جوني وشرارة و«اللا نبيل» عثمان…

ماجدي البسيوني

تمهيد

تحايل اسماعيل فهمي لإرسال ابنه نبيل فهمي إلى أميركا وإنهاء خدمته في الجيش المصري إبان حرب أكتوبر 73، كي يجد له مكاناً في المؤسسات الأميركية. الفريق سعد الدين الشاذلي رفض التوقيع على مذكرة في هذا الشأن، مؤكداً أنه لن يخالف القانون، ما دفع اسماعيل فهمي إلى الالتفاف وتقديم الطلب إلى وزير الحربية آنذاك أحمد اسماعيل، وبالفعل أنهيت خدمة الشاذلي وأرسل إلى أميركا، وهذه شهادة الفريق الشاذلي بالنص:

«لقد كان ابن اسماعيل فهمي جندياً في القوات المسلحة وعرضت عليّ مذكرة تقترح إنهاء خدمة الجندي المذكور للعمل في المخابرات العامة، فرفضت فقيل لي أنه ابن اسماعيل فهمي، فقلت لهم حتى ولو كان ابن السادات فإنني لن أخالف القانون». ويضيف الشاذلي: «إنّ مذكرةً أخرى عرضت على الوزير أحمد اسماعيل مباشرة من دون أن تمر عليّ، وإنّ أحمد إسماعيل- الذي كان يعلم بالقصة من أولها إلى آخرها – صدّق على إنهاء خدمة الجندي ابن الوزير اسماعيل فهمي ونقله إلى المخابرات العامة التي قامت بإنهاء خدمته بها، وتمكَّن والده من أن يجد له وظيفة في نيويورك أكثر راحةً وأوفر مالاً!

1

بصراحة أنا أحب الكلاب وأغضب ممن يتهمها بالنجاسة أو ما شابه… شاهدت أبي باكياً عندما جاءه من يخبره أن «جوني» قد قتل… جوني كان اسم الكلب الذى شاهدته منذ طفولتي في بيتنا الريفي في قريتنا البراشية في دمياط… ما زالت في ذاكرتي واقعة عندما هجم جوني على خروف جيران أرض أبي وجرجره حتى وصل به الى رصيف البيت لأن الخروف اعتدى على زراعات أرض أبي… ما زلت أذكر أن أبي دفع ثمن الخروف جنيهات قليلة لإرضاء الجيران… لكن أمي لم تكن تحب «جوني» لأن أخوتي دائماً ما كانوا يتهمون «جوني» بأنه هو من أكل «دكر البط» فى حين أنّ جوني كان بريئاً كلّ البراءة من التهمة وأنّ الجناة هم من يكبرني من إخوتي، وبالطبع أنا الذي أتهرّض للتهديد إنْ بحت بما حدث، ولهذا فرحت أمي بقتل جوني، أذكر عندما كبرت فعلت نفس ما كان يفعله إخوتي أثناء سهري بحجة المذاكرة، فذبحت «دكر بط» كانت أمي تدخره لمناسبة ما، وفى الصباح كعادتها وهى تصعد لإطعام طيورها من فراخ وبط وأوز ورومي وتجمع البيض، طبعا قبل أن تعدّ لنا الفطور، اكتشفت غياب «السبع» الذى أنهلنا عليه ورفاقي طيلة الليل… ولا أعلم لماذا كانت السهام مصوبة تجاهي، فإذا بي أقول مدافعاً عن نفسي بنفس الطريقة التي كان يمارسها أشقائي الكبار: أكيد جوني، رغم أن جوني قد انتقل إلى مثواه الأخير منذ سنوات عديدة تزيد عن العشرة… يومها ضحك أبي وصاحت أمي: كلّ هذه السنوات وأنا مغفلة، لكنه ضحك كالبكاء.

لا أعرف سرّ تذكري لهذه الحكاية كلّما أمرّ من أمام وزارة الداخلية وأنا في طريقي إلى مقرّ جريدة «العربي» عندما استوقف ليلتفّ حول سيارتي كلب يشبه جوني تماماً… فأبتسم له حتى صارت بيني وبينه ألفة… ألم أقل إنني أحبّ الكلاب… في بداية استخدام الكلاب لمنح العابرين من أمام وزارة لداخلية شعرت بالرعب وظننت أنّ جوني سيأخذ ثأره مما اتهم به سابقاً من أشقائي ومني شخصياً إلاّ أنّ ظني خاب، رغم أني لحظتها كنت أردّد بيني وبين نفسي: أعتذر لك يا جوني بالنيابة عن أشقائي وبالنيابة عني، حتى كدت أقسم له بأنه بريء وأننا نحن الأشقاء من اتهمناه زوراً وبهتاناً…

2

الأسبوع المنصرم وأثناء عبوري من أمام حاجز وزارة الداخلية ونظرات الكلب واثق أنها تداعبني بعد الألفة التى صارت بيننا رنّ الهاتف ليأتيني من يسألني: هل اطلعت على تصريحات نبيل فهمي وزير الخارجية الموجود حالياً في واشنطن…؟

طلبت منه أن يمهلني حتى أعبر من حاجز الداخلية وأصل إلى مكتبي في الجريدة أي بضع دقائق… عبرت بسيارتي وتلقيت نظرات الكلب شبيه جوني بودّ، دقائق قليلة وكنت أجلس على مكتبي… فتحت الرسالة التى أرسلها لي محرّر الشؤون الخارجية الذي اتصل بي أثناء وجودي أمام حاجز وزارة الداخلية والذي أمهلته لدقائق، تعالوا نقرأها…

«المذيع لنبيل فهمي وزير الخارجية: المساعدات العسكرية الأميركية هل تعطيكم ميزات تكتيكية تحتاجون لها؟

نبيل فهمي: نعم بالطبع هي مهمة جداً بالنسبة لنا، لأنها مثل الزواج وليست علاقة لليلة واحدة أو نزوة عابرة تستمر ليوم واحد وتنتهي ، وهذا أمر سيكلف الكثير من المال حال الاستثمار فيه، كما سيتطلب الكثير من الوقت والكثير من القرارات.

المذيع: لكنك ترى هذا الزواج بشكل رومانسي، فهل هذا صحيح؟

نبيل فهمي: لا، فزواجي يسير بشكل جيد جداً، لذلك أنا أفعل ما أقوله، فأنا متزوج منذ 39 عاماً ولا يمكنني التنازل عنه بسهولة.

المذيع: ما هي حالة هذا الزواج الآن؟

نبيل فهمي: زواجي، إنه…

المذيع: لا… لا ليس زواجك، أقصد الزواج بين مصر والولايات المتحدة الذي تحدثت عنه؟

نبيل فهمي: إنه يقوم على أسس قوية ويحتاج إلى استقرار وبالطبع يعاني من بعض المشاكل والسقطات… لكن أي زواج له مشاكله أيضاً.

3

حقيقة الأمر عندما اتصل بي رئيس قسم العلاقات الخارجية وأنا أمام حاجز وزارة الداخلية وهو يقول لي: هل اطلعت على تصريحات نبيل فهمي وزير الخارجية الموجود حاليا في واشنطن…؟ كنت أظن أنه يتباهى وينتشي بما كتبه فى العدد السابق من جريدة «العربي» التي أتشرف برئاسة تحريرها، تحت عنوان «نبيل فهمي رفيق البرادعي في مركز إدارة الأزمة الأميركي… الولاء لمن…؟» ولم يكن «سي» نبيل فهمي قد توجه للسفر إلى واشنطن… الآن تيقّنت أنّ المصيبة أكبر، وتساءلت: ماذا يدبَّر لمصر؟ ولماذا أعلن نبيل فهمي هذا التصريح الآن تحديداً؟ أستمر في طرح السؤال وأستعرض ما يحدث في الداخل المصري، تخطفني عيناي لما يقع بكامل الخريطة الجغرافية للعالم العربي أو المفروض أنه عربي، أذهب للتصريحات الأميركية لما حدث في أوكرانيا، تجذبني وقائع ما يسمّى بالتصالح ما بين حماس والسلطة الفلسطينية، تقهقهني النزاعات ما بين السعوديين والقطريين، أتوقف أو تنتفض غرائزي أمام صدور وسيقان عارية يقفن أمام مقرّ السفارة المصرية في باريس احتجاجاً على حكم قضائي يقضي بإعدام ارهابيين قتلوا أبرياء أتساءل: كيف استطاع من يدّعون أنهم يحتكرون الإسلام الذي يحرّم صوت المرأة أن يدفوعها إلى أن تتعرّى من «الأندر وير» احتجاجاً، وقد فشل العالم كله في أن يحتجّ على ذبح نفس الجماعة للأبرياء وقطع رؤوسهم وشيّها… أتساءل: ما الفرق بين جهاد المناكحة وجهاد «التظاهر بالأندر وير»؟

4

لم تستفزني تصريحات اللا نبيل فهمي وزير الخارجية المعيّن في الرئاسة الموقتة للوزارة الموقتة التى دفع به زميله البرادعي فى نادي قيادات إدارة الأزمة الأميركية، فالعبد لله ظلّ يعرّي ويكشف ويفنّد عوراته كافة على مدى الشهور السابقة، وليس خافياً على من يتتبع عوراته التي هي صمود وانخراط في فريق إدارة نادي الأزمة الأميركية بكامل «العاهرين» قولوا لنا ما هي مواقفه مما يحدث فى الوطن، وبالتحديد ما هي مواقفه مما يحدث من الحرب العالمية التي تقودها داعمة نادي إدارة الأزمة ضدّ سورية؟ رجاء استدعاء مواقفه قبل جنيف 2 وبعدها، أليس هو نفسه من دعا فى جنيف 2 ما يُسمّى بالمعارضة السورية التي تدعمها واشنطن وحلفاؤها لأن تتوحد، بل وأقسم بشرف أمه أنّ قضيته تكمن في توحيد هذه المعارضة التى هي نفسها بكلّ مكوّناتها اتخذت نفس النهج ضدّ مصر فراحت تكون «جيش مصر الحر»!؟

هو يدرك أنّ في مصر الآن كوادر القاعدة وداعش والنصرة وجيش مصر الحر… هو يدرك كما هو واضح لديه من خلال المعلومات أن واشنطن تحاول بكلّ الطرق أن تستعيد مصر إلى حظيرتها التى كانت قبل أن يعزل «الإخوان المسلمون».

هو يدرك بحسب الأبحاث والوقائع كلّها أنّ المشروع الأميركي الممتدّ في مصر منذ كامب ديفيد وحتى اللحظة، قد سقط، وهذا لا يرضي واشنطن، فكيف إذن أن تكون العلاقة ما بين مصر وواشنطن زواجاً كاثوليكياً وليس نزوة.

نبيل فهمي فى طريق العودة حالياً إلى مصر محمّلاً بزيجة حرام لا يقبلها ولا يتقبّلها مصري قدّم عمره فداء لتراب وطنه ويخلد ولا بديل لأن يكون صاحب هذا الوطن، ولا مناصّ سوى أخذه من المطار ملفوفاً بملاية كما يحدث فى قضايا مزاولة الدعارة، إما لإفراغ حملة السفاح كما حدث مع أمين عثمان يوم اعترف بسفاحه من أنّ العلاقة ما بين بريطانيا ومصر زواج كاثوليكي، وإما لتجريصه كما يفعل «ولاد البلد» بوضع المتجرص بخلاف على حمار بعد قصّ شعر رأسه وإلباسه طرحة سوداء وزفه في حارات البلد او القرية ومن خلفه أهالي البلد يردّدون «من دا بكره بقرشين».

5

رغم حبي للكلاب، لكني لا أخجل من ذكر ما حدث معي عندما أهداني صديق كلبة كان يطلق عليها وقبل أن يهديها لي اسم «شرارة»، يوم اصطحبتها من عند صديقي بسيارتي «فعلتها» في المقعد الخلفي، فحاولت أن اتغاضى عن رائحة فِعلتها من دون جدوى حتى تخلصت من سيارتي…

«شرارة»، ورغم حبي للكلاب، ضبطها تمارس الدعارة فطردتها من دون رجعة، ومنذ ذلك التاريخ الذي يواكب تاريخ كلب ديفيد، أنهيت علاقتي بمن جلبها لي… نهاية «شرارة» يعلمها أهل القرية هي نفسها نهاية «أمين عثمان» ونبيل عثمان…!

رئيس تحرير جريدة العربى مصر

Magdybasyony52 hotmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى