الدكتور خليل سعاده يعود إلى وجدان الوطن عبر كتاب «سورية من الحرب والمجاعة إلى مؤتمر الصلح»

بعد ثمانين عاماً على غيابه، ونيف ومئة عام على هجرته الى أميركا الجنوبية، يعود الدكتور خليل سعاده الى وجدان أهله في الوطن. يعود صوت الأمل والرجاء القومي، صوت الأخلاق السياسية النبيلة، صوت الجهاد المتفاني في سبيل ارتقاء الحرية وتكريس الاستقلال. يعود صوت الدكتور سعاده في المجلد الأول من اعماله التي باشرت مؤسسة سعاده للثقافة اصدارها مبوّبة وفق مواضيع محددة في طبعة علمية راقية.

كان للدكتور سعاده وجود دائم في الأدبيات القومية الاجتماعية، إذ دأب أنطون سعاده في الدوريات كافة التي أصدرها بعد تأسيس الحزب على التعريف بنتاج والده وإعادة نشر مختارات من تراثه الفكري والتعريف به في ذكرى غيابه. وسار عدد من القوميين في خطى زعيمهم، فمنذ السبعينات من القرن الماضي ونحن نجد محاولات فردية للتعريف بجوانب محدودة من تراث الدكتور سعاده، إما على صفحات الدوريات أو في كتب تنفرد بموضوع معين. والجهد الجديد الذي تقوم به مؤسسة سعاده يكلل هذه الجهود بعمل منسق أوسع مدى وأغزر مادة من أي عمل سابق.

تفتتح المجلد سيرة مختصرة للدكتور سعاده توضح الخطوط العامة لحياته، تاركة للقارئ متعة اكتشاف التفاصيل عبر القراءة. تتبعها مقدمتان تعالج الأولى الخلفية التاريخية والسياسية لمناهضة الدكتور سعاده لفرنسا ومشاريعها الاستعمارية. أما المقدمة الثانية فتشكل فتحاً وثائقيا ًمميزًا اذ انها للمرة الأولى على ما نعلم تظهر مكنونات سجلات الخارجية الفرنسية في ما يتعلق بالدكتور سعاده وجهاده. ونرى من خلال الوثائق الجديدة سعي فرنسا إلى محاربة كل من لا يماشي مطامعها. ونرى ويا للأسف عمل المتزلفين لفرنسا والمعتاشين من خيرها، وبعضهم سوف يقوم بالدور ذاته عند وصول أنطون سعاده الى الأرجنتين.

يقدم المجلد كتابات الدكتور سعاده وفق تبويب موضوعي وتاريخي. المحور الأول يطلعنا على أعمال الدكتور سعاده خلال محنة المجاعة التي عانتها سورية خلال الحرب العالمية الأولى. وقد دأب المؤرخون على ذكر جهود جالية أميركا الشمالية لبروز اسمي جبران والريحاني، وأهملوا جاليات أميركا الجنوبية. وكتابات الدكتور سعاده في هذا الباب تسدّد النقص في التأريخ. والمحور التالي ينقلنا الى جهاد الدكتور سعاده في أوسط الجالية السورية في الأرجنتين لتنظيم أحوالها والدفاع عن مصالحها تحت عنوان «الجامعة السورية» كواجهة اجتماعية ثقافية لما سيظهر لاحقاً الى العلن كنشاط سياسي لاستقلال وتحرير سورية تحت عنوان «الحزب الديمقراطي الوطني». وكانت كتابات سابقة عن الدكتور سعاده تناولت هذه النشاطات، لكن ثمة نكهة خاصة لمقاربتها بلغة أصحابها.

من أهم محاور هذا المجلد سلسلة مقالات الدكتور سعاده حول سورية وفرنسا في مؤتمر الصلح، وهي سلسلة مؤلفة من أربعين مقالة يؤرخ فيها الدكتور سعاده لفترة تاريخية حاسمة ما زلنا نحيا نتائجها حتى اليوم. وهذه المرة الأولى التي تظهر فيها هذه المقالات مجموعة منذ زمن كتابتها، وسوف يرى القراء أهميتها من مقاطعها الأولى. وتقدم هذه السلسلة نظرة تاريخية تحليلية لحوادث جليلة من تاريخنا الحديث، وتبدد الكثير من الوهم حول مجاري الحوادث ومعانيها ونتائجها وغاية محدثيها. ونرى عبر هذه المقالات صفاء الفلسفة السياسية التي يتبعها الدكتور سعاده، والمبادئ الأخلاقية النبيلة التي يلهج بها، والرؤية الصافية للحوادث والوقائع.

بإصدارها هذا المجلد والوعد بما يليه تقدم إلينا مؤسسة سعاده للثقافة خدمة تصحيح تاريخنا الحديث، وتعيد صوت الحق القومي والثقة والامل الى منبر الأمة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى