لا تنازلات لأميركا…

نور الدين الجمال

يرى مصدر دبلوماسي عربي أن هناك صراعاً في العالم بين محورين أساسيين واجهته كل من روسيا والولايات المتحدة الأميركية وحلفائهما، وهناك قوى دولية تكبر، في مقدمها الصين وروسيا اللتان تحاولان إقامة مجموعة دولية عالمية كبرى ذات ثقل سياسي واقتصادي تضم دول البريكس ومجموعات أخرى في مناطق أخرى من العالم. الولايات المتحدة كانت تتحكم في العالم بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وتملك رؤى مختلفة تماماً إزاء مصالح الشعوب ولا تراعي مصالح الآخرين.

يضيف المصدر: ذات مرحلة حاولت مجموعة في أوروبا بناء معارضة للرؤية الأميركية في كثير من المناطق في العالم، لكنها فشلت، فالدول الأوروبية اخترقت من قبل الأميركيين بدول مثل بريطانيا وفرنسا، وفي الحرب الأميركية في أفغانستان وباكستان والعراق لم يستطع أحد الوقوف في وجه الولايات المتحدة وتجاوزوا مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة. وفي الموضوع الفلسطيني أيضاً حاول الأوروبيون أن امتلاك نظرة مختلفة عن النظرة الأميركية لحل القضية الفلسطينية، لكنهم فشلوا أيضاً بسبب اللوبي الصهيوني والدور البريطاني المتحالف مع الأميركيين في المنطقة العربية.

يردف المصدر قائلاً: في ضوء هذه المعطيات والوقائع التاريخية كلّها بدأت روسيا تنهض، ووصل الرئيس بوتين إلى الحكم ونجح في تنمية الشعور القومي الروسي وقاد حرباً طاحنة في الشيشان وقضى على «المافيات» المالية بما فيها اليهودية، وفي الوقت نفسه بدأت الصين تتعملق اقتصادياً، والأهم من ذلك أن الجيش الروسي بقي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي بقي قوياً ومتماسكاً ونجحت الصين في بناء جيش حديث ومتطور.

يوضح المصدر أن هذا الواقع الجديد خلق صدامات ومواجهات بين الأميركي من ناحية والروسي والصيني من ناحية أخرى، إلى درجة أن الأميركي وصل إلى مرحلة اعتبر فيها الجمهورية الإسلامية في إيران مع محور المقاومة هدفاً أساسياً له، لكنه اضطر إلى التعاون معها في العراق وأفغانستان، مع الإشارة إلى أن الاقتصاد الأميركي مرهون حالياً للاقتصاد الصيني، فضلاً عن أن الروسي يحقق نقاطاً في سورية والعراق، فهو لم يكن مسموحاً له بدخول إلى الساحة العراقية، بينما نجح في التعاون مع الحكومة العراقية من خلال الحوار بينهما حول مد خط أنابيب الغاز، بالإضافة إلى صفقات السلاح.

يكشف المصدر: لأن الإدارة الأميركية تريد تغطية تنازلاتها في المنطقة بالنسبة إلى إيران وسورية وحزب الله، قررت فتح الملف الأوكراني لتخريب الساحة الروسية الداخلية، لكن روسيا في المقابل أبدت سياسة ذكية باستعادة جزيرة القرم بلا أي ثمن، وفي شرق أوكرانيا لم تتدخل وتركت الأمر للقوى الحليفة لها هناك لكي تتصدى للعدوان عليها. وأشار إلى أن الأميركي مضطر إلى ستاتيكو في الشرق الأوسط كي يتفرّغ للخطر الذي يهدده ومصدره روسيا والصين، لكنه لم ينجح حتى الآن في تثبيت الستاتيكو المطلوب.

الأميركيون أعطوا الضوء الأخضر لكل من تركيا والسعودية وقطر و«إسرائيل» رغم الخلافات القائمة بينهم وتوحيدهم في جبهات للمواجهة مع الدولة الوطنية السورية، ولذلك بادروا إلى فتح معركة كسب وحلب وأصبحت «جبهة النصرة» تحت جناح تركيا، وهذا دليل واضح على أن الأمور في أوكرانيا محتدمة وفي سورية كذلك، فهم يحاولون السيطرة على مدينة حلب بدعم تركي مباشر لمنع حلب من المشاركة في الانتخابات الرئاسية. وفي الجنوب ثمة تدخل «إسرائيلي» مباشر أيضاً دعم المجموعات الإرهابية المسلحة للضغط على الجيش السوري ومحاولة إقامة حزام أمني فاصل بين سورية والكيان الصهيوني في الجولان.

حول مستقبل العلاقات الإيرانية ـ السعودية يقول المصدر إن للإدارة الأميركية مصلحة في قيام حوار سعودي ـ إيراني فذلك يساعدها في ملفات العراق وأفغانستان وباكستان ولذلك يمارس الطرف الأميركي ضغوطاً ويقدم في الوقت نفسه نصائح إلى المملكة السعودية حول ضرورة حصول تفاهمات مع إيران ولو بشكل محدود حول ملفات معينة، ومن هنا يمكن القول إن الصراع في المنطقة واجهته إيرانية ـ سعودية مع لقائهما، وفي الخلف يقف الروسي والأميركي. مع التأكيد وبحسب المعلومات المتوافرة على أن روسيا وإيران لن تقدما أيّ تنازلات للأميركي والسعودي إن في سورية أو لبنان أو العراق، إنما قد تكون الملفات الأخرى مثل اليمن والبحرين موضوع مناقشة وحوار بين الأطراف المعنية، لذا يمكن القول إن المعركة عسكرية في سورية وسياسية في لبنان وسياسية وعسكرية في آن واحد في العراق.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى