بين خطأ إسقاط الأنظمة… وفشل بدع الاستراتيجية المعتدلة
لؤي خليل
يدفعنا الاعتراف الأخير لحلف شمال الأطلسي «ناتو» بفشل استراتيجية حربه في ليبيا، بعد إسقاط نظام معمّر القذافي، إلى العودة إلى اعتراف وزير الخارجية الأميركية الأسبق كولن باول بالخطأ الذي ارتكبته بلاده في حرب العراق، حين قال: « لقد ارتكبنا أخطاء جدية، فيما يتعلق بفرض رغبتنا على حكومة الرئيس السابق صدام حسين»، مضيفاً: «إنّ الزيادة الجديدة في القوات الأميركية سوف تعمل لفترة من الزمن، لكنها لن تربح الحرب في العراق».
هذه الأخطاء ا ستراتيجية المتتالية سواء، من خلال محاولات إسقاط أنظمة أو تفكيك الدول تجعلنا نفكر في أمرين اثنين ثالث لهما، الأمر الأول هو التفكير الاستراتيجي والسياسي الغبي عند الغرب وهذا مستبعد، أما الأمر الثاني والأكيد فهو أنّ هناك تفكيراً مبرمجاً يقوده تحالف اللوبي الصهيوني وتجار السلاح في الغرب، فالمشروع الصهيوني يسوِّق دائماً لنظرياته السياسية بعمليات استخباراتية تغزو الفكر الغربي إعلامياً من هجمات الحادي عشر من أيلول إلى لعبة «الربيع العربي» لإسقاط الأنظمة المتشدّدة حسب تسمياتهم، بالإضافة إلى الضغط الذي تمارسه شركات التسلح لتسويق الأسلحة، لينتهي المطاف دائماً بفشل ذريع على المستوى السياسي والعسكري، و يقطف ثمار هذه الفوضى إ تجار السلاح واللوبي الصهيوني الذي يريد تقسيم المقسّم في المنطقة وتفكيكها.
هذا التفكير ا ستراتيجي السيء، بالاستعاضة عن بلدان منظمة شعبياً وسياسياً في كتل طائفية متنازعة ومتحاربة، يعني أنّ الغرب يتمكن دائماً من تحقيق أهدافه القريبة والبعيدة، فالفشل الذريع في أفغانستان في تقويض النفوذ الإيراني أنتج مساحة مناورة أكبر للسياسة الإيرانية في المنطقة، وخصوصاً في العراق، وإنّ محاولة ا ستعاضة عن هذا الإخفاق بتحالف صهيوني إخواني لم ينتج سوى فوضى في منطقة هي في الأصل هشة سياسياً وتعاني أزمات متعدّدة، فتفكيك النظام الليبي منذ بداية ما يسمى الربيع العربي لم يفرز إ جماعات مبعثرة تتألف من مسوقي سلاح الشركات في معسكرات الإرهاب التي تتشر التكفير والقتل والدمار في شتى أرجاء المنطقة.
إزاء هذا الفشل المتكرّر والمنتشر مثل السرطان في جسد المنطقة، هل سيدرك الغرب أو حتى شعبه أو حلف «ناتو» بذاته أنّ فكرة المعارضة المعتدلة هذه لن تنتج إ فراخاً إرهابية تنشر التكفير كما أنتجت في السابق، تنظيمي «داعش» و«النصرة» عبر عملاء الاستخبارات الخليجية والتركية؟ وهل يدرك القيمون على المشروع السياسي الغربي ـ الصهيوني، أنّ استراتيجياتهم التي كانت تهدف إلى قتل وتشريد الشعوب وتدمير الدول، قد فشلت وأنّ حساباتهم السياسية تسقط يوماً بعد يوم أمام الصمود التاريخي لشعوب متجذرة في الأرض عبر التاريخ؟
تلك الشعوب ذاقت طعم ا نتصار وكونت حلفاً مقاوماً يكبر كلّ يوم مع فشل استراتيجيات الغرب الذي سيعود لاهثاً من أجل لملمة هزائمه في مناطق عدة، وهذه المرة قد تتفجر في جوفه الفراخ الإرهابية لتقطع أوردة حياة مهمّة له، وقد تشتت مجتمعات بأكملها فيرتدّ عليه الخطأ الذي ارتكبه.
إنّ التدمير الممنهج للمعالم التاريخية يتم بأيادٍ عثمانية ـ صهيونية تحاول إثبات وجودها عبر مسار تكفيري، فلم يعد خافياً على أحد أنّ هناك صلة بين تدمير معالم التاريخ والتهجير الممنهج لشعوب متجذرة عبر تاريخ المنطقة. هذه الحروب المتعدّدة الأحلاف صهيونياً وإخوانيا دائماً، لو سرقت في لحظة من الزمن نتاجاً أخلاقياً، يكاد لا يخبو تحت غبار الحروب حتى ينبثق قوة وإيماناً من شعوب هذه المنطقة بمقاومة شعبية وقفت مع قياداتها ليولد حلف مقاوم يطمس كلّ الأفكار الطائفية السوداء، بانتصارات تحققها في شتى بقاع المنطقة بقوة اللجان الشعبية والعشائر في العراق وحلف المقاومة من إيران إلى سورية. فهل سيأتي هذا اليوم الذي يدرك فيه الغرب أنّ ربيعه الاستخباراتي أزهر فشلاً سياسياً ومجتمعياً ذريعاً، وأنّ «اعتدالاته» لم تولد إلا الإرهاب الذي سيرتدّ عليه عاجلاً وليس آجلاً؟
سيحصدها الحلف المقاوم قريباً، لتبدأ بشائرها من جبهة الجو ن إلى الجبهة الشمالية. سيحصدها انتصارات تثبت تجذر شعوب هذه المنطقة المقاومة في الأرض وتسقط تآمر قوى ا ستكبار على التاريخ المقاوم الذي سيلفظ جميع أصحاب الأفكار الضيقة المأجورين، ويحتفظ بحجارته العظيمة قيادات مقاومة يخلدها كحجارته التي أسقطت أعتى وأبشع مؤامرات الحلف الأعرابي ـ الأميركي ـ الصهيوني.