كمال الرياحي راوياً المشهد الخلفي للمجتمع بلغة غاضبة
يعتبر الكاتب والروائي التونسي كمال الرياحي أن روايته الجديدة «عشيقات النذل» تندرج ضمن بداية التحول في الكتابة العربية بعد ما يدعوه بـ»الخيبات والانكسارات وحالة اللامعنى» التي أعقبت انتفاضات «الربيع العربي». ويرى أنه بعد أيّ تحولات سياسية أو ثورة تهز المجتمع يظهر جيل الغضب مثلما حدث في أميركا أو اليابان. هذا الأسلوب الغاضب في الكتابة بدأ يجد طريقه في الرواية العربية عقب انتفاضات الربيع العربي مؤثّراً في أسلوبه ومنجزه الإبداعي.
الرواية الصادرة لدى «دار الساقي» هي الثالثة للرياحي بعد «المشرط» 2012 و»الغوريلا» 2011 . ويحاول خلالها اقتحام المحرم والنبش في المسكوت عنه بأسلوب صادم وساخر، مستخدماً لغة غاضبة لا تتردد في استعمال كلمات نابية تعكس غضب الشخوص على واقعها وعلى العالم الذي رميت فيه.
يقول الرياحي: «الرواية الجديدة تخرج من إطار الصورة البريدية وترسم صورة الشوارع الخلفية وتهتم بالفضاءات والشخصيات المهمشة في أسلوب الكوميديا السوداء وأقرب إلى ما يسمى بالواقعية القذرة التي ظهرت عقب حرب فيتنام أو الحرب العالمية الثانية. الرواية نص في مديح النذالة السافرة من واقع اليوم. نص يروي كيف تصنع البشاعة والعنف وينبت الشر».
بحبكة روائية تنحو منحى التجريبية على بساطتها وبأسلوب إبداعي، يحاول الرياحي الحفاظ على التشويق حتى النهاية لخلق المأزق الروائي. وتعتقد وأنت تقرأ ثلثي الرواية 192 صفحة أنك تعيش القصة الحقيقية للبطل قبل أن تصدمك مفاجأة وتكتشف أنك عشت خدعة بعد انقلاب الحوادث، واضطرارك لإعادة ترتيب القصة وتركيبها من جديد، ما يدفعك لزيادة اليقظة خوفاً من السقوط في فخ آخر.
ويدفعك التشويق والأسلوب المخادع الذي حبكت به الرواية ويزيد في حدة الفضول لالتهام الصفحات التهاماً لاكتشاف النهاية.
تدور الرواية حول مقتل المراهقة «سارة» فتتهم والدتها «ناديا» وهي صاحبة مؤسسة إعلامية مشهورة متزوجة من «كمال اليحياوي» وهو كاتب وروائي ذائع الصيت بفضل شبكة علاقات زوجته الكبيرة بقتلها. ويقول الروائي التونسي: «نسجت الرواية بأسلوب الحبكة البوليسية، لكن في الوقت ذاته يسخر منه ويحطمه من الداخل، لأنها غير معنية بالوصول إلى الجاني أو البحث عن الحقيقة لكنها تسعى إلى الذهاب بعيدا في أعماق النفس لتستخرج للعلن بشاعتها عبر مجموعة من الشخوص تتقاطع خيوط أقدارهم وأطماعهم فيفتك الواحد منهم بالآخر عبر الابتزاز والخيانة والجريمة». وتبدأ رواية «عشيقات النذل» عندما يصطدم البطل كمال بسؤال عشيقته السرية إن كان سيبقى معها رغم حملها من زوجها: «نعم أنا حبلى ولن أجهض.أجبني هل ستبقى معي؟». هذا السؤال سيعيد «البطل» إلى ذكريات الماضي عندما عادت «ناديا» الفتاة التي كان يحبها في الجامعة حبلى من زوجها وطلبت منه الزواج بعد الحصول على الطلاق: «ناديا أيضاً وقفت قبل سبعة عشر عاما وقفتها تلك عند باب المرأب تخيرني: أنا حبلى فهل ستبقى معي؟… كانت لا تزال متزوجة عندما طلبت مني الزواج. كانت تقول إنها فقط تصفي بعض الأمور العالقة».
يوضح الرياحي: «تتناول الرواية الكثير من الأمراض المجتمعية من تمييز عنصري في مجتمع يدعي الحداثة وقضية التصادم والتطاحن بين الطبقات البورجوازية والبروليتاريا اضافة للانتهازية. ما نراه اليوم من عنف وإرهاب أصيل تلك المعارك والحقد الذي ينطلق داخل الأسرة ويعشش في أركان البيت الصغير». وفي حوادث الرواية يرسم شبكة كاملة من العلاقات المشوهة تنمو في ظل صراع طبقي يغلفه الزيف وتنهكه الأحقاد وفي مجتمع تستنزفه الانتهازية وتنخره الوصولية فتدفع الفرد للقتل والسرقة والتحيل لأجل تحقيق غايته فتصبح «الغاية تبرر الوسيلة». وتكشف الرواية كيف أن بطل القصة «كمال» أصبح كاتباً مشهوراً بعدما احتجز طلبة «الدراماتورجيا» في قبو ليكتبوا له مسلسلات تلفزيونية يوقعها باسمه مقابل مال يؤمن وصوله إلى عائلاتهم، أما زوجته «ناديا» فتقيس كل شيء بالمال والمصالح. ويضيف الرياحي: «الروائي صائد حكايات صائد وجوه. جميع الشخوص التقطها من الواقع. الواقع أصبح عجائبي وخيالي أكثر حتى من الخيال البشاعة والعنف يعلنان عن نفسهما نتيجة الانهيار القيم وانحطاط الكائن البشري».
وكمال الرياحي روائي وكاتب تونسي فاز في مسابقة «بيروت 39» التي نظمتها مؤسسة «هاي فيستيفال» عام 2009. وفازت روايته «المشرط» بجائزة الكومار الذهبي لأفضل رواية تونسية عام 2007، وترجمت أعماله للفرنسية والألمانية والانكليزية والبرتغالية.