لغم السلسلة رئاسي فهل يتدارك عون الخطأ؟ حمص اليوم آمنة والنموذج ينتقل إلى حلب

التصعيد الدموي في أوكرانيا يؤكد صحة تحذيرات وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف، من أن الإصرار على تحكم غالبية ضئيلة بالأقليات باسم الديمقراطية سيؤدي للانفجار، وأن الحل الوحيد هو العودة للاستفتاء حول شكل الدولة الذي يشعر كل مكوناتها بالاطمئنان، وبالتوازي مع خطر متماد بالتورط أكثر فأكثر في الحرب الأهلية، بدا اللجوء للجيش من جانب حكومة كييف والتصعيد السياسي والإعلامي للغرب، تغطية للتصعيد الميداني لحكومة كييف وتشجيعاً لها على خيار الحرب الأهلية.

هذا الاستعصاء الروسي الأميركي المرشح للاستمرار أشهراً إضافية، يعني نشوء منطقة فراغ إستراتيجي في دائرة البحث عن تسويات، تبدو مستحيلة من دون سقف روسي أميركي، على رغم مواصلة التقدم في ملف التفاوض الغربي والأميركي خصوصاً مع إيران، وما يتركه من مؤثرات وتداعيات على سائر الملفات في المنطقة.

سورية التي لا تنتظر التسويات الكبرى، تسلك طريق الجمع بين الحسم العسكري والحسم الدستوري، بالجمع بين تقدم الجيش لتوفير الأمن للكتل السكانية الكبرى من سكان المدن، وبين الاستكمال اللازم للإجراءات الدستورية تمهيداً لإجراء الانتخابات الرئاسية بأعلى درجات الأمن الممكنة، فيما يتزاوج الحسم العسكري مع تعميم نموذج التسويات والمصالحات التي صارت حالة قائمة بذاتها، لها لجانها ومتطوعوها وتلقى ترحيباً أهلياً واسعاً باستعادة جزء وازن من شباب سورية نحو الاندماج بخيار الدولة والجيش عبر قوات الدفاع الوطني، التي تتلقى هذه الأعداد، وتقول المعلومات إن النموذج الواسع لتسوية حمص الذي شمل آلاف المسلحين، سيكون أكبر بكثير في حلب، وقد بدأت بشائره مع تبلور نجاح الجيش بفصل المدينة عن خطوط إمداد المجموعات المسلحة في الريف الحلبي.

عدم الوضوح في الخيارات والارتباك في التعامل مع القرارات الحاسمة يبدوان سمة مشتركة لواشنطن وحلفائها، في كل ما يتصل بملفات يفترض أنها تنتظر التسويات الكبرى ومن ضمنها الاستحقاق الرئاسي في لبنان.

لذلك تستمرّ جلسات الانتخاب كما جلسة الحوار المقرّرة في بعبدا بنوعين من الحضور يفقدانها نصاب القدرة على الإنجاز، فمن جهة حضور اللون الواحد الهادف لتسجيل الموقف، ومن جهة مقابلة حضور الرئيس بري حيث إثبات حيادية رئاسة المجلس وحفظ دورها الاحتياطي الضروري إلى زمن التسويات عندما يحين أوانه، وبين اللون الواحد ورفع العتب لا حوار ولا انتخابات.

التطور الوحيد الذي يبدو يسير بسرعة قد لا ينتظر زمن التسويات، هو الانفجار الناجم عن التقاط لغم سلسلة الرتب والرواتب من قبل فريق المصارف المعارض لتحمّل أي نسبة من تكاليف السلسلة، والذي نجح في تحريك غالبية نيابية قادرة على تجميد القرار الإيجابي للسير بالسلسلة.

منذ تشكيل اللجنة التي يُفترض أنها ستعيد درس تقرير لجنة المال والموازنة وتيار المستقبل وجمعية المصارف فرحون بنجاحهم في استقطاب التيار الوطني الحر ونوابه إلى صفهم، عكس ما كان قد أعده التيار عبر رئيس اللجنة النيابية للمال والموازنة النائب المعتكف إبراهيم كنعان.

فرح جمعية المصارف ناتج من توفير الكتلة اللازمة لتفادي الكأس المرة لتسديد المتوجبات التي يفترضها السير بالحزمة الضريبية التي نص عليها تقرير اللجنة، والتي تعيد المصارف متساوية في دفع ضريبة الدخل مع سائر الشركات والأفراد اللبنانيين، أما فرح تيار المستقبل فقد كشفت مصادر ذات صلة بالاستحقاق الرئاسي ومتابعيه أنه ناجم عن ما يوفره تجميد السلسلة من احتقان نقابي وشعبي سيأخذ البلد حكماً إلى انفجار اجتماعي في الشارع، يعبّر عن ذاته بإضرابات مفتوحة وتظاهرات ستنجح بحشد مئات الآلاف من أصحاب المصلحة، وما يرافقها من اعتصامات واحتلال لمراكز حكومية واهتزازات أمنية، ربما تمنع الانتظار إلى حين نضج التسويات السياسية الإقليمية والدولية التي قد تفتح الباب لوصول العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية، وتفرض مقاربة أسرع لملف الأمن والاستقرار يحمل معه فرصة للعماد جان قهوجي، وبصورة أقلّ للوزير جان عبيد.

الأوساط النقابية في التيار الوطني الحر التي تتابع الشأن النقابي تتابع الأمر عن كثب وتترقب مؤشرات الحركة النقابية، ليصير السؤال هل يدفع هذا المتغيّر العماد عون إلى التراجع عن تصويته مع التأجيل الذي سيطول في إقرار السلسلة، ليعود إلى سربه الآذاري في الثامن وليس الرابع عشر اجتماعياً، ويعود عبره النائب إبراهيم كنعان إلى سربه النيابي كعنوان لدور تياره الوطني الحر في مقاربة ملف السلسلة، فيقطع الطريق على ضحكة زرقاء تنتظر التيار من حيث لا ينتظر؟

الاستحقاق الرئاسي يدخل «العناية الفائقة»

ووسط هذه الأجواء، يبدو أن الاستحقاق الرئاسي دخل في مرحلة العناية الفائقة في أقل من 20 يوماً على انتهاء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس للجمهورية، بينما لا مؤشرات داخلية أو خارجية جدية توحي بإمكان حصول توافق بين الكتل النيابية حول شخص الرئيس العتيد يمهد الطريق لإخراج هذا التوافق في جلسة نيابية عامة قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان.

وفي ما يبدو الحراك الداخلي يدور في الحلقة الفارغة في ضوء عدم وصول الحوار بين العماد ميشال عون ورئيس تيار «المستقبل» سعد الحريري على نتائج يخرج «المستقبل» من دائرة المناورة وتضييع الوقت التي يمارسها بانتظار كلمة «السر» السعودية التي لا يبدو أن أوانها في وقت قريب.

حَراك غربي يناقض التوافق

وإذا كان لافتاً ما حصل ويحصل من حَراك أميركي ـ فرنسي وحتى سعودي في شأن الاستحقاق الرئاسي من خلال عودة السفير السعودي علي عواض عسيري إلى بيروت والمعلومات التي تتحدث عن مغادرة السفير الأميركي في لبنان دايفيد هِل أول من أمس إلى الرياض للتباحث مع المسؤولين هناك في الملف الرئاسي، بالإضافة إلى الاتصالات الفرنسية مع عدد من الأطراف اللبنانية فإن كل هذه الاتصالات بحسب مصادر سياسية واسعة الاطلاع لم تفضِ حتى الآن إلى أي مقاربات جدية بخصوص انتخابات رئاسة الجمهورية، لا بل إن هذه الاتصالات الغربية لا تزال تنظر إلى الاستحقاق الرئاسي من نفس مقاربة فريق 14 آذار والدليل على ذلك ما كان أعلنه السفير الأميركي من أن بلاده تطمح لرئيس للجمهورية في لبنان يلتزم بالشراكة مع بلاده في القضايا الإقليمية.

بري قلق وسيرجئ جلسة الأربعاء

وكذلك تلاحظ المصادر أن لا شيء يوحي بإمكان الوصول إلى توافق حول شخصية مقبولة من أكثرية اللبنانيين قبل 25 الجاري. وهذه الأجواء بدأت تقلق الكثير من القيادات، وهو الأمر الذي عبّر عنه رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي أبدى تخوفه من شغور الكرسي الرئاسي.

انطلاقاً من كل ذلك فكل الدلائل والمؤشرات تدل حتى الآن على أن البلاد ذاهبة إلى الفراغ الرئاسي في ظل المراوحة وعدم وجود أية مخارج لمعضلة الاستحقاق الرئاسي فإن الأمور ما زالت على حالها، بالتالي من المنتظر أن يرجئ الرئيس بري الجلسة المقررة يوم الأربعاء لانتخاب رئيس للجمهورية إلى موعد آخر كما فعل في الجلسة السابقة بسبب عدم اكتمال النصاب، وقد أبلغ زواره، أمس بأن ليس لديه جديد في شأن الاستحقاق الرئاسي.

وحول ما سيفعله يوم الأربعاء اكتفى بالقول «لنشوف».

الجميل منزعج من استمرار جعجع بترشيحه

وفي ما يبدو واضحاً أن إصرار تيار «المستقبل» على التمسك بدعم سمير جعجع في الانتخابات الرئاسية، حتى ولو أدى ذلك إلى تطيير إمكانية انتخاب الرئيس ضمن المهلة الدستورية، فالواضح بحسب مصادر عليمة أن رئيس الكتائب أمين الجميل يحاذر إعلان ترشحه حتى لا يصطدم بحلفائه في تيار «المستقبل» و»القوات اللبنانية» مع استمرار تبني الطرفين الأخيرين لترشيح جعجع، وأشارت المعلومات إلى أن الجميل ممتعض من عجز «المستقبل» عن إقناع جعجع في الانسحاب من الترشيح بعد أن اتضح أن ذلك غير قابل للصرف الفعلي في الجلسات النيابية.

ولوحظ أن الجميل الذي أعلن أن ترشحه أمر طبيعي غمز، من قناة جعجع بالقول: «إن الفيتو على الأسماء تجعل انتخاب بعض المرشحين مستحيلاً وسيؤدي هذا التعطيل إلى تعطيل نصاب الجلسة الانتخابية». ولاحظ أن جلسة الأربعاء «ستكون حاسمة لجهة إعادة النظر بالمعركة… وخلط الأوراق».

سلسلة الرتب إلى الواجهة مجدداً

وفي الشأن الحياتي والمطلبي، ينتظر أن تعود هيئة التنسيق النقابية إلى تصعيد تحركها في الشارع هذا الأسبوع رفضاً للمماطلة في إقرار سلسلة الرتب والرواتب وما يمارسه فريق 14 آذار من محاولات لإجهاض حقوق المعلمين والموظفين والعسكريين.

تساؤلات حول مضمون تقرير اللجنة النيابية

وفيما توعد رئيس هيئة التنسيق حنا غريب أمس بالنزول إلى الشارع مجدداً هذا الأسبوع، يُتوقع أن ترفع اللجنة النيابية التي كانت انتهت إليه الجلسة العامة قبل حوالى ثلاثة أسابيع إلى الرئيس بري تقريرها اليوم. في حين كان على اللجنة أن تنهي عملها في 29 نيسان المنصرم كما جرى التعهد أمام المجلس النيابي.

ومساء أمس قال الرئيس بري أمام زواره إنه ما زال ينتظر التقرير وعندما يصلني سأتخذ القرار المناسب لكن القرار في النهاية يعود إلى مجلس النواب.

وقالت مصادر نيابية إن مجلس النواب قادر على الاجتماع في أي لحظة بعد أن يتسلم الرئيس بري التقرير حتى خلال الفترة الممتدة من 15 الجاري إلى 25 منه لأن رئيس المجلس استخدم حقه بالدعوة إلى جلسات انتخاب متتالية.

ورجحت المصادر حصول «كباش» داخل مجلس النواب حول مضمون التقرير الذي أعدته اللجنة النيابية نظراً للتعديلات الأساسية التي أدخلتها على أرقام السلسلة، خصوصاً ما يتعلق بالدرجات للمعلمين والتخفيضات في الزيادات التي كانت أقرتها اللجان النيابية، وكذلك حول اقتراح اللجنة النيابية رفع ضريبة القيمة المضافة على كل الفئات بما في ذلك أصحاب الدخل المحدود إلى 12 في المئة، بدل حصرها ببعض المواد الكمالية.

ومن المتوقع أن يستثير رفع الضريبة على القيمة المضافة إلى 12 في المئة حملة استنكار ورفض واسعة من الهيئات النقابية والعمالية، خصوصاً من جانب هيئة التنسيق والاتحاد العمالي العام.

حوار بعبدا اليوم يتحول إلى «جلسة مشاورات»

في مجال آخر، من المتوقع أن تلتئم طاولة الحوار الوطني في بعبدا قبل ظهر اليوم «بمن حضر» على غرار ما حصل في الجلسة السابقة التي تغيّب عنها كل من حزب والله والحزب السوري القومي الاجتماعي وتيار المردة والحزب الديمقراطي بالإضافة إلى رئيس «القوات» سمير جعجع.

وأوضحت مصادر بعبدا مساء أمس لـ»البناء» أن الجلسة قائمة وهي ستنعقد اليوم، مشيرة إلى أن الجلسة المخصصة لبحث الاستراتيجية الدفاعية يمكن أن تبحث في القضايا الداخلية الراهنة وهذا الأمر يتوقف على إرادة الحاضرين.

ورجحت أوساط مطلعة أن تتحول الجلسة إلى ما يشبه «جلسة مشاورات بين القادة الحضور» لتتناول بعض الاستحقاقات الداهمة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى