأتى لاستخلاص العبر في العلاقات الدولية.

لقد شدّد النظام الأوروبي القائم، على ضرورة عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، على أساس احترام سيادة الدولة، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.

ثم تطوّر مفهوم مبدأ عدم التدخل، عبر المراحل التاريخية، ليأخذ أشكالاً ملزمة في القانون الدولي، عبّر عنها في الكثير من الاتفاقيات والمعاهدات والمواثيق الدولية، التي شدّدت على مبدأ احترام سيادة الدولة.

ومن أبرز ما ورد في هذا السياق:

1 نقاط ولسن الـ14، والتي دخل الحرب بموجبها، وتشدد على حلّ النزاعات الدولية سلمياً، وعلنية المعاهدات الدولية، التي أسّست لمعاهدة فرساي.

2 ما أقرته عصبة الأمم، وخاصة في المادة 10 التي تدعو إلى عدم التدخل في شؤون الدول، والمادة 12 التي تدعو إلى حلّ النزاعات الدولية بالطرق السلمية.

3 اتفاقية باريس عام 1928، والتي تعتبر أول وثيقة دولية تشدّد على منع الحروب، وعلى سيادة الدولة، ومنع التدخل في شؤون الدول الأخرى.

4- ميثاق مونيفيديو عام 1933، والذي يشدد على شرعية حقوق الدول وموجباتها.

5 اتفاقية شيكاغو عام 1944، والتي حدّدت سيادة الدول على مجالها الجوي، وضرورة احترام هذه السيادة وعدم التعرّض لها.

6 ميثاق الأمم المتحدة 1945، الذي شدّد في الكثير من مواده، على مبدأ احترام سيادة الدول، ومبدأ عدم التدخل.

7 قانون البحار الصادر عام 1982، والذي حدّد سيادة الدولة فوق مياهها الإقليمية، وضرورة عدم التدخل في هذا الحق.

غير أنّ مبدأ عدم التدخل في سيادة الدول، وانْ كان هو الأصل الواجب العمل به، قد تعرّض لاستثناءات عديدة في القانون الدولي، منها ما هو استثناء كلاسيكي، ومنها ما هو استثناء حديث غير كلاسيكي.

أ الاستثناءات الكلاسيكية

1 الأمن الجماعي: ويتحقق من مجلس الأمن أو من يفوّضه، استناداً إلى المادة 24 الفقرة 1 من ميثاق الأمم المتحدة، وكذلك استناداً إلى المواد 34 و 39 و 40 و 41 و 42 والتي تدخل تحت الفصل السابع الملزمة.

2 حماية المحميات: ويستند إلى الاتفاقيات الثنائية بين الدول، مثل اتفاقية لاتيران بين الفاتيكان وايطاليا عام 1929، والمعيار الأساسي لها هو إرادة الشعب بموجب استفتاء شعبي.

3 الدفاع عن النفس: استناداً إلى المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة.

4 حماية مواطني الدولة في الخارج:

إنّ مبدأ حماية الدولة لمواطنيها في الخارج هو من صلب مهامها، عبر السفارة ووفقاً لمعاهدات «فيينا».

أما في الحالات غير العادية وفي الاستثناء، تقوم الدولة بأعمال عسكرية لحماية مواطنيها، ضمن شروط حدّدها القانون الدولي.

5 التدخل بناء لدعوة:

في الأصل، إنّ الدولة هي صاحبة السيادة، ولها الحق في إقامة معاهدات للدفاع المشترك بحسب حاجتها، ولها الحق في إلغائها.

لكن القانون الدولي يشترط لإعمال هذه المادة على التالي:

توفر إرادة الشعب عبر استفتاء شعبي.

أن يكون هناك دعوة من دولة إلى دولة.

أن يكون التدخل موقتاً وليس دائماً.

أن يحدّد موضوع الدعوة بوضوح، كي لا يصبح التدخل مفتوحاً على كلّ الاحتمالات.

6 الأعمال الزاجرة:

وهي لإجبار الدولة على العودة إلى الامتثال للقانون الدولي.

في الأصل، العمل غير مسموح، لكن وللفاعلية، يتسامح معها القانون الدولي ولكن بشروط:

أن تكون الدولة المستهدفة، تصرّ على مخالفة القانون الدولي بشكل دائم.

أن تكون الدولة المستهدفة، قد تمّ تحذيرها ومعاقبتها من مجلس الأمن، وبقية مصرّة على تصرفاتها.

أن يكون الهدف من التدخل هو حماية القانون، وليس أهداف أخرى.

الأعمال الزاجرة يجب أن لا تتحوّل إلى عدوان.

أما الاستثناءات على مبدأ عدم التدخل الحديثة فهي:

1 القواعد الآمرة:

وهي قواعد ملزمة للدول، بعضها قواعد عرفية، وبعضها الآخر قواعد شارعه.

والهدف من هذه القواعد حماية الكرامة الإنسانية، وهي مؤلفة من مجموعتين:

المجموعة الأولى: وكلّ الدول مدعوة للقبول بها وهي:

المساواة المطلقة أمام الأفراد.

احترام مبدأ تقرير المصير.

المجموعة الثانية: على الدول تجنّبها وهي:

الإبادة الجماعية، التعذيب، العبودية، القرصنة، تجارة الرقيق، التمييز العنصري، خطف الطائرات.

2 التدخل لأسباب إنسانية:

التدخل الإنساني ليس نظرية، وليس مصدر في القانون الدولي، فشرعيته مستمدة من قرارات مجلس الأمن، والدول ملزمة بقبوله.

3 مكافحة الإرهاب:

ويقوم على ركيزتين:

– الأولى: مبنية على الاتفاقيات المتعددة في مكافحة الإرهاب.

– الثانية: مبنية على الفصل السابع.

إنّ الاتفاقيات الدولية لا تتضمّن قواعد ملزمة، لغير الدول الموقعة عليها.

لكن في القضايا المتعلقة بالإرهاب، فإنه يوجد اثني عشرة اتفاقية ملزمة للدول، ويجب القبول بها، وتأتي موجباتها تحت الفصل السابع.

من خلال هذا العرض، المنظم للعلاقات الدولية، ندخل إلى مقاربة قانونية للأزمة اليمنية، وموضوع التدخل السعودي العسكري، وشرعية هذا التدخل.

أولاً:

لقد استند هذا التدخل إلى نظرية معاهدة الدفاع العربي المشترك.

وقد أكد ذلك الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي عندما قال: «إن عملية «عاصفة الحزم» التي تقودها السعودية في اليمن، تتمّ في إطار اتفاقية الدفاع العربي المشترك».

في قراءة موضوعية للبنود الخمس المنظمة للاتفاقية الدفاعية العربية المشتركة، الصادرة بتاريخ 1950، نلاحظ أنها تحدثت عن حالة دفاعية، من تنظيم وإعداد الخطط العسكرية لمواجهة الأخطار المتوقعة، أو أيّ اعتداء مسلح يمكن أن يقع على دولة أو أكثر من الدول المتعاقدة، أو على قواتها، وتستند في إعداد هذه الخطط على الأسس التي يقرّرها مجلس الدفاع المشترك.

وفي حالة النزاع القائم، من هي الدولة التي تعرّضت إلى اعتداء مسلح عليها؟ أو التي قد تتعرّض لأخطار وتتوقعها؟

في الوقائع الميدانية، فإنّ السعودية لم تتعرّض إلى أيّ مسّ في سيادتها الوطنية، أو إلى أيّ خرق لمبدأ عدم التدخل، بدليل عدم إعلام مجلس الأمن، بأيّ اعتداء عسكري تكون قد تعرّضت له.

وبالتالي، فإنّ دخول السعودية في حالة نزاع عسكري مع اليمن، لم يأت من حقها الشرعي في الدفاع عن النفس، إنفاذا للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، بل من خارج هذا السياق.

ولو افترضنا أنّ المملكة السعودية، استشعرت بوجود أخطار محدقة بحدودها وبأمنها القومي، آتية من اليمن، وقامت بهجوم استباقي بقصد الدفاع، فإنها بذلك تكون قد خالفت ما أقرّه القانون الدولي في تفسير المادة 51 بعدم مشروعية الهجوم الاستباقي.

ثم أنّ النظر في التهديدات المحتملة، هو حصرياً من اختصاص مجلس الأمن عبر ما نصت عليها المادة 34 من ميثاق الأمم المتحدة.

ثانياً:

هل أتى التدخل السعودي نتيجة لدعوة الرئيس اليمني المستقيل؟

من الناحية النظرية، يمكن لرئيس الدولة، أن يدعو دولة أخرى للتدخل العسكري في بلاده لو توفرت الشروط التالية:

1 أن يكون لرئيس الدولة صفة شرعية ثابتة، غير متنازع أو مختلف عليها.

في الوقائع، هذا الأمر غير متوفر مع الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، المنتهية صلاحية ولايته الدستورية، والمستقيل بتاريخ 22 كانون الثاني 2015.

ومن أبرز ما ورد حول هذه الإشكالية الدستورية،هو ما صرح به مستشار الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه إلى اليمن، جمال بن عمران، بتاريخ 28 تشرين ثاني2014 عندما قال: «إن ولاية الرئيس اليمني مرتبطة بإنجاز المهام المنصوص عليها في اتفاق نقل السلطة، وليست محددة بزمن معيّن».

من الناحية الدستورية، لا توجد فترة رئاسية غير محددة، وهذا ثابت في كلّ الدساتير الوطنية لكلّ الدول، وبالتالي لا قيمة دستورية لهذا التصريح.

ومن ناحية أخرى كيف يمكن ربط بقاء الرئيس بموضوع غير متفق عليه، ومن الممكن أن لا يتمّ الاتفاق عليه أبداً.

ثم بأيّ صفة يتدخل موظف في الأمم المتحدة، في شأن داخلي دستوري لدولة أخرى.

2 أن تكون هناك معاهدة دفاع مشترك بين الدولتين.

إنّ وجود معاهدة دفاع مشترك بين دولتين، تسمح لرئيس الدولة بطلب التدخل، ضمن ما نصت عليه القوانين الدولية. لكن الشرط الأساسي القانوني هو وجود معاهدة دفاعية نالت موافقة الشعب عبر استفتاء شعبي.

وفي حالة اليمن، وفي الوقائع، وحيث أنّ القانون الدولي فرض علانية المعاهدات الدولية منذ إعلان ونقاط ولسن الـ14 فلا يوجد معاهدة دفاع مشترك معلنة بين السعودية واليمن، وعليه لا يمكن أن تكون دعوة الرئيس اليمني بالتدخل، قد أتت في سياق قانوني وشرعي.

إذا ومما تقدم… فإنّ التدخل العسكري السعودي، لم يستند إلى أيّ حق شرعي، أو إلى أيّ سند قانوني, أو إلى أيّ استثناء لمبدأ عدم التدخل، وبالتالي فإنّ ذلك يعتبر بنظر القانون الدولي، اعتداء على دولة ذات سيادة، مما يستوجب تدخل مجلس الأمن، وحتى دون إعلامه، وذلك استناداً إلى المواد رقم 39 و41 و42، من ميثاق الأمم المتحدة، والتي تفوّضه بتقرير واتخاذ ما يلزم، لحفظ السلم والأمن الدوليين.

هذا في القانون الدولي.

أما في السياسة، فإنّ الاعتداء السعودي على دولة ذات سيادة، وخرقه لمبدأ عدم التدخل، قد أتى بغطاء سياسي من الولايات المتحدة الأميركية، وليس بغطاء قانوني، ولأهداف سياسية، بدءاً بالملف النووي الإيراني، مروراً بالصراع على مجمل القضايا الإقليمية والدولية العالقة، والمتنازع عليها.

فهل يكون الاعتداء السعودي، مقدمة لمرحلة جديدة في تاريخ العلاقات الدولية، تتغلب فيها المشروعية السياسية على الشرعية القانونية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى