كتب جون آلترمان

كتب جون آلترمان

ليس بعيداً من الحرب السورية، التي أصبحت فجأةً أقلّ إلحاحاً، جذبت الفوضى المنتشرة في كافة أنحاء اليمن، الانتباه العالمي إليها، وحوّلت الأنظار عن الأحداث الجارية في سورية، والتي دخلت سنتها الخامسة. وبالمقارنة مع سورية، فإن جيران اليمن يرون أن لإيران اليد الطولى في الحرب الدائرة هناك، حتى أن اليمن يعطي انطباعاً بأن أزمته قد تكون أسهل، الملايين العشرة من السكان لم يُهجّروا ـ إلى الآن ـ من مساكنهم. كذلك، إن الفرق المتقاتلة في اليمن لم تستنفد قواها بعد، وطوفان الدعم المسلّح الذي بدأ يُغرق اليمن سيجعل الأمور أسوأ بكثير. كلّ هذا يحدث بينما لا تزال الحروب الأخرى في المنطقة مشتعلة.

من السهل جداً أن نتذكر يوم كان اليمن متفائلاً، لكن من الصعب أن نعرف متى عرف النجاح. فبعد حرب أهلية عصفت بالشمال إبان الستينات، واستيلاء ماركسيّ جنوبيّ عزّز السيطرة هناك في نهاية ذلك العقد، سعى اليمن ـ بشكل متقطع ـ إلى تحديث الأراضي التي تفتقر إلى البينة التحتية الأساسية، وتؤدي إلى معاناة السكان من مستويات عالية من الفقر والبطالة والأمّية والمرض. خلق توحيد الشمال والجنوب عام 1990 جواً شاملاً من التفاؤل. وكان أن جعلت الانتخابات الديمقراطية في منتصف التسعينات، من اليمن بلداً من أكثر البلدان الواعدة بالديمقراطية في الشرق الأوسط.

انعكس سوء الإدارة وتفشي الفساد سلباً على اليمن ـ بطبيعة الحال ـ في العقد الأول من القرن الحالي، عندما نظر العالم إلى اليمن على أنه بؤرة إيواء الإرهاب. فانبعاث تنظيم «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية، أضحى الاهتمام الرئيسي للحكومة الأميركية وحلفائها. وكمثال على ذلك، كان جون برينان المدير المسؤول عن مكافحة الإرهاب، والمدير الحالي لـ«CIA»، هو المسؤول المباشر عن السيطرة على السياسة اليمنية، أكثر من أيّ شخص آخر في الشرق الأدنى، وذلك خلال السنوات الأولى من حكم أوباما. كانت الولايات المتحدة لسنوات عدّة شريكاً صغيراً في اليمن، بينما أُنيط بالمملكة العربية السعودية تولّي مهام الدور الأكبر هناك، والتي ضخّت سنوياً أكثر من مليار دولار أميركي، تُدفع للشخصيات السياسية والعشائرية الصديقة.

تدهور الاقتصاد اليمني مع مرور الوقت بسبب حالته السيئة والمحفوفة بالمخاطر، ما جعل تأمين الغذاء للنسبة الكبيرة من الفقراء أمراً صعباً، وكذلك في الأعمال الأمنية: سواء من خلال تأمين حماية أحدهم، أو تجاهل أمن أحد آخر. و بتنا نجد ـ في جميع أنحاء البلاد ـ دفع أموال لبعض الجنود الذين لا نجدهم إلا على الورق، فيجمع أسيادهم رواتبهم هذه بشكلٍ فاضح.

وخلال «الانتفاضات العربية»، باءت معظم محاولات إقصاء الرئيس اليمني علي عبد الله صالح عن الرئاسة بالفشل. جلبت مبادرة «أصدقاء اليمن» الدول المجاورة فضلاً عن الحكومات الغربية والمنظمات العالمية مساعدات اقتصادية ومحاولات لتحقيق صلح سياسيّ. وسعت عملية الحوار الوطني في الوقت عينه إلى التوصل إلى عملية فهم سياسيّ للمضيّ قدماً.

لم تنجح جميع هذه المبادرات والمحاولات، وها هو اليمن يغرق يوماً بعد يوم. قطعت السعودية الإمدادات عن الحوثيين الذين تدعمهم إيران حالياً والذين وقفت السعودية إلى جانبهم إبان الستينات، كاستراتيجية اتّبعتها في وجه المتمرّدين الجمهوريين المؤيّدين آنذاك لجمال عبد الناصر. بينما نرى أن معظم حكومات الشرق الأوسط الحالية التي يقودها السنّة، تقف موقفاً مشبوهاً من الحركات الشيعية. فإن أوجه الشبه العقائدية بين الزيدية الشيعية في اليمن وبين تلك السنّية في شبه الجزيرة تختلف كلّ الاختلاف وتعني القليل القليل اليوم.

تعاني المملكة العربية السعودية من عدم استقرار اليمن، وذلك منذ اليوم الأول لتأسيسه إبان ثلاثينات القرن الماضي. لم تبهت هذه المخاوف. فاليمنيون القادمون من أفقر دولة عربية، يعملون بكثافة ـ وبالملايين ـ في المملكة السعودية، أغنى الدول العربية. وعندما شنّت المملكة هجماتها ضدّ تنظيم «القاعدة» داخل حدودها، لاذ أعضاء هذا التنظيم بالفرار إلى اليمن الذي وجدوا فيه حصناً آمناً نظراً إلى حكومته الضعيفة وحدوده الهشّة وقياداته الفقيرة التي يمكن شراء ولائها للوطن بسهولة تامة.

من الواضح أنّ حرباً ـ بالوكالة ـ تدور رحاها بين دول مجلس التعاون الخليجي وإيران. فلطالما دعمت إيران الحوثيين، غير أن هذه المساعدات أصبحت تصل ببطء أكثر في السنوات العشر الماضية. ويبدو أن مختلف المؤشرات تؤكد أن إيران لا تنظر إلى اليمن على أنها إحدى أولوياتها الاستراتيجية. إذا ما طال مسار هذه الحرب بالوكالة، فمن المتوقع أن يمتدّ هذا الصراع لسنوات. فجغرافية اليمن الوعرة ومساحاته الشاسعة ستجعل من الصعب في مكان لأيّ من الطرفين السيطرة على البلاد، ولن يخسر السكان المحليون شيئاً إذا ما وجدوا أنفسهم يُستخدمون كوقودٍ للمدافع إلى جانب هذا الطرف أو ذاك. وتقف الجماعات الجهادية الآن متفرّجةً على الصراع الدائر بين الحكومة والحوثيين، لكنهم سيستفيدون بالتأكيد من انتشار المعاناة. صحيحٌ أنهم لا يسيطرون على أجزاء واسعة من البلاد الآن، لكنهم سيفعلون حكماً إذا ما استمرّ الصراع هناك طويلاً.

تسعى الولايات المتحدة وحلفاؤها ـ بالغريزة ـ إلى إلحاق الهزيمة بالحوثيين. ومن شأن هذه الهزيمة أن تلحق الضرر بإيران وتعيد فرض الواقع الذي كان قائماً في اليمن. وهذا ما كانت السعودية تسعى إلى تحقيقه طوال العقد الماضي بالتعاون مع الحكومة اليمنية، من دون التوصل إلى نتائج تُذكر. من الصعب تصوّر إمكانية إبعاد الحوثيين عن الشمال، كما أنه من الصعب تصوّر سيطرتهم على كامل انحاء البلاد، أو إلحاق تأثير كبير على جميع المناطق القبلية في الخارج.

تستدعي هذه الظروف التي تلقي بتأثيرها على الجميع داخل اليمن وخارجه، الوقوف قليلاً للتفكير والتأمل، فهناك بعض الضمانات بمنح درجة معينة من الحكم الذاتي لمختلف الفئات السكانية في البلاد. ومثل هذه الاتفاقية، تتطلّب تفاهماً بين دول مجلس التعاون الخليجي، إيران والمانحين الخارجيين. تتطلّب أيضاً تصوراً لليمن، يضع استراتيجيات طويلة الأمد لمكافحة الإرهاب ولإدراة التحديات المستقبلية للبلاد. إنها تحدّيات صعبة للغاية، لكنها تستحق البحث فيها والنظر في إمكانية استثمار بشكلٍ عالي المستوى لسببين اثنين على الأقلّ. يكمن الأول في أن انهياراً كاملاً لليمن سيضع الخليج بأسره على حافة الهاوية. وسيجعل إدارة العلاقات بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي أكثر صعوبة وتعقيداً، قد ينتج عنها هجمات إرهابية متعددة ضدّ مصالح حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة. ثانياً، إن التوصل إلى نوع من التفاهم في اليمن سيخلق الأساس لإقامة علاقات إقليمية أوسع حول عدد من الحروب بالوكالة، وستشمل سورية، ليبيا وغيرهما.

إن الوضع القائم في اليمن غير ميؤوسٍ منه، غير أن الانهيار السريع يعطينا تصوراً مستقبلياً عن النتائج التي يمكن أن نتلقاها. وليس من شأن إدراك هذا التهديد أن يُعمي بصائرنا عن الفرصة التي لا تزال متوفرة والحاجة الملحّة إلى التمسّك بها.

الولايات المتحدة تحتاج أن تتعلّم متى عليها الانسحاب

كتبت شارمين نارواني، هي كاتبة ومحلّلة جيوسياسية لمنطقة الشرق الأوسط، ومستشارة كبيرة سابقة في جامعة «سان أنطوني» في أوكسفورد:

تطرح غرفة الدراسات في صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية سؤالاً ملحّاً: «هل اليمن معركة أميركية؟»، وتسأل عمّا إذا كانت الولايات المتحدة تتورّط في دعمها الجهود الإقليمية لمحاربة الحوثيين في اليمن.

في ما يلي مقالي القصير حول عدم اضطرار الولايات المتحدة للتدخل في ما يحدث في اليمن، وحول مدى حاجة واشنطن إلى كبح جماح السعوديين قبل توريط المنطقة برمّتها في فوضى أكبر بكثير.

قبل ستّ سنوات على بدء «الربيع العربي»، ثارت مجموعة من المتمرّدين الريفيين في اليمن على الحكم الاستبدادي ورعاته الخارجيين بهدف المطالبة بحقوقهم.

واليوم، عام 2015، لا يزال الحوثيون يقاتلون لمعالجة المظالم المحلية التي لحقت بهم، إنما ضمن الكثير من المنافسات الجيوسياسية التي تغلي في المنطقة بين محورين عالميَيْن.

فبينما تعمل الغريزة الأميركية على دعم الدول الخليجية، فإن واشنطن ستكون أكثر حكمةً لو أنها تستطيع كبح جماح التورّط السعودي في الحرب الأهلية الدائرة هناك.

قادت السعودية الأسبوع الماضي تحالفاً مع دول التعاون الخليجي وغيرها من الإمارات الأخرى الضربات العدائية ضدّ اليمن في محاولة للحافظ على هيمنتها في ظلّ هذا التطور السريع الحاصل في منطقة الشرق الأوسط. لكنهم لن يتوقعوا النجاح في مسعاهم هذا بعد الخسائر التي تكبّدوها بسبب تدخلاتهم في سورية، العراق، البحرين، ليبيا، مصر وغيرها من الأماكن.

لطالما اعتُبر اليمن ـ تاريخياً ـ رمالاً متحركة جاذبة للتدخلات العسكرية وللغزاة. فبعد انتهاء الحروب الستّ التي أرهقت البلاد والعباد، تنتشر الآن الأسلحة والمعدّات الثقيلة على طول الأراضي اليمنية وعرضها.

لكن، لمَ على الولايات المتحدة الانزلاق أعمق في مستنقع آخر في الشرق الأوسط، خصوصاً في اليمن، وبعد فشلها في احتواء التنظيمات الجهادية لـ«القاعدة» في شبه الجزيرة؟

تدعم واشنطن الجهود الفعلية للحرب من خلف الستارة، من خلال تقديم الدعم العسكري والاستطلاعي، واختيار الأهداف اليمنية للضربات السعودية. وتحسباً لهذا السيناريو، فإن الكونغرس قدّم موافقته أقلّه خلال السنة الأولى لـ«الربيع العربي» على بيع السعودية ما قيمته 67 مليار دولار من الأسلحة، تتضمّن الطائرات، والمروحيات، والصواريخ وقاذفات الصورايخ والقنابل فضلاً عن 640 مليون دولار من القنابل العنقودية، كلّها، في طريقها للوصول إلى اليمن للّعب ـ بشراسة ـ على مسارحه هناك.

تقوم الولايات المتحدة إلى الآن بإدارة العمليات بشكل هادئ، من دون أن توضح الأهداف أو المخططات من تلك المغامرة اليمنية. لكن على الأميركيين أن يكونوا حذرين: فها هو الرئيس أوباما يشيد ـ منذ أيام قليلة ـ بمدى نجاح إدارته في مكافحة الإرهاب. أما اليوم، فكلّ هذه الرهانات أصبحت في مهبّ الريح، فواشنطن أخطأت بعدم قراءة اليمن بشكل جيد طوال الفترة الماضية.

وسعياً منها للحفاظ على هيمنتها في المنطقة، تدعم الولايات المتحدة دوماً الحصان الخاطئ ـ تغازل الحكام المستبدّين والملوك الأغنياء، وتعزل نفسها عن المشاعر السلبية المتفاقمة ضدّها لدى شعوب المنطقة. وهي كانت قد وعدت بأن محادثاتها مع إيران في شأن برنامجها النووي ستأخذ منحىً مختلفاً: اقترحت أن واشنطن كانت تنتظر توسيع علاقاتها مع اللاعبين الأساسيين في المنطقة والقادرين على إيقاف المدّ الجهادي المنتشر بحدّة في الشرق الأوسط.

سيكون من الحكمة أن تستمرّ الولايات المتحدة اليوم بانتهاج هذا المسار الجديد في اليمن، وتكسر قيود المسار القديم للعسكرة والمواجهة إلى جانب حفنة من الحلفاء التافهين. إن هذا التوجه السعودي عينه قد أنجب «المجاهدين» في أفغانستان، «جبهة النصرة» في سورية، «تنظيم القاعدة» في اليمن، و«داعش» في كلّ مكان.

وباختيار هؤلاء الحلفاء قتال الحوثيين الذين ساهموا في احتواء هذه التنظيمات «الجهادية» لسنوات طويلة ـ بدلاً من الجلوس إلى طاولة المفاوضات معهم، سيشجع المتطرفين على إعاثة الفساد ونشر الإرهاب في الخليج الفارسي.

وبدلاً من الاستمرار في دعم الحلفاء، على واشنطن أن تتمكن من السيطرة على السعودية وفرملة شهيتها للسيطرة على المنطقة، وأن تدفع باتجاه الحلول الدبلوماسية، وتركز على الصراعات العديدة المهدّدة للمنطقة بكاملها. وفي الوقت الذي يصعّد فيه السعوديون، فإن أيّ حرب شاملة على اليمن ستعني خراب شبه الجزيرة العربية برمّتها، الأمر الذي ستكون له تبعاته الكارثية على مصالح السياسة الأميركية في المنطقة.

واشنطن تتفق نووياً مع إيران متجاهلةً اليمن

كتب الصهيونيّ أبراهام بن تسفي في صحيفة «إسرائيل توداي» نهاية الشهر الماضي:

من بين تكدّس فشل التفكير وتشويه الرؤية، التي منها تنبعث سياسة الرئيس أوباما في الشرق الأوسط، وإلى جانب نقصٍ في القدرة على فهم الديناميكية الإقليمية والقوى المحرّكة لها، يبرز غياب المنهجية والثبات في كل ما يتعلق بطريقة التنفيذ الفعلي للمبادئ الأساسية التي بلورها الرئيس في بداية حكمه. أحد هذه الخطوط الموجهة كان فكرة الربط بين العناصر المنفردة للسياسة والتي يختلف أحدها عن الآخر اختلافاً تاماً.

تضمنت رؤية الرئيس الأولية للبيت الابيض الاستراتيجية الإقليمية الشاملة للشرق الأوسط والمقيّدة بشكل متداخل لأحدها مع الآخر. فقد خلقت الإدارة على سبيل المثال ـ ربطاً قوياً بين الساحة «الإسرائيلية» ـ الفلسطينية وبين الساحة العربية الشاملة. ووفقاً لهذه الرؤية، فإن تسوية المسألة الفلسطينية كانت تعتبر المُسرّع الحيوي والشرط الأساسي لقيام تحالف سنيّ قوي، توافق فيه العناصر المكوّنة له على رأسها السعودية ومصر والأردن على الانخراط في النضال ضدّ القوى الإسلامية المتطرفة والمتشدّدة، برعاية الولايات المتحدة الأميركية ودعمها، وذلك بعد تسوية المسألة الفلسطينية. وكان من شأن تفكيك الكيانات السياسية العنيفة في ليبيا وسورية والعراق، إغلاق الدائرة في ما يتعلق بالخطوط الأساسية لنظرية الربط التي أنتجها مصنع أوباما. وذلك نظراً إلى وجود مجموعة جديدة من التهديدات التي تواجه المعسكر السنّي المعتدل التي لم تكن مرتبطة بتاتاً بالقضية الفلسطينية.

على رغم ذلك، وبالنسبة إلى «كل رجالات الرئيس»، فإن التغييرات الكبيرة التي مرّت على المنطقة والتحدّيات الأمنية الشديدة التي تواجه اليوم السعودية ومصر والأردن، لم تؤدّ بهم إلى إعادة تقييم نظرياتهم الأساسية. وهكذا يواصل كبار رجال الإدارة الأميركية وضع المسألة الفلسطينية على سلّم أولوياتهم واهتماماتهم. ولهذا، صوّر استبعاد رئيس الحكومة «الإسرائيلية» بنيامين نتنياهو ـ في الآونة الاخيرة ـ حلّ الدولتين كخيار عملي في الظروف الراهنة، من قبل البيت الابيض، على أنه وصفة مجرّبة لتجسيد الفوضى الاقليمية.

على رغم أن ساحة الشرق الأوسط هي بؤرة للحروب الأهلية الدموية، ومركز للنشاطات الإرهابية المتشعبة، وعلى رغم سيطرة إيران في الآونة الاخيرة ـ بوساطة مبعوثيها الحوثيين ـ على مساحات واسعة في جنوب اليمن، تواصل واشنطن بالتمسك بصورة مصطنعة حول نظريتها الأساسية. غير أن الوقائع الفعلية مختلفة تماماً. والسبب لا يعود فقط إلى استمرار تجميد الوضع بين «إسرائيل» والسلطة الفلسطينية، الذي لم يقلّل لا ماضياً ولا حالياً من شأن اللاعبين السنّة المركزييّن المتعاونين مع الولايات المتحدة، بل من أجل وقف الانقضاض الشيعي الحالي في جبهة اليمن. لكن للأميركيين حساسيةً زائدة وحذراً كبيراً في ردود فعلهم إزاء التحدّي الجديد، إذ تقتصر أنشطتهم في جبهة اليمن ـ أقلّه إلى الآن ـ على المستوى الاستخباراتي.

إضافة إلى ذلك، وفي الوقت الذي بقي فيه الرئيس أوباما في السياق الفلسطيني يؤمن ـ من دون تحفظ ـ بنظرية الربط بين هذا العنصر وبين باقي العناصر والتحديات الأخرى، فإنه يواصل ـ في السياق الإيراني ـ مقاربته الارتكاز على غياب أيّ ربط بين البعد النووي وبين باقي النواحي في تصرفات طهران وسلوكها. وهكذا تواصل واشنطن هرولتها نحو الهدف المأمول والقريب اليوم أكثر من أي وقت آخر، ألا وهو اتفاق الإطار النووي مع نظام آية الله، وتغمض عينيها إزاء جهود طهران لتغيير معالم المنطقة. نراها مستعدة للتوقيع على اتفاق الإطار النووي وكأن إيران لا تواصل نشاطاتها الهجومية في صحارى اليمن وباقي نقاط المواجهة والانقسام في المنطقة، بما فيها العراق وسورية ولبنان ، وكأن دماء المقاتلين الأميركيين الـ241 الذين قتلوا في الانفجار المروّع الذي نفّذه حزب الله في مبنى المارينز في بيروت في 23 تشرين الأول 1983، لا تزال ـ إلى الآن ـ تستصرخ العدالة السماوية من باطن الأرض.

سيُثبت المستقبل القريب ما إذا كان البيت الأبيض سيستيقظ من أوهامه ويواجه بصورة مباشرة ونشيطة التحدّيات التي تقف أمامه، أو سيستمرّ في السير في موكب الحماقة والعمى والتنازل.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى