قراءة في البنية الذهنية: محاولة لفهم ما جرى في اليمن … ما أشبه اليوم بالأمس!
أبو بكر صالح حميد ـ عدن
بالأمس لبسنا رداء الاشتراكية العلمية، أو زعمنا ذلك، وملأنا الارض صخباً وشغلنا الناس! بينما لم نقف مع ذاتنا واعتقاداتنا الموروثة و«مذاهبنا العصبية» وانتماءاتنا القبلية؟ او حتى أخذنا وقتاً للتفكير في ما نزعمه من اعتقاد نهج جديد لبناء دولة عصرية تلبي حاجات الإنسان وتحقق له البناء الاجتماعي والثقافي والفكري وتساهم في تحريره من ربقة مخلفات المستعمر وموروثه المتخلف!
من سخريات القدر أن من دخل على ذلك الخط الجديد هم ممن تعود تركيباتهم النفسية والعقلية الى أصل ذلك الموروث المراد التحرر منه والخروج من تحت عباءته البالية ولم يتأخروا في ركوب تلك الموجة أو الصرعة بل تحوّل بعضهم بين ليلة وضحاها الى منظرين وجهابذة النظرية الماركسية-اللينينية بامتياز! بل ادعوا اكتشافهم أسساً لم يكتشفها أو يتطرق إليها ماركس ولينين وإنغلز!
كان المجتمع ساكتاً لا يحرك ساكناً وقابعاً، راضياً بسلبية مواقفه، مدعياً ما لا يمت إلى ادعاءاته بأي صلة أساساً، وكان لا بد له من أن يتجرع كأس المرارة راضياً أو مجبراً عليه! خاصة وقد ارتضى بذلك الذل الذي حل عليه ولزم الصمت تارة واللامبالاة تارة أخرى! زاعماً أن كل شيء فُرض عليه، متناساً أن الزعم نفسه كان يعيشه قبل الاستقلال من المستعمر البريطاني، لكنه تجاهله أو أبى أن يتعرّف عليه.
لو أمعنا النظر الى تلك الفترة لوجدنا أن من حملوا لواء تصحيح الثورة وتحقيق أهدافها مثلما زعموا هم من الذين كانوا يمارسون السياسة الاستعمارية ويوالونها ولاء لا غبار فيه! وكل ما قاموا به هو تحويل البوصلة وتماهوا مع ذلك المستجد بعدما تيقنوا بما لا يدع مجالاً للشك من أن المستعمر قرر من غير رجعة الخروج من البلاد وتركها لأهلها، وهكذا ارتضوا، ان لم يكن اعتقدوا، أنه لا بد لهم من تغيير عباءتهم القديمة ولا ضير في لبس العباءة الجديدة كي لا يفوتهم القطار الغاية تبرر الوسيلة فهل ما يحدث اليوم هو ما حدث بالأمس؟ ما أشبه الليلة بالبارحة؟
لو عدنا الى الخوض في ذلك المسلك ففثمة حوادث ومآسٍ وقعت وكان الشعب في منأى عنها ليس بفرض عليه إنما بمواقف وتخاذل أثرها حتى انعكست عليه، بدءاً بعهد الزعيم الراحل قحطان الشعبي ومروراً بسالم ربيع علي وختاماً بمأساة يناير 1986 وانعكاساتها ومدى تأثيرها في المديين القصير والطويل، وكان من نتائجها الكارثية والخاطئة اتباع تلك السياسات العاطفية الخاطئة والمتهورة التي أوصلت الجنوب الى ما هو عليه من بؤس وآلام وقهر يفوق الوصف؟ حيث كان للأحقاد نصيب الأسد ولم يلمس الإنسان العادي أي محاولات تسجل لوضع معالجات ثقافية واجتماعية ونفسية طويلة المدى تحد من حالات التشظي التي بقيت حبيسة الذاكرة الجمعية لأبناء الجنوب قاطبة واستثمرها الطابور الخامس الذي ظل يستغفلهم سنوات طويلة تارة باسم الماركسية والاشتراكية وتارة باسم العروبة والوحدة العربية والقومية، الــخ، من دون أن يذوق نصيبه من لهيب تلك النيران الحارقة وسعيها القاتل الذي أودى بثُلة من خيرة أبناء الوطن ورجاله الأوفياء؟
إذا كان لأبناء الجنوب المحتل ترجمة مبدأ التصالح والتسامح فلا بد من أإن تطوى صفحة الماضي كاملة وأول ترجمة لتطبيق هذا الفعل هو إخراج الأصنام التي لا تزال تسعى لتستأثر بقراراته المصيرية كي تعود الى سدة الحكم مرة تحت ذرائع وشعارات زائفة لا تنم إلا عن استرجاع ذاكرة جنوبية مثقلة بالجروح والآلام والمآسي التي لا تبارح عقلياتهم المريضة، إنما لا بد من جملة تضحيات أولها التخلي عن الموالاة لهذا الفريق أو ذاك من التي أفرزتها لنا حوادث يناير وكانت ويل ولعنة لم تعط الحراك السلمي في الجنوب ذاك البعد المطلوب له ليتمكن من ترجمة طموحاته ومطالبة المشروعة على أرض الواقع، فهم من يكبل تلك التطلعات ويشكل العقبة الكأداء في طريق تحرّره الكامل والمنجز وهم الذين يتسببون بذلك التأخير كله، وهم المعرقل الأساسي، ناهيك عن عراقيل أخرى تتمثل في أبناء الجنوب المنضوين تحت نظام حكم الاحتلال اليمني المستبدّ والمتخلف؟
إحدى آفاتنا ظاهرة الارتزاق، إذ تحفل بها مجتمعاتنا العربية من الخليج الى المحيط، ولا يعتقد كاتب السطور بأن التخلص منها مسالة آنية. تنبع المخاوف وتنعدم الثقة ولا تتبدد الشكوك، وهذه من العراقيل التي تعترض مسيرتنا السلمية التواقة إلى نسائم الحرية والتحرر. وفي هذه الآفة الاجتماعية والأخلاقية تحتاج الى وقفة طويلة عميقة تخلص الى نتائج إيجابية من شأنها إحداث تحولات عميقة في بنية مجتمعنا الجنوبي وترسيــخ هويته التي دأب نظام الاحتلال السعي إلى طمسها ومحوها مثلما يفعل كيان الاحتلال الصهيوني في فلسطين في سعيه المستميت إلى تهويد القدس وفلسطين برمتها!