لماذا شارك العراقيون بحماسة في الانتخابات؟

حميدي العبدالله

أعلنت المفوضية العامة للانتخابات في العراق بشكل رسمي أنّ نسبة المشاركة في الانتخابات تجاوزت 72 في المئة. وبديهي أنّ هذه نسبة مرتفعة جداً إذا أخذت في الاعتبار العوامل الآتية:

ـ وجود اضطراب أمني حاد، وسيطرة المسلحين على مناطق واسعة في المحافظات الواقعة غرب العراق، لا سيما محافظة الأنبار، ومن الطبيعي أن يؤدي هذا الاضطراب الأمني، وتحديداً سيطرة المسلحين في بعض المناطق على حرية المواطنين في هذه المناطق لجهة المشاركة في الانتخابات.

ـ فشل تجارب الانتخابات السابقة في إحداث تغيير نوعي في حياة غالبية سكان العراق، الذين ظلوا يشكون من الانفلات الأمني، وعجز الدولة عن توفير الحماية لهم، وانتشار الفساد، وفشل مؤسسات الدولة.

في ضوء ما تقدم كان يتوقع الكثيرون أن يؤدي ذلك إلى عزوف شعبي واسع عن المشاركة في الانتخابات، ولكن جاءت النتيجة معاكسة تماماً لهذه التوقعات، فنسبة المشاركة بلغت أعلى مستوى من أي دولة عربية أخرى أجريت فيها الانتخابات في فترة ما بات يعرف بالربيع العربي، بما في ذلك مصر وتونس، حيث لم تصل نسبة المشاركة في الانتخابات إلى ما وصلت إليه في العراق حتى في الأشهر الأولى التي أعقبت اندلاع «الثورات» عندما كانت القوى التي شاركت في الحراك على وفاق في ما بينها، وانخرطت جميعها في الانتخابات ودعت أنصارها إلى المشاركة فيها.

هذا التحول المهم في مزاج الشعب العراقي، أي الإقبال الكبير على المشاركة في الانتخابات، إلى ماذا يعزى؟ وما هي الأسباب التي تفسره؟

هناك عاملان حاسمان كان لهما دور كبير في ارتفاع نسبة الإقبال على المشاركة في الانتخابات:

ـ العامل الأول، يكمن في حقيقة أن هذه أول انتخابات تعددية في العراق أجريت بعد جلاء الاحتلال الأميركي الغربي عنه بعد سقوط بغداد في 9 نيسان 2003. الانتخابات السابقة كانت تجرى تحت سيطرة الاحتلال، وكان من الطبيعي أن تقاطع هذه الانتخابات الغالبية الساحقة من العراقيين، أولاً احتجاجاً على الاحتلال وسيطرته على العراق، والمقاطعة هي ممارسة شكل من أشكال المقاومة السياسية ضده دعماً للمقاومة العسكرية، وثانياً، القناعة لدى الغالبية بأن نتائج الانتخابات قد حددت سلفاً من قبل قوات الاحتلال التي سوف تمارس كل القيود والضغوط المتاحة لتوجيه الناخبين الوجهة التي تخدم مصالحها وتكرس بقاءها، وتساعد على وصول الذين ترضى عنهم إلى سدة المسؤولية. ولهذا كان من الطبيعي أن تكون نسبة المشاركة في الانتخابات نسبة متدنية، ولو حصل العكس لما كان الأمر طبيعياً.

ـ العامل الثاني، الشعب العراقي بات على قناعة بأن التركيبة البرلمانية- الحكومية الحالية هي من مخلفات الاحتلال، وقد هندس الاحتلال توازناتها، وكانت هذه التركيبة منفذة وصاياه، إن لجهة الشلل الذي طبع عمل مؤسسات الدولة، أو لجهة الفشل في تحسين الوضع الأمني ومكافحة الفساد، وتحسين حياة المواطنين، ولهذا شاركت هذه المرة الغالبية على أمل أن تؤدي هذه المشاركة إلى بناء دولة وأجهزة حكومية قوية تلفظ عملاء الاحتلال الأميركيين والمرتبطين به من صفوفها، وقادرة على مكافحة الفساد، وتنمية العراق، وتلبية احتياجات المواطنين، وتوفير الأمن والاستقرار بعد توجيه ضربات قاصمة للإرهابيين وتطهير البلاد من رجسهم، واستعادة وحدة العراق على أسس وطنية وليس طائفية أو عرقية كما أراد الاحتلال عبر الدستور الذي فرضه على العراقيين في السابق الحاكم الأميركي بول بريمر سيء الصيت والسمعة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى