بين لوزان وشرم الشيخ…
شهناز صبحي فاكوش
… وصعد الدخان الأبيض من لوزان، حيث اقتطعت المفاوضات بين إيران وأميركا والـ5 +1، من الزمن ألف ساعة في 16 جلسة، من أجل التوصل إلى اتفاق حول ملفها النووي.
تطلب إيران رفع جميع العقوبات التي تؤثر على الشعب… المالية التي جمّدت أموالها، والاقتصادية التي اضطرتها إلى التعامل مع الواقع والاعتماد على الذات. كما أيّ عقوبة على أيّ شعب…
خمسون عاماً من الحصار على كوبا… والنتيجة الرضوخ لإرادة الشعب… واليوم حصار وعقوبات على سورية… والصمود يزداد والإرادة أقوى.
كانت المفاوضات طويلة وصعبة ومعقدة، هذا ما وصف به الأميركان المحادثات. لكنها جاءت بنتائج أقلّ ما يُقال عنها إنها إيجابية، أسعدت الشعب الإيراني، واعترفت بحق إيران في أن تكون دولة نووية وذات ثقل إقليمي وعالمي.
العقوبات الاقتصادية يهتمّ مجلس الأمن برفعها كما أوقعها على طهران، وقد تظلّ عالقة العقوبات المتعلقة بالتقنيات النووية…
محاولات فاشلة لزجّ قضايا إقليمية وفتح ملفات سياسية، راوغت فيها أميركا كعادتها دائماً، لتكون ورقة ضغط على إيران، تجعلها تدفع الأخيرة أثماناً وتقدّم تنازلات، حلم كيري الذي قاد وفده الأميركي الحصول عليها… أقلها التحالف معها أو التبعية، وهو يحك أنفه أملاً في الوصول إلى مآربه.
إيران أذكى من الثعلب كيري والدول الغربية، فتصدّت بديبلوماسية دمثة لعدم إدراج أيّ ملف إقليمي أو التطرّق لأيّ مسألة سياسية… وأصبح الحديث عنها هامشياً.
إيران تتعامل بالندية مع الدول الكبرى، وهي تفصل استقلال قرارها السياسي مع حلفائها عن ملفها النووي.
في ذات الوقت الذي كانت تفاوض فيه أميركا إيران، كانت تحرك أعوانها في المنطقة لإشعالها أكثر مما هي فيه.
الأول تحرك الطائرات السعودية ويقود معظمها طيارون أميركان، وفيهم «إسرائيليون» لضرب اليمن، بحجة ضرب الحوثيين وهي تضرب أيضاً مخيمات يمنية، والحصيلة قتل مدنيين لا ذنب لهم.
الثاني تحريك تركيا لتضع كلّ مقدراتها لصالح «داعش» وتحدّد لهم زمناً لاجتياح إدلب مهدّدة بقطع المساعدات، وكان أن ساعدت «داعش» برعاعها لتنفذ الأمر والمهمة.
الثالث انعقاد ما يدعى بالقمة العربية في شرم الشيخ للموافقة على ضرب اليمن، وقرار تشكيل ما أسموه بالقوة العربية المشتركة، لإعطاء الغطاء لمصر بالتدخل في ليبيا كما حين قامت بضرب المسلحين… وضرب الطائرات الأردنية لـ«داعش» في سورية.
ما تريده أميركا هو ضرب العرب للعرب على أساس محاربة الإرهاب دون التنسيق مع الدولة صاحبة الأرض…
حاولت أميركا استفزاز إيران لتتدخل في العراق، بعد أن فشلت عمليتهم الإعلامية في أنّ فصائل إيرانية تحارب في العراق. وأثقلوا القصف على اليمن مروّجين أنّ إيران تساعد الحوثيّين، مروّعين بعضاً من الشعب من الجار الإيراني.
حاول بعض الأميركان في الوفد عرقلة الملف النووي، أو نسفه تماماً… وأعلنت تركيا أنها تدعم التدخل العربي في اليمن… بتوجيه أميركي ما دعا إيران إلى استدعاء القنصل التركي.
أما ما سُمّي بالقوة العربية المشتركة لحفظ الأمن العربي، ومصر جزء منها وهي مقترحها، نجد تركيا داعمة لها رغم خلافها الشديد مع مصر.
قرار شرم الشيخ لم يوضح أنّ الأمن العربي يكون في مواجهة من؟ حيث لم يتطرّق أحد بأيّ كلمة لمواجهة «إسرائيل»، بينما كيل الاتهامات كان ينصبّ على المقاومين العرب وحلفائهم… حتى أصبح الصديق عدواً والكيان الصهيوني صديقاً.
كيف لا ومعاهدات الخذلان تربط الأردن بـ«وادي عربة» ومصر بـ«كامب دايفيد» وبعض الفصائل الفلسطينية بـ«أوسلو»…
إلى أيّ منحدر تهوي الأمة العربية… الخليج الذي يتعامل اليوم بازدواجية المعايير كما ما يدعى بالجامعة العربية، حول شرعية الدولة في سورية واليمن. وبين الجماعات المسلحة وتلك المقاومة… والخلط بين الصديق والعدو.
سترتدّ كلّ الأمور عليه، ويفقد مقوّماته كدول قادرة على حراسة بترولها المودع لديها ومفاتيحه بيد أميركا. التي تملأ قواعدها وكذا الغربية الأراضي الخليجية.
ما يجعل اليد الطولى لهم ليس على الأرض فقط بل وفي اتخاذ القرار عنهم. ويفضي في النهاية إلى ضرورة فرض الوصاية عليها… ببساطة لأنها ستعتبر أنها وصلت إلى مرحلة الدول الفاشلة… حيث لا مقومات تمنحها الصمود والثبات.
ما يسعد الكيان الصهيوني اليوم استعار الاقتتال العربي العربي. وهي تسعى الآن إلى دعم أيّ خلاف بينيّ، وتغذيَِةِ أيّ نعرة طائفية. بل وتشجع مع أميركا لرسم الشرق الأوسط الجديد، على أساي ديني وطائفي ما يسهّل وصولها إلى «الدولة اليهودية»، فتكون هي الأكبر وجوارها دويلات مذهبية وطائفية صغيرة، فتصبح بذلك جزءاً طبيعياً من جغرافية المنطقة بل والمرجعية الأكبر فيها…
لن ييأس سعي الكيان الصهيوني وتحرك نتنياهو ضدّ الاتفاق النووي الإيراني، وتحريك الجمهوريين في الكونغرس الأميركي، لمنع التوقيع النهائي في حزيران.
كما حاول وزير الشؤون الاستراتيجية الصهيوني، يوفال شتانيتش، التقليل من أهمية الاتفاق، بقوله إنّ الابتسامات في لوزان بعيدة عن الواقع البائس.
التحالف السعودي الذي يضرب اليمن اليوم و«المشرعن» في اجتماع شرم الشيخ، ضربة في الصميم العربي، والسعي اليوم إلى مجلس الأمن ليس إلا بحثاً عن شرعية مفقودة، تبريراً لفتح أبواب السجون اليمنية ليخرج أعتى عتاة «القاعدة».
في لوزان تنال إيران بعضاً من حقوقها ومكانتها وهيبتها… ومن شرم الشيخ يفقد العرب مكانتهم وهم يقتلون بعضهم بعضاً، ويفقدون مكانتهم مما أضحك الكثير منهم. وصولاً إلى فقدانهم لهيبتهم حتى أمام شعوبهم.
أليس من استفاقة…. أليس من رشيد؟