تقرير
«في المجمل، المعركة في اليمن فصل آخر في الصراع بين إيران والمحور المتبلور الرياض ـ القدس كجزء من المصلحة المشتركة القائمة بين دول عربية سنية و«إسرائيل» في كبح الهيمنة الإيرانية على الشرق الأوسط، لذلك على «إسرائيل» ان تساعد حلفاءها، ولكن طبعاً ليس عن طريق إرسال الجنود، إنما بالسر وبصورة ملتوية» هكذا يلخص كاتب هذا المقال فكرته باختصار، يطالب «إسرائيل» بدعم السعودية في حربها في اليمن بالسر، بينما يقوم هو بفضح هذا السر ليطلع عليه كل من له عينان أو أذنان على وجه هذه البسيطة، ما المقصود؟
إلى المقال.
«إسرائيل» تخشى دائماً من تشكل ائتلاف عسكري عربي، وها هو ذا الائتلاف قد تشكل بهدف مقاتلة الدولة غير العربية، وليست «إسرائيل»، إنما إيران، وحتى تركيا وباكستان تدعمان هذا الجهد على رغم استمرار الصراع العربي ـ «الإسرائيلي» بشكل عام، والفلسطيني ـ «الإسرائيلي» بشكل خاص الدول العربية لم تتجند ضد «إسرائيل»، إنما ضد إيران، هذا التعبير النادر للوحدة العربية، والذي يبدو خارجاً عن المألوف، يظهر الآن في اليمن، إيران نجحت في إنجاز ما فشلت «إسرائيل» في تحقيقه: ان توحد العرب في إطار عسكري، حتى وإن ركز هذا الائتلاف الكفاح ضد حلفاء إيران في اليمن… الحوثيين.
يجب التأكيد أن الحديث يدور عملياً عن عملية عسكرية سعودية، حظيت حالياً على تعزيز صغير، وفي بعض الأحيان رمزي من قبل عدد من الدول العربية مثل مصر، وعلى رغم ان المواجهة ليست مباشرة بين السعودية وإيران، فما زال الحديث يدور عن صراع سني ـ شيعي أو عربي ـ فارسي أو إيراني ـ عربي، وهذه أيضاً مرحلة أخرى من الحرب التقليدية على ضم مناطق نفوذ وهيمنة في الشرق الأوسط بين الدول القوية في الإقليم، في الماضي شارك في هذا الصراع دول مثل سورية، والتي أصبحت الآن ساحة حرب بين مزيج من الميليشيات على اختلاف مشاربها، والتي تؤيد بعضها دولاً تعتبر الآن مهيمنة مثل إيران والسعودية.
منذ اندلاع الحرب في سورية عام 2011، تحرص «إسرائيل» على البقاء خارج الحمام الإقليمي، وفق تقارير أجنبية فقد استهدفت «إسرائيل» عدة مرات فقط مواقع على الأرض السورية بهدف إحباط عمليات نقل سلاح متطور إلى حزب الله، إلى جانب هذا هناك احتكاك على الحدود «الإسرائيلية» ـ السورية في هضبة الجولان، لكن، وعلى رغم حيادية «إسرائيل»، فإنها لا تريد حقاً ان تشهد انتصاراً إيرانياً في سورية.
مصر والسعودية، اللتان وقفتا على جانبي المتراس في حرب اليمن في الستينات، هما حليفتان في المواجهة الحالية في ذات الدولة، في ذلك الوقت ساعدت «إسرائيل» أعداء مصر في الإقليم بعض الشيء، تورط مصر في اليمن في الستينات عرفت حينذاك بـ«فييتنام مصر»، نسبة للصراع المر الاستنزافي الذي أدارته الولايات المتحدة في فييتنام في ذات المرحلة طبعاً، قد تصبح اليمن اليوم فييتنام السعودية فالحوثيون خصم عنيد على دراية جيدة بطبيعة المنطقة، ولأنه يقاتل على أرضه ويحظى بدعم قوة كبرى… إيران.
السعودية ومصر ودول أخرى من بينها «إسرائيل» قلقة من أن الحوثيين وأولياءهم في طهران يهددون من اليمن المضيق القريب باب المندب، الذي يعتبر البوابة الجنوبية للبحر الأحمر، عرض المضيق في جزئه الأضيق يبلغ حوالى 27 كيلومتراً، في معارك «يوم الغفران» أغلقت مصر المضيق في وجه الملاحة «الإسرائيلية»، واليوم مصر و«إسرائيل» المتعاونتان في قمع العصابات والإرهاب في سيناء قد تعملان سوياً من أجل تأمين الملاحة لمصر و«إسرائيل» عبر باب المندب، وعلى ضوء الحساسية في العالم العربي بما في ذلك مصر تجاه «إسرائيل» فبالتأكيد ان كل ما يتعلق بتدخلها العسكري ومساهمتها في تأمين الملاحة في باب المندب يجب أن تجري في الخفاء.
النموذج الشاهد على أهمية باب المندب بالنسبة إلى «إسرائيل» هو الهجوم الذي وقع في 11 من حزيران 1971 ضد باخرة نقل «إسرائيلية»، خلية تابعة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين خرجت في قارب صغير تجاه الناقلة «الإسرائيلية»، وأطلقت عشرة صواريخ أدت إلى إشعال النار في الناقلة، غير أنها أخمدت، قد يكون المضيق اليوم عرضة لمثل هذه الهجمات بل وأكثر فعالية إذا أطلقت في المنطقة صواريخ ذات رؤوس حربية شديدة الانفجار، أضف إلى ذلك فقد تنصب إيران في المنطقة صواريخ بر ـ بحر تشكل خطراً كبيراً بل ربما تغرق سفناً تبحر باتجاه «إسرائيل» أو خارجة منها، في جميع هذه الهجمات يمكن لإيران أن تستخدم ذمييها كما تتصرف في مناطق أخرى كما حزب الله في لبنان بهدف عدم تحمل المسؤولية لكي لا تتلقى الاستنكار الدولي، ولكي تجعل من الصعب على «إسرائيل» أن ترد ضدها بشكل مباشر وعلني.
دعا أبو مازن إلى تنفيذ عملية مشابهة لما يجري في اليمن لمصلحة الفلسطينيين، وعلى رغم كل انتقاداته لـ«إسرائيل»، فهناك شك بأنه يسعى إلى ائتلاف عسكري عربي ضد «إسرائيل»، وهي عملية غير متوقعة ومن الصعب جداً تحققها على ضوء قوة «إسرائيل» والتحديات الأهم التي تواجه الدول العربية السنية، التحالف التقليدي ضد «إسرائيل» اعتمد من قبل دول مثل مصر والأردن وسورية والعراق، و«إسرائيل» لديها الآن اتفاقيات سلام مع مصر والأردن، وإن كان سلاماً بارداً، أما العراق وسورية فيشهدان عمليات تفكك متقدمة، والسعودية طبعاً لن تتوجه ضد «إسرائيل»، بل العكس في السنوات الأخيرة تم نشر سلسلة من الأخبار حول تفاهمات تشكلت بين الدولتين ضد إيران، من بين الكثير من الأمور تم الحديث عن ممر جوي سعودي لهجوم «إسرائيلي» محتمل ضد مواقع إيران النووية.
رئيس السلطة الفلسطينية كان يفضل أن يرى هجوماً عربياً على عدوه الألد على الساحة الداخلية «حماس» في قطاع غزة، السلطة الفلسطينية عارضت عندما هاجمت «إسرائيل» حماس في قطاع غزة في الجولات التي وقعت هناك بعدما سيطرت «حماس» بالقوة على قطاع غزة عام 2007. أبو مازن الذي تطرق إلى المبادرة العسكرية السعودية تجاه جارها اليمن، كان ربما يريد ان يرى مصر تضرب جارتها العصية حماس، التي اعتبرت عدواً لدوداً لنظام السيسي الحاكم في مصر، وفي المجمل المعركة في اليمن هي فصل آخر في الصراع بين إيران والمحور المتبلور الرياض القدس كجزء من المصلحة المشتركة القائمة بين دول عربية سنية و«إسرائيل» في كبح الهيمنة الإيرانية على الشرق الأوسط، لذلك على «إسرائيل» أن تساعد حلفاءها، ولكن طبعاً ليس عن طريق إرسال الجنود إنما بالسر وبصورة ملتوية.