بين الساحرة المستديرة وفنّ السيرك… ما أجمل الضحك أحياناً

«عرض يجمع بين كرة القدم وفنّ السيرك. لا شكّ أن ذلك مشهد رائع بكل المقاييس». بهذه الكلمات عبّر اللاعب الدولي السويسري السابق، رولف كني، عن مشروعه الجديد الذي ابتكره قبل أيام معدودة، والذي يدخل في إطار أنشطة فرقة السيرك «سالتو ناتالي».

وبالنسبة لمؤسس هذه الفرقة الشهيرة، فإن أوجه التشابه بين لعبة كرة القدم وفنّ السيرك تكمن في كونهما مجالان يدخلان البسمة قلوب الناس ويجمعان العديد من الأشخاص حول عرضٍ واحد. ثم تأتي موهبة التهريج كذلك، إذ لا يكفي أن يرتدي المرء لباساً مزركشاً ويتنكر خلف قناع مساحيق ومستحضرات الوجه ويضع أنفاً بلاستيكياً أحمر لكي يكون مهرجاً بارعاً، حيث أن التهريج ملكة فطرية تتطلب خفة دمّ عالية وقدرة كبيرة على فهم نفسية المتلقي ولحسن الحظّ فقد استوعب العديد من لاعبي كرة القدم ونجومها هذه الفكرة جيداً، فنجحوا في إضحاك زملائهم وأصدقائهم من دون الحاجة إلى التنكر أو تغيير مظهرهم الخارجي. وقد شهد تاريخ الساحرة المستديرة عدداً لا يستهان به من اللاعبين المهرجين، من أبرزهم فرانك ريبيري وبيبي رينا وسيب ماير وإيرنيست هابل. وفي ما يلي نعرض بعضاً من طرائف ومواقف مهرجي عالم كرة القدم.

نكت بيست وحكايات توتي

يتميّز بعض نجوم عالم الساحرة المستديرة بسرعة الردّ على الأسئلة المحرجة والانتقادات اللاذعة بخفة دمّ كبيرة تجعل المتلقي ينفجر من كثرة الضحك. وكان البرازيلي داريو جوزيه دوس سانتوس الملقب بـ»دادا مارافيليا» أو أسطورة إيرلندا الشمالية جورج بيست من أروع اللاعبين الذين تميّزوا بأجوبتهم الجاهزة وردودهم السريعة، فمن منّا لا يتذكر مقولة بيست الشهيرة عندما سُئل ذات يوم عن نفقاته، حيث صرح أمام اندهاش الجميع: «لقد أنفقت الكثير من المال في شرب الخمر ومعاشرة النساء وشراء السيارات الفخمة. أما الباقي فقد رميته من النافذة».

وفي بطولة كوبا أميركا 1989، نجح مدرب المنتخب التشيلي أورلاندو أرافينا في تهدئة الوضع المتوتر خلال مؤتمر صحافي بجملة طريفة ساعدته في الوقت ذاته على التملّص من الإجابة على سؤال محرج. فبعدما سأله أحد الصحافيين «كيف سيلعب منتخب تشيلي أمام الأرجنتين»، أجاب أرافينا مازحاً: «بالزي الأحمر والأزرق إضافةً إلى جوارب بيضاء».

أما طرائف النجم فرانشيسكو توتي فتكاد لا تُعد ولا تُحصى، لدرجة أن أسطورة نادي روما الإيطالي أصدر كتاباً يضمّ حكايات هذا اللاعب ومواقفه الساخرة سواء تعلق الأمر بأدائه داخل رقعة المستطيل الأخضر أم بكواليس يومياته مع فريق العاصمة أو حتى في مداخلاته أمام عدسات الكاميرا. وعلى ذكر طرائفه مع وسائل الإعلام، يُحكى أن صحافية كانت تُجري مقابلة مع توتي فتلفظت بعبارة «Carpe Diem» وهي عبارة شائعة في اللغة الإيطالية وباقي اللغات ذات الأصل اللاتيني، وتعني «استمتع باللحظة الراهنة» أو «انتهز الفرصة المتاحة أمامك اليوم من دون التفكير في ما سيأتي غداً» ، لكنها فوجئت بجواب المهاجم الإيطالي حينما ردّ عليها قائلاً: «آسف، أنا لا أتحدث اللغة الإنكليزية!»

وقد يستمتع البعض بالمواقف المضحكة التي شهدتها مسيرة توتي داخل الملعب وخارجه، لكن البعض الآخر يفضل حكايات النجم الفرنسي فرانك ريبيري، الذي لم يتوقف عن المزاح منذ أن التحق بصفوف العملاق البافاري بايرن ميونيخ. فقد تظاهر بسرقة كأس ألمانيا بعد نهائي عام 2008 الذي فاز به فريقه أمام بوروسيا دورتموند لتنطلق الضحكات في كل جنبات الملعب الأولمبي ببرلين. وبعد ذلك بأسابيع معدودة، أفرغ دلوين من الماء البارد فوق رأس زميله أوليفر كان في موقف هزلي أمام ممثلي وسائل الإعلام لدى خروج أعضاء الفريق من إحدى الحصص التدريبية. أما أكثر طرائف ريبيري غرابة فقد كانت خلال المعسكر التدريبي برفقة ناديه الألماني في مدينة دبي الإماراتية عندما تسلل إلى مقعد سائق الحافلة التي كانت تقل أعضاء الفريق الأول، وقرر تشغيل المحرك وقيادة الحافلة بنفسه، في غياب السائق. ولكنه كان قاب قوسين أو أدنى من التسبب بكارثة لا يحمد عقباها، حيث فقد السيطرة على المقود فاصطدمت الحافلة بلافتتين على جانب الطريق عند أحد المنحنيات تعرّضت على إثرها لأضرار طفيفة من دون أن يصاب أي من زملائه بأذى.

كذبة بيضاء وحركات بهلوانية

واستغل مدرب المنتخب الفرنسي السابق رايموند دومينيك يوم 1 نيسان ليطلق كذبة بيضاء تناقلها جلّ وسائل الإعلام وأثارت تساؤلات عديدة في الشارع الفرنسي. فعلى بعد ثلاثة أشهر من انطلاق نهائيات كأس الأمم الأوروبية 2008، أوضح المدير الفني الفرنسي في مدونته على شبكة الإنترنت أن منتخب الديوك لن يشارك في البطولة القارية، مشيراً إلى أن «الموسم طويل جداً ومليء بالأحداث والاستحقاقات، ما سيجعل الفريق غير قادر على المنافسة».

وبعيداً من دومينيك وكذبة نيسان، كان الحارس مارسيل أوبور يتولى مهمة الدفاع عن شباك رين في نهائي كأس فرنسا لموسم 1971 الذي جمع فريقه بنادي ليون، حيث استغل توقف المباراة لبضع دقائق ليبدأ بجمع قطع الخرشف التي كان يلقيها الجمهور الممتعض فوق أرضية الملعب، قبل أن يعود إلى مرماه ليقلد لاعبي الكرة الحديدية.

أما إيرنيست هابل فقد كان يمزح خلال المباريات مع رفاقه وخصومه والحكام على حدٍّ سواء بجلوسه فوق الكرة من حين إلى آخر. وفي مقابلة صحافية عام 1992، قبل وفاته بأشهر قليلة، علق الأسطورة النمسوي على تلك الطريقة المضحكة بالقول: «الناس يعشقون روح الدعابة لدى اللاعبين، والمشجعون يريدون مشاهدة عرض مثير. وبما أن كرة القدم تبقى لعبة في نهاية المطاف، فإنه يتعين على اللاعبين أن يستمتعوا فوق أرضية الميدان كذلك».

ومن جهة أخرى، كان أندري كانشيلسكيس يقف فوق الكرة مراراً وتكراراً خلال المباريات ليجد نفسه أعلى من باقي اللاعبين ببعض السنتيمترات ثم يضع يده فوق عينيه وهو ينظر بعمق وكأنه يبحث عن شيء بعيد في الأفق. أما اللاعبة الأيسلندية أرنا أرنادوتير فقد كانت تقوم بشقلبة كاملة عند تنفيذ رمية التماس، حيث كانت تسعى من خلال ذلك إلى إيصال الكرة إلى أبعد نقطة ممكنة.

ولعل ارتماءة الحارس الكولومبي رينيه هيغيتا في مباراة منتخب بلاده أمام إنكلترا في 6 أيلول 1995 كانت أروع حركة بهلوانية شدّت انتباه الملايين من عشاق كرة القدم عبر العالم، إذ أُطلق على تلك اللقطة منذ ذلك الحين لقب «صدة العقرب». وقد علق هيغيتا على تلك اللقطة بالقول: «إن الأمر يتعلق بصدّة تتطلب لياقة عالية ومرونة كبيرة، حيث يرتمي الحارس أرضاً مستنداً على يديه ورافعاً رجليه إلى الأعلى من أجل التصدي للكرة وإبعادها بالكعبين معاً».

حيوانات فوق المستطيل الأخضر

على غرار عروض السيرك المدهشة، تتخلل مباريات كرة القدم أحياناً بعض الطرائف التي يكون أبطالها حيوانات بشتى أنواعها وأشكالها، وهي مشاهد شدّت انتباه بعض اللاعبين الذين استغلوها لإمتاع الجماهير بعروض ساخرة ومقالب مضحكة.

من منّا لا يتذكر ارتماءات سيب ماير وتصدّياته الرائعة التي ساهمت بشكلٍ حاسم في فوز منتخب بلاده بلقب كأس العالم FIFA على أرضه وبين جماهيره في 1974. ولكن أسطورة العرين الألماني انتقل في إحدى المباريات من التصدّي للكرة إلى مطاردة بطة تسلّلت إلى أرضية الملعب فتوالت ارتماءاته الواحدة تلو الأخرى وسط تصفيقات الجماهير. كما كان البرازيلي فيولا يتمتّع بحسّ دعابة قلّ نظيره، إذ ما زالت جماهير كورينثيانز تتذكر إلى يومنا هذا احتفال المهاجم الساخر بهدف الفوز على بالميراس في نهائي بطولة ولاية ساوباولو موسم 1993، حيث بدأ يرقص بشكلٍ صاخب وهو يقلّد حركة الخنزير.

ولا يمكن لهذه الجولة العالمية أن تكتمل من دون ذكر طرائف نجوم كرة القدم الإنكليزية. فقد كانت مراوغات كريس وادل تثير الضحك في المدرّجات، نظراً إلى الطريقة غير المألوفة التي كان يراوغ بها إضافةً إلى حركات التكشير الغريبة التي كانت تصاحبها. كما يحتفظ تاريخ طرائف كرة القدم بصور بول غاسكوين وألان شيرر عندما كانا يخبئان بطاقة صفراء في جواربهما أو في جيبهما، لرفعها في وجه الحكم بين الفينة والأخرى.

لقد صدق من شبه كرة القدم بفنّ السيرك، إذ أن الساحرة المستديرة تكتسي طعماً أروع عندما يمتزج فيها سحر العروض الكروية الممتعة بجمالية المشاهد المضحكة والمواقف الطريفة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى