الشرق الأوسط الجديد ما بعد الاتفاق النووي
كتب المحرر السياسي
تسيطر جملة «الاتفاق ليس نهائياً ويجب الانتظار لحزيران» على تعليقات حلفاء واشنطن في المنطقة، لدى سؤالهم عن الاتفاق النووي الإيراني، ما يعني فوراً وحكماً، امتعاضاً وذهولاً ومفاجأة، بمعادلة لم تكن على البال، ولا في الحساب، أن تصبح إيران بعد شهور قليلة، في مشهد الحكَم والقاضي بدل المتهم، كأحد القضاة في محكمة دولية للبت في الصحّ والخطأ في المنطقة، تمنح العلامات للمتعاونين مع الحلول والتفاهمات، ومساعي الاستقرار، بعد أن كانت المتهم رقم واحد بزعزعة هذا الاستقرار، وأن تصير ثنائية أميركية ـ إيرانية هي التي تقرّر معادلات المنطقة، بينما حلفاء واشنطن جزء من تفاصيل المشهد.
حلفاء إيران يشعرون أنّ مصادر قوتهم قد تعاظمت، وأنّ مرحلة جديدة قد دخلت حيّز التنفيذ، وأنّ الشهور الثلاثة الفاصلة عن توقيع الاتفاق هي شهور الاستعداد لهذه المرحلة الجديدة بكلّ مفاعيلها.
المتغيّر الرئيسي الحاكم للشرق الأوسط الجديد بعد الاتفاق، شبيه لما كرّسه الاتفاق نفسه، فعندما تبيح الدولة الأهمّ في العالم، والأقوى والأشدّ التزاما بـ«إسرائيل»، لنفسها أن توقع اتفاقا مصيرياً ومفصلياً، يعامل دولة تضع ضمن أهدافها تدمير «إسرائيل»، بعلاقات طبيعية معيارها المصالح المشتركة، وحدود الاختلاف والاتفاق في المصالح الثنائية، فلن يكون بعد اليوم من يستطيع أن يفرض معادلة إقليمية في المنطقة، من منطلق أنّ أمن «إسرائيل» ومصلحة «إسرائيل» يقتضيان أمراً وبدون تلبيتهما، لن يكون هناك اتفاق، لو كانت هذه المعادلة حية لما أبصر اتفاق الإطار النور، ولا كان الاتفاق النهائي يملك الحظ بالولادة.
«إسرائيل» لا تخفي إدراكها لهذا المتغيّر الجيو ـ استراتيجي الذي يحمله الاتفاق، بينما يغرق الكثيرون في تفاصيل التفاهم التقنية، التي تتحوّل إلى مجرّد تفاصيل أمام هذا العنوان، ولذلك تضع «إسرائيل» ثقلها لتشكيل قوى ضغط داخل أميركا أملاً بوضع العراقيل أمام بلوغ مرحلة الاتفاق النهائي، ويضع الكثيرون فرضيات قيام «إسرائيل» بخطوات جنونية وهستيرية لفرض وقائع جديدة في المنطقة، وربما في أميركا نفسها، على قاعدة سقوط المحرّمات، طالما أنّ «إسرائيل» لم تعد من بين هذه المحرّمات في عين الآخرين، ولذلك يدعو بعض المتابعين لملف أمن المنطقة إلى الحذر من مغامرات «إسرائيلية» جنونية، ربما يكون الداخل الأميركي مسرحاً لبعضها الأمني، والمنطقة مسرحاً لبعضها العسكري.
السعودية الواقفة على المقلب الأخر الجغرافي والسياسي، في المنطقة، تعيش ذات الإحباط الذي تعيشه «إسرائيل»، رغم ارتباك إعلامها في تصوير الاتفاق استسلاما إيرانياً تارة، وانتصاراً لإيران وهزيمة وتخاذلاً من الجانب الأميركي تارة أخرى.
يدرك السعوديون أنّ وجودهم معلّقين بحبل مقطوع في منتصف بئر حرب اليمن، هو أول نتائج الاتفاق الأميركي ـ الإيراني الذي يشكل نواة التفاهم النووي، فليس بالأمر العادي، أن تتلقى السعودية صفعة بحجم إعلان واشنطن تفاهمها مع إيران بينما تخوض السعودية حرباً ضدّها.
لم تضع واشنطن في حسابها أن تقول لإيران كلمة من نوع، حسناً لقد اتفقنا، لكن ما لم يتمّ تطبيع العلاقة مع السعودية وإرضائها في الخليج فلن يكون هناك اتفاق، هذا الحدّ الأدنى الذي كانت تأمل السعودية أن يحصل، بعدما رفض طلبها بإضافتها إلى المفاوضين كممثل لدول المنطقة، وفقاً لمعادلة 5 + 2 بدلاً من 5 + 1، ولم تلق الاستجابة والحماسة اللتين توقعتهما من واشنطن، ولم ينفع غضبها ورفضها للمقعد في مجلس الأمن الدولي، تعبيراً عن هذا الغضب ومحاولة للفت نظر واشنطن، ولا نفعت الحرب على اليمن في إحراج واشنطن لعدم الاحتفال باتفاق مع إيران بينما السعودية تشنّ حربها تحت عنوان مواجهة النفوذ الإيراني.
لن تتأخر السعودية عن التنسيق مع «إسرائيل»، لتمويل حملات ضغط داخل واشنطن ضدّ الاتفاق، لكنها تعلم أنه كما تقرّرت مكانة «إسرائيل» بحسب قوتها المتلاشية، فمكانة السعودية يقررها حجم ما تظهره الحرب التي تخوضها من قدرة على فرض وقائع جديدة، والأمور لا تبدو مبشرة، فالأنباء من اليمن لا تحمل ما يفرح الرياض، مع مواصلة الثوار الحوثيين التوسّع في الجغرافيا اليمنية رغم الغارات الجوية المكثفة التي يشنّها الطيران السعودي، ومخاطر التورّط البري سواء بمناوشات حدودية سرعان ما تتحوّل إلى تبادل القصف الصاروخي على أعماق البلدين، لا تبدو في صالح السعودية التي ستجد مدنها وموانئها ومطاراتها مهدّدة للمرة الأولى منذ ولادتها كدولة حديثة، قبل قرن من الزمان، وكذلك يبدو التورّط بإنزالات على البرّ مجرّد مغامرات لا يمكن ضمان نتائجها، أمام ما تظهره الوقائع من مقدرة لدى الحوثيين الذين لم يعلنوا بعد بدء الردّ على الحرب التي تشنّ ضدّهم، ويكتفون بمواصلة التوسّع الجغرافي داخل المحافظات اليمنية.
ليس أمام السعودية سوى الاعتراف بأنّ حجماً جديداً لدورها، تفرضه المرحلة الجديدة وعليها تقبّل التسليم به، حجم يفرض عليها التواضع ونسيان كونها كانت حتى الأمس عنوان النظام الإقليمي الذي يدير المنطقة، وترتضي جوائز ترضية تحفظ لها ماء الوجه، بالشراكة مع إيران في رعاية طاولة حوار يمني، تعقد في مسقط، لصياغة تسوية بين اليمنيين تعيد بناء السلطة على قاعدة حكومة موقتة تشرف على انتخابات تنبثق منها السلطة الجديدة، والشرعية اليمنية التي لم يعد التمسك بمنصور هادي مقنعاً لأحد في تمثيلها.
بين السعودية التي تموّل وترعى، وواشنطن التي تصنع الخيارات الكبرى وترسم الخرائط، ضاعت قوى الرابع عشر من آذار، ففيما تبدو قبالتها قوى الثامن من آذار جزءاً من تحالف إقليمي دولي متماسك من روسيا إلى إيران وسورية، لا يعرف قادة الرابع عشر من آذار كيف سيتصرّفون تجاه ولائهم لواشنطن وتبعيتهم للرياض، المطلوب منهم سعودياً خلال الشهور الثلاثة هو فتح النار على الاتفاق النووي، لإيصال الرسالة الغاضبة إلى واشنطن، بالنيابة عن كلّ الحلفاء في المنطقة، وهم يخشون أن يتسلل إلى شغل مقعدهم في واشنطن، من يسارع إلى تقديم أوراق اعتماده كصديق يفهم المعادلات، وعينهم هنا على كلّ من العماد ميشال عون والنائب وليد جنبلاط، وعلى مخاطر خريطة جديدة تدخل على خط الاستحقاق الرئاسي، تشبه الخريطة التي أطاحت حكومة الرئيس سعد الحريري وجاءت بالرئيس نجيب ميقاتي، الذي يبدو ككثيرين من رجال الأعمال المهتمّين بالبوصلة أو البورصة الأميركية أكثر من اهتمامهم بعواصف الصحاري التي سرعان ما تتحوّل من عواصف حزم إلى عواصف حزم أمتعة وإيذان بالرحيل، أو عواصف حزن طويل.
بينما تنشط الديبلوماسية الأميركية لتسويق اتفاق لوزان النووي مع إيران، خيّمت أجواء تفاؤل في بيروت بأن ينتج من زيارة نائب وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن إلى بيروت غداً الأحد، انتخاب رئيس للجمهورية في وقت قريب.
وإذ أشارت مصادر مطلعة لـ«البناء» إلى وجود دفع أميركي في هذا الاتجاه، توقعت أن يجري البحث في انتخاب رئيس مقبول من جميع الأطراف.
لكن في المقابل، أكدت أوساط سياسية لـ«البناء» أنه «لن يكون هناك حديث أو بحث جدي في رئاسة الجمهورية في المدى المنظور، أقله خلال الأشهر الثلاثة المقبلة». واعتبرت «أن الزيارات الأميركية هي استطلاعية ولتعهد الولايات المتحدة بعدم تخليها عن فريق 14 آذار».
وفي الإطار عينه، أكد رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع بعد لقائه وعقيلته النائبة ستريدا جعجع، البطريرك الماروني بشارة الراعي في بكركي أمس «أن الاتفاق الأميركي الإيراني لا يقدم ولا يؤخر في الملف الرئاسي لأن الموضوع مرتبط بـ128 نائباً في المجلس النيابي وليس بفرنسا وأميركا وإيران». وأعلن أنه وضع البطريرك في أجواء الحوار مع التيار الوطني الحر، موضحاً أن لا توقعات بانتخاب رئيس قريباً.
الاتفاق يحرج 14 آذار
وفي هذا السياق، توقف مراقبون عند الاتفاق النووي الإيراني وانعكاسه على لبنان، لافتين إلى «أن إيران عرضت تسليح الجيش وإصلاح قطاع الكهرباء وتنشيط الاقتصاد اللبناني، إلا أن فريق 14 آذار تذرع حينها بالعقوبات ورفض الهبات الإيرانية». وأكدت «أن رفع العقوبات سيحرج الفريق المذكور، فإذا استمر على رفضه سيعقّد العلاقات الداخلية بين الأطراف،أما إذا تراجع عن رفضه، فإن دخول إيران إلى لبنان سياسياً واجتماعياً سيكون من الباب الرسمي». وشدد المراقبون على «أن لبنان هو إحدى الساحات الرئيسية في المنطقة التي تتلقى مفاعيل الاتفاق».
ورجحت مصادر مطلعة لـ«البناء» «فرضية استمرار الأوضاع في المنطقة على ما هي عليه إلى «أن يتبلور الملف النووي نهائياً في حزيران المقبل والانتقال من التفاهم النووي إلى الملفات الأخرى». ولفتت إلى «أن السعودية إذا أرادت أن تشاغب على هذا الاتفاق، فإنها سترفع منسوب التوتر، لكن بما أن الاتفاق دخل مرحلة الانعقاد، فإن فرص تهديده من قبل إسرائيل والسعودية ستبوء بالفشل».
من ناحيته، أكد وزير العمل سجعان قزي لـ« البناء» أن «من المبكر معرفة انعكاس هذا الاتفاق على لبنان، لأن هذا الاتفاق لم يصل إلى مرحلة الاتفاق النهائي، وأن مساحة كبيرة لا تزال تفصل بين حصول الاتفاق بين أميركا وإيران، وبين الانفراج في الملف الرئاسي». ولفت إلى «أن هذا لا يعني أن الأميركيين والإيرانيين سيتراجعون عن مسيرة الملف النووي، لكن اتفاق الإطار يعني أن الوصول إلى الاتفاق النهائي يتطلب التوافق على الملفات الشرق أوسطية، وهذا لم يبدأ بعد». وشدد على «أننا ننظر بإيجابية إلى هذا التفاهم لأن لا إيران يمكنها تجاهل الشرعية الدولية ولا أميركا يمكنها أن تتجاهل الدور الإيراني».
وتمنى قزي «أن ينسحب هذا التفاهم على الحالة اللبنانية مع أن الملفات الشرق أوسطية الأخرى لا تزال في الأولوية على حساب الملف اللبناني». وأشار إلى «أننا كنا نود أن يجد اللبنانيون حلاً لمشاكلهم وفي طليعتها أزمة الشغور الرئاسي بمنأى عن هذا الاتفاق الإقليمي». وتابع: «أخشى ما أخشاه أن يؤدي هذا الاتفاق على الملف النووي إلى تغييرات في كيانات دول المنطقة، لا تأخذ في الاعتبار المشاعر الاستقلالية، بل الغرائز الطائفية والعرقية».
وتوقع وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس لـ«البناء» «استرخاء إقليمياً ونزوعاً نحو الحوار على هامش الاتفاق النووي»، مشيراً إلى «أن لبنان سيستفيد من التأثيرات الإيجابية التي سيعكسها اتفاق لوزان».
الحاج حسن يرد على المشنوق
على صعيد آخر، رد وزير الصناعة حسين الحاج حسن، على ما ورد في كلام لوزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق أثناء مقابلة تلفزيونية أول من أمس عن خطاب الأمين العام لحزب الله خارج الجغرافيا والتاريخ. وقال الحاج حسن في تصريح: «لقد أصبح التاريخ والجغرافيا في لبنان والمنطقة كما الحاضر وكل من يستشرف المستقبل، شهوداً بالوقائع والإنجازات والانتصارات على صحة وصوابية الرؤية والمشروع الذي يقوده ويمثله سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، وكنا نفضل لو أن معاليه لم يتحدث بما هو خارج سياق التاريخ والجغرافيا والمسؤولية الوطنية عن كل اللبنانيين».
خطف سائقي شاحنات بين سورية والأردن
في غضون ذلك، برزت إلى الواجهة أزمة خطف جديدة تمثلت باحتجاز مجموعة إرهابية 10 سائقي شاحنات لبنانيين بين معبري نصيب وجابر الحدوديين بين سورية والأردن. وفور شيوع النبأ تسارعت الاتصالات على أكثر من جهة للإفراج عن المخطوفين، فيما أعلن رئيس نقابة مالكي الشاحنات العمومية نعيم صوايا أن الخاطفين يطالبون بفدية قيمتها خمسون ألف دولار مقابل الإفراج عن كل سائق.
توتر في عرسال وتشييع البزّال
أمنياً، استمر التوتر في بلدة عرسال بسبب استمرار احتجاز المواطن حسين سيف الدين الذي خطفه مسلحون سوريون من قلب البلدة ولم يتم تحريره بعد، فيما يواصل آل عزالدين احتجاز أكثر من 10 سوريين للمقايضة، بعد أن أطلقوا سراح نحو 40 كبادرة حسن نية.
وأشار رئيس بلدية عرسال علي الحجيري إلى أن «سيف الدين محتجز لدى فصيل متشدد في «داعش»، والمفاوضات مستمرة لتحريره وقد يتم ذلك في الساعات المقبلة ونأمل خيراً».
على صعيد آخر، شيّع في البزالية الشهيد الرقيب علي البزال. وحمّل والد البزال آل الحجيري عموماً والشيخ مصطفى الحجيري خصوصاً، مسؤولية ما حصل لنجله، داعياً الدولة إلى «تحمّل مسؤولياتها في هذا الإطار وإلا، فنحن نعرف كيف نأخذ حقنا بيدنا».