الطريق إلى الشمس

جمال العفلق

عنوانٌ لعمل مسرحيّ، يشارك فيه أكثر من مئة وخمسين فنانة وفنان ـ سيقدّم على مسرح دار الأوبرا في دمشق مع بداية الشهر الخامس من 2015.

ممدوح الأطرش، مخرج العمل، هو كاتب ومخرج وممثل مسرحي، اختار سلاحه الفني ليقدّم رؤيتة الخاصة، وبصحبته العاملون معه في هذا العمل، الذي يحاكي الواقع السوري اليوم، ويرجع إلى مراحل تاريخية ومِحن عاشها الشعب السوري، ربما كانت أشدّ قسوة من هذه الحرب. ويخرج من حالة الحرب إلى حالة النصر المحقق، معتمداً على عقيدة السوريين في عشق وطنهم سورية.

ولأنّ الفن والمسرح حالة مختلفة في زمن الحرب، قرّر المخرج المسرحي ممدوح الأطرش أن يقاتل بسلاحة النوعي وهو الفن كما يقول عنه ويصفه، لأنه مؤمن أن الرسائل الإنسانية يمكن أن تصل إلى الجميع، وتفتح أفقاً مختلفاً في الحوار العقلاني الذي يحاكي ضرورة البقاء للجميع، وتحت سقف الوطن بعيداً عن خدمة من لا يهمّهم إلا تدمير الأوطان، وبعيداً عن مصالح الدول التي تعمل على تفتيت الشعوب. فالفن رسالة يمكنها أن توصل أفكار الناس وهمومهم، وهو رسالة ترصد واقع الفئة الأكثر تضرّراً من عامة الناس، من دون الدخول في سجالات لا طائل منها. وهو بهذا، يرسل رسالة إلى شعوب العالم المؤمنة بحق الحياة، مقدّماً الصورة الحقيقية للواقع.

وما يميّز المشاركين في هذا العمل، أنهم سوريون ومن كامل الجغرافيا السورية. فالعمل يضمّ طاقماً كبيراً من خلال الفكرة والنصّ، ويجسّد الواقع السوري بطريقة فنية وتاريخية.

يرصد العمل الاعتداءات على سورية عبر التاريخ، كما يرصد مراحل مهمة في التاريخ السوري، إذ كان الخطاب حينذاك خطاباً وطنياً لا لبس فيه. في مرحلة كان المستعمر يدفع السوريين باتجاه التقسيم وهم يقاتلون من أجل الوحدة تحت راية الوطن السوري الواحد.

فكرة العمل للإعلامية مزنة الأطرش، والموسيقى والألحان للمتميّز دائماً طاهر مامللي، أما السياق الدرامي والأشعار فلكفاح الخوص. إضافةً إلى طاقم سوري متميّز يعمل على تصميم اللوحات الراقصة.

ما يريده الفنانون هؤلاء، أن يوجّهوا رسالةً للعالم مفادها أنّ السوريين لا يعرفون الهزيمة. وأنّ العطاء لديهم لا يتوقف. ولا يمكن لطيور الظلام أن تكمّ أصواتهم وتمنع عنهم الحياة.

إنه مسرح الحرب، تكون النظرة إليه مختلفة، لأنه يقدّم في وقت استثنائيّ وظرف دقيق، وعلى وقع قذائف «الهاون» الغادرة ورصاصات القناصين على نواصي مداخل دمشق، يتم التدريب على العمل من دون توقف، ويغامر شباب بعمر الورود للوصول إلى مكان التدريب، على رغم قسوة الرحلة اليومية، وعلى رغم مخاطر الطريق التي تتهدّد أرواحهم في كل لحظة. وما يميّزهم، أنهم قرّروا البقاء ولم يغادروا. فرسالتهم إنسانية ومختلفة عن كل الرسائل، وسلاحهم لا يقلّ أهمية عن بندقية تقاتل العدوان والأعداء وتدافع عن الوطن. وهم ليسوا كغيرهم من مشاهير الفن الذين أداروا ظهورهم لوطنهم، وهربوا إلى عواصم أخرى باحثين عن مجد الإضاءة، تاركين وطناً مجروحاً أعطاهم ولم يأخذ منهم.

«الطريق إلى الشمس»، مسرحية غنائية تعود بالمسرح السوري من جديد وبقوّة بعد غياب طويل. ولكنه يعود في زمن تحتاج الناس إلى بارقة أمل تقدَّم بعيداً من التحليلات والمقالات ونشرات الأخبار، فتصل إلى وجدان المشاهد لأنها بالأصل نابعة منه ومن رغباته في العيش الكريم، على رغم الحصار الظالم.

ختاماً، يستحق المقاتلون هؤلاء وسلاحهم القلم والموسيقى وقصيدة شعر كُتبت لدماء الشهداء، أن ندعم خطوتهم الجريئة للوصل معاً إلى الشمس، شمس دمشق العاصمة، شمس سورية التاريخ الحضاري والإنساني بكل التفاصيل وأدقها. فلا خوف على وطن فيه مسرح وفيه من يفكر بعزف الموسيقى، على رغم كل المنغّصات. فتحية لهم في زمن الشتائم وزمن الانفصال عن الواقع الذي تعيشه حكومات وشعوب عربية سجدت لأعدائها، وهي تدّعي السجود لله.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى