مختصر مفيد «ليست رمانة… إنما جيوب مليانة»!

من تسنّى له الاستماع للحملة التي طاولت «تلفزيون لبنان» بجرم لم يرتكبه، أحسّ بالتضامن معه. ومن سمع الاتهامات التي طاولت حزب الله عبر بوابة «تلفزيون لبنان»، أحسّ بما يعلمه المشاركون في الحملة من كونه محض افتراء. ومن سمع الكلام وشاهد الرموز والشحصيات المشاركة، أحسّ بالشفقة على لبنان واللبنانيين.

ما قيل تخطّى حدود العقل لجهة المقارنة بين الفعل وردّ الفعل، فلو بدأنا بتشخيص الفعل، قام «تلفزيون لبنان» بنقل الحوار الذي أجرته قناة «الإخبارية السورية» مع السيّد حسن نصر الله. وفي اليوم التالي صحا اللبنانيون على ضجيج لا يهدأ عن الحدث، من بعض قالوا إنها رسالة إيرانية للسعودية بأنّ لبنان تحت السيطرة. إلى بعض قالوا إن ذلك تذكير بنتائج السابع من أيار يريده حزب الله للداخل اللبناني، في ظل الإنقسام الداخلي حول الاستحقاق الرئاسي من جهة، وحول الخيارات الإقليمية بعد الحرب السعودية في اليمن وما ترتّب عليها لبنانياً من جهة أخرى.

نبدأ بالرواية الكاملة لما جرى. «تلفزيون لبنان» المسكين يستعين على تعبئة الوقت بالكلفة المتاحة عبر نقل مناسبات وحوارات لا تكلّفه بدلاً مالياً على الإطلاق مقابل حاجته للإنفاق على البرامج التي يشتريها أو يقوم بإنتاجها. وفي هذا السياق نقل مرّةً مهرجاناً للنائب وليد جنبلاط ومرّةً نقل حواراً للنائب سعد الحريري بُثّ على «قناة المستقبل».

ممكن أن يخطر لـ«تلفزيون لبنان» من هذه الزاوية أن يبثّ حواراً مع أيّ قناة عالمية أو حتى غير مشهورة مثل التلفزيون التشيكي مع شخصية معادية كبنيامين نتنياهو بدافع مشابه، لكن بخلفية أن الأمر ليس بمستغرب في زمن الانفتاح العالمي إعلامياً، حيث المعرفة هدف يطاول العدو والصديق، وحيث لا أحد يضيّق حدود التعرّف إلى مواقف الغير أيّاً كان هذا الغير، عدوّاً أو غير عدوّ. وأنّ مثل هذا الحوار لنتنياهو قد يفيد معرفياً من يرغبون بمتابعة التطوّرات في المنطقة.

بالنسبة إلى حزب الله، ليس «تلفزيون لبنان» هو الفضاء الإعلامي الذي يراهن على نقل خطاب أمينه العام إلى العالم. ويعلم كل الذين شاركوا في جوقة الردح أن المستفيد من النقل هو «تلفزيون لبنان» لا حزب الله. خصوصاً في خطاب للسيّد نصر الله. كما يعلم الردّاحون مهما علت مراتبهم أن إيران وحزب الله، خصوصاً السيّد نصر الله، سمعوا بالنقل الذي قام به «تلفزيون لبنان» من الحملة الإعلامية التي استهدفت النقل و«تلفزيون لبنان» وحزب الله بسبب ذلك. فحجم انتشار حوارات السيّد نصر الله باعتراف الباحثين «الإسرائيليين»، أتاح للقنوات التي تنقل خطابات السيّد وحواراته وإطلالاته، مكانة فوق سواها بين القنوات الأخرى التي امتنعت عن النقل. أما النقل بداعي الانتشار فيصحّ لـ«تلفزيون لبنان» لا لحزب الله.

قال بعض الهاجمين إنّ اعتراضهم نابع من كونها مقابلة لا مناسبة. وعندما تقول لهم نقل «تلفزيون لبنان» مقابلة أو حواراً لسعد الحريري، يقولون كان رئيساً للحكومة، والمقابلة على «تلفزيون المستقبل». ولما تردّ أن الحريري من طلب نقلها يومذاك، بينما اليوم لم يطلب السيّد ولا طلب الحزب، فاعتبِروها سعياً لترويج التلفزيون بما لا يجلبه له حدث كلام الحريري، يقولون القناة سورية حكومية، والنقل عنها يخالف النأي بالنفس. وتقول إذن، كيف تنقل خطابات الشتائم للرئيس السوري وتنسجم مع النأي بالنفس، واليوم صارت الموضة شتائم لمكوّن لبناني رئيسيّ وقبله لإيران التي لا سبب للبنان للتسبّب بخلاف معها وفقاً لاعتباراته اللبنانية، المهم أنك تصل إلى الطريق المسدود على طريقة اللبن أسود وبلا برهان. فتقول حسناً، لنسأل: لو كان خطاب السيّد نصر الله مديحاً لبني سعود، هل كانت ثارت تائرتكم؟ فيتلعثم المتحدث، لتضيف: إذاً، تعالوا نبدأ من هنا.

كيف حدثت الحملة؟ الرواية تقول إن أحداً في لبنان لم يكن منتبهاً لما يفعله «تلفزيون لبنان»، وإن وزير الإعلام علم من السفير السعودي بموضوع النقل، في رسالة عتب ولوم شديدة اللهجة. وإنه من مضمون العتاب ورد أنه لم يطّلع بنفسه لكنهم أبلغوه من المملكة. إذاً، المملكة شاهدت، وأبلغت ولامت وعاتبت واتّصلت فكيف حدث الأمر؟

يقول عارف في شؤون المملكة وبني سعود، إنّ الرصد التلفزيوني في الاستخبارات السعودية ضبط عملية النقل كحدث أمنيّ، ورفع تقريراً للجهات العليا، يقول وفقاً لخبرة الاستخبارات السعودية، إن حزب الله استولى على الدولة اللبنانية في انقلاب عسكريّ رافق حوار السيّد نصر الله على قناة «الإخبارية السورية». وكما هي العادة في الانقلابات، يستولي الانقلابيون على تلفزيون الدولة الرسمي، ويبثّون خطاباً لزعيمهم. وقد اختار حزب الله التوقيت مع حوار السيّد نصر الله على «الفضائية السورية» التي صمّم توقيتها واختيرت رمزيتها لهذه الغاية، وتقرر موعد الانقلاب ليتمّ النقل فوراً على الهواء إعلاناً لنجاح الانقلاب.

تحدّث المسؤولون السعوديون مع اللبنانيين التابعين، وأبلغوهم ما جرى مع إضافتهم كلمة «انقلاب» كلّ ثانية في وصف ما يجري. والمتلقي عارف بلبنان وشؤونه وبسخافة ما يسمع وسذاجة ما يقال. لكن المتحدث بمقام لا يقال له ذلك بل يوجب المقام أن يردّ عليه بالقول إنه محق. وإنّ الانقلاب حدث فعلاً. ولمّا أقفل المسؤول السعودي الهاتف حار اللبنانيون ماذا يفعلون، وكيف يمرّرون كلمة «انقلاب» ليكسبوا رضا وليّ الأمر والنعمة، من دون أن يُتّهموا بالسخافة. فاخترع كلّ منهم حكاية. واحد قال إنه انقلاب، إيران تعلن سيطرتها على لبنان عبر هذه الرسالة. والثاني قال إنه انقلاب، وحزب الله يستعيد وقائع السابع من أيار وذاكرته، لكن اللافت أنهم جميعاً ردّدوا كلمة «انقلاب».

فرِح محمد بن نايف ومحمد بن سلمان، بانضباط اللبنانيين وتلبيتهم السريعة الهجوم على حزب الله، وتساءلوا عن السبب فقال واحدهما للآخر: إنهم معتاظون من حزب الله وانقلابه، فليست «قضية رمّانة بل قلوب مليانة». ولما عُرفت الحقيقة وعلِم المسؤولون أنّ زمن السيطرة على التلفزيون ما عاد موجوداً ولا الإعلام الرسمي هو الأوسع انتشاراً، ولا السيطرة عليه ذات قيمة، وعلموا أنّ ما جرى قد جرى بحسابات سطحية وبسيطة لا تشبه ظنونهم، ضحكوا وقالوا: «ليست رمانة لكنها جيوب مليانة، فقد منحناهم مالاً وفيراً يكفي ليتبنّوا رواياتنا، ويصادقوا عليها حتى وهم يعلمون أنها غير صحيحة».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى