مملكة التنابل وحرب اليمن

د. حسام الدين خلاصي

مرّت المنطقة في مراحل متعدّدة، فسقطت دول وصمدت أخرى وستنتصر. هذه المراحل صنعتها الصهيونية الدينية والاقتصادية ونفذتها الوهابية بزعامة مملكة التنابل. وقد ذهب المحللون إلى تفصيل هذه المراحل وتقسيمها، لكنّ سقوط الأقنعة خلال مؤتمر القمة العربية في شرم الشيخ، يوجب العودة السريعة إلى بعض تفاصيلها وهي :

أولاً مرحلة الخطة «أ» في 25 آذار 2015 حين بدأت الحرب الصهيونية على العالم عبر الوكيل الحصري ألا وهو ملوك آل سعود، هذه الحرب التي خطط لها قبل أحداث 11 أيلول والتي كانت يومها الطريقة الوحيدة للفت أنظار العالم الأميركي والأوروبي المزهو بانتصاره على السوفييت بأنّ العدو المقبل هو الإسلام إسلام الوهابية الصهيونية المعدّ في المطبخ السعودي أيديولوجياً بحجة الحرب على أميركا في كلّ أرجاء المعمورة، وخصوصاً دول شرق المتوسط وشمال أفريقيا المطلة على المتوسط، بواسطة عصابة الإخوان المسلمين المتلونة في شدّة التطرف، حسب درجة المقاومة التي يبديها البلد للمشروع الصهيوني في المنطقة .

بعد ذلك بدأت مرحلة تنفيذ الخطة «ب» والكلّ بات يعرف تفاصيل هذه الخطة التي بدأت منذ اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، تلاها عدوان «إسرائيل» على لبنان وما أعقبه ردّ فعل وقح لبعض العرب، وخصوصاً الخليجيين حول مفهوم المقاومة وجدواها، وقد وصفوها حينها بأنها «مغامرة»، فاتحين الباب لثقافة مضادة لمشروع المقاومة التي انتصرت على العدو في جنوب لبنان. وتوالت الأحداث حتى عام 2010 موعد انطلاق ثمرة تخريب البنية المجتمعية وثقافة المقاومة وقلب أنظمة الحكم عبر «الربيع العربي» من تونس إلى سورية التي تعرضت لمؤامرة دولية كبرى، فصمد شعبها وقاوم جيشها ولم يفلح هذا الربيع في الانقلاب على شرعيتها الدستورية، فتوازنت الكفة من جديد وصار الجيش السوري محط أنظار دول وشعوب المنطقة، متحدّياً الإرهاب الوافد إليه عبر الحدود، فأفشل مخطط تحويل سورية إلى دولة فاشلة، والقاضي بنشر التنظيمات الوهابية التكفيرية في المنطقة، بغية تقسيمها وتفريغها من مكوناتها الإنسانية والاجتماعية والحضارية، لتقوم دولة الإسلام الوهابي الصهيوني التي من المفترض أن تعادي، فوراً وكما رسم في الخطة، العدو الأول لها ألا وهو إيران الفارسية الشيعية ، وعلى أنقاض هذا الصراع على أرض العراق وسورية، تقوم دولة «إسرائيل» اليهودية. كلّ تلك المخططات فشلت، بفضل بسالة الجيش السوري وقوى المقاومة التي ساندته في الصراع، يضاف إلى ذلك تحوّل الصراع في العراق إلى نحو منضبط وواع، إذ تدخلت قوى الحشد الشعبي إلى جانب الجيش العراقي للحفاظ على سيادة العراق ضدّ التدخل الأميركي الجديد، كما فشلت المحاولات الحثيثة لجرّ إيران إلى التدخل المباشر في الحرب.

فشلت الخطة «ب» التي كانت تهدف إلى إشعال حرب سنية ـ شيعية، فانهار حلم كبير لأرباب الشعائر الصهيونية من مملكة التنابل وهم الوكيل الحصري للمصالح «الإسرائيلية» في المنطقة والذي عمل على جلب الإرهابيين المرتزقة من كلّ الدول الحاضنة إلى سورية والعراق، بدعم من تركيا وقطر اللتين أمنتا الأموال والسلاح والتدريب لهؤلاء الإرهابيين.

وبعد الهزيمة السعودية ـ الصهيونية، كان لا بدّ من الانتقال إلى الخطة الجديدة «ج»، ففي 25 آذار 2015 استشعرت الولايات المتحدة الأميركية و«إسرائيل» أنّ إيران تهاجمهما في اليمن، عبر تقدم ملحوظ لأنصار الله، وأنّ الهيمنة «الإسرائيلية» والسعودية على 30 في المئة من نفط العالم مضيق باب المندب ستضيع، فإيران ماضية في بسط نفوذها الاستراتيجي على المنطقة، يضاف إلى ذلك تقدمها في مجال الصناعة النووية والعسكرية، مستفيدة من تراجع المخطط الصهيوني، أمام الإنجازات الميدانية للجيش السوري وصمود السوريين والتفافهم حول جيشهم وقيادتهم، فقرّرت «إسرائيل» عبر وكيلها السعودي أن تخوض الحرب مع اليمن في محاولة يائسة لجرّ إيران إلى حرب مذهبية، بدأت تأخذ شكلاً جدياً عبر وسائل الإعلام الموالية للخليج، ويروج لها لإشغال العالم عن الصراع العربي ـ «الإسرائيلي»، لكنّ إيران لن تقع في حفرة الحرب الجانبية مرتين، كما فعلت مع صدام حسين الذي ضيع القدرات الإيرانية ذات مرة.

من هنا بدأت الولايات المتحدة الأميركية مفاوضات حول الملف النووي الإيراني، لكسب الوقت ولمنح الفرصة لـ«إسرائيل» وأعوانها في مملكة التنابل لفعل ما يمكن فعله لتوريط المنطقة في حرب سنية شيعية مفترضة. ويدرك الجانبان الأميركي والإيراني أنّ هذه المفاوضات لن تفضي إلى نتيجة، فإيران تعتمد على صمود وقتال محور المقاومة، وعلى دعم الجيوش الشرعية في المنطقة سورية والعراق و لبنان واليمن .

أما سورية التي تدور رحى الحرب حولها وحول قرارها، فهي تمضي كقدوة في الصمود ضدّ أي خطة مقبلة أو حالية، ويستطيع الشعب اليمني أن يرى فيها أمثولة للقدرة على النصر، رغم فداحة الخسائر البشرية والاقتصادية. لن تنجرّ إيران إلى حرب وهي تتقدم بذكاء شديد واثقة بانتصار استراتيجيتها، أما المعركة الحاسمة فلن تكون إلا مع العدو الصهيوني، وبالتالي فإنّ مملكة التنابل ماضية إلى حتفها، لأنّ الكيان الصهيوني يرى في خراب المملكة وتقسيمها مكسباً كبيراً، لم لا وملوك آل سعود يعملون أصلاً، لمصلحة وخدمة الدولة الأم بالنسبة إليهم وهي دولة «إسرائيل» الكبرى؟

إنّ ما جرى في القمة العربية في شرم الشيخ، يدلّ على انصياع الدول العربية وزعاماتها للسعودية، وإن كان ذلك على حساب شقيق عربي تعتدي عليه الآلة والمخططات الصهيونية كلّ لحظة. في شرم الشيخ سقطت فلسطين بشراكة الثنائي فتح وحماس وظهر العدو الافتراضي الجديد، ألا وهو إيران. جرّت مملكة التنابل الشعوب العربية إلى ربيع مزيف، وجرّت الحكام العرب الجدد إلى اعتبار إيران عدوة العرب. إنها آخر إنجازات مملكة التنابل التي سيكون العدوان على اليمن أحد أهم أسباب زوالها.

لن تُحسم الحرب الدائرة الآن عبر عاصفة الحزم، ففي النية تفاصيل أخرى والسؤال المهم هو: هل تنفعل إيران وتنجرّ إلى حرب مذهبية تفادتها في كلّ المراحل والخطط، كما تحلم «إسرائيل» فتنفجر المنطقة؟ أم أنها ستكمل مسيرة المفاوضات، الخدعة، والتي تحاول الولايات المتحدة الأميركية من خلالها إيهام أصدقاء إيران بأنّها تتلهى بالمفاوضات لاهثة وراء مصالحها وتاركة حلفاءها لمصيرهم؟ أم ستنتفض ساعة يتوجب التوقف وتغير مسار الخطط كلها؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى