«الديمقراطية المستعربة» وشريعة الغاب
شبلي بدر
للوهلة الأولى يخالجك شعور تعجز عن توصيفه، لأنك لا تجد مثيلاً له في التاريخ، عندما تسمع أن جامعة الدول العربية رعت قمة غير مسبوقة، قرر المجتمعون فيها مهاجمة دولة عربية، فقط لأن مكوناتها الشعبية تدافع عن حقها ويطالب المتظاهرون فيها بتطبيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية ورفض الهيمنة على مقدراتها من بعض المجاورين لها ومن يقف وراءهم أو من يحرضهم على ذلك!
فعلى مدى يزيد على ستة عقود ومسألة فلسطين حاضرة في ذاكرة غالبية الشعوب العربية، بمعزل عن حكامها، وعن جامعة لم تجتمع يوماً على نصرتها في شكل جدي وعزم صحيح، ولأنها مسألة مركزية بامتياز، كانت وما زالت بوصلة الصراع مع العدو الإسرائيلي على المستوى الجماهيري، والأحزاب المقاومة، ومغيبة عن سابق تصميم عند المستعربين الذين يدعون الديمقراطية والحرية والعدالة، ويسوقون شعوبهم كالأغنام لا كبشر لهم الحق في الحياة الكريمة والحرية المصانة بدستور وقوانين يحتكم إليها العالم المتحضر.
الدول التي اجتمعت تحت مظلة الجامعة العربية واتخذت القرار المشؤوم بمهاجمة دولة عضو في الجامعة نفسها، معروفة خلفياتها ومن يقف وراءها ومن يموّلها ومن يخطّط لمثل تلك المواقف المخجلة، بعضها لا يطبق شرعة حقوق الإنسان، بل يمارس القهر والظلم والتعسف بحق من يخالف رأي حاكمها أو أميرها أو ولي الأمر فيها، يمنعون المرأة من قيادة السيارة باسم الشريعة أو الدين ، وهم أبعد ما يكونون عن الشريعة والدين الصحيح. باسم الدين يستبيحون كرامات المواطنين، يعتقلونهم بوشايات مغرضة، ويفبركون لهم التهم التي تكم أفواههم وغالباً ما يتخلصون منهم بأساليب قذرة، يمولون جحافل التكفيريين ويمدونهم بالسلاح ليخربوا دولاً ممانعة ومقاومة أعطت كل ما لديها لأجل فلسطين، والبعض الآخر أوصلته الديمقراطية المزيفة إلى سدة الحكم، يحاول تسخير قدرات بلاده في المزاد حماية لبعض العروش الهرمة والقامات العاجزة عن التطلع في مرآة ذواتها لئلا تكتشف زيف طويتها وبشاعة مقاصدها ومفاسد أحكامها وتآمرها مع أعداء الأمة على اغتصاب أولاد الأفاعي للأرض التي أعطت النور والضياء للعالم أجمع.
بعض الممالك والإمارات تعيش اليوم انفصاماً في شخصيات حكامها والمتسلطين على مقدراتها، يعتقدون أن المال الذي ينفقونه على أذلاء النفوس يمكِّنهم من المحافظة على عروشهم، فهم يستخدمون أقذر الوسائل للاستمرار في نهب خيرات شعوبهم، ويعلنون من ناحية أخرى أنهم مع الديمقراطية كلمة لم تكن موجودة يوماً في قاموسهم لا يريدون تطبيقها لأنها تشكل خطراً عليهم وتمنح الحرية والعدالة لشعوبهم. لقد غاب عن بالهم أن في هذه الأوطان مناضلين وأوفياء كثراً أقسموا على رفض الظلم والاستعباد ومقاومة الغزاة ومغتصبي الأرض والدفاع عن حرية بلادهم وشعوبهم مهما غلت التضحيات.