نقصف إيران؟ ليس الآن… سنقصف اليمن

إعداد وترجمة: ليلى زيدان عبد الخالق

بين الحرب العدوانية على اليمن، التي شهدت تحوّلاً في الاستراتيجية الأميركية من ضرب «القاعدة» إلى مدّ يد العون لآل سعود لتدمير اليمن بحجة «التمدّد الإيراني ـ الحوثي» و«إعادة الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي»، وبين الولاءات لـ«داعش» و«الاستقلال» عن «القاعدة»، وحيرة «جبهة النصرة»، خيط رفيع يعتبر رابطاً هامّاً إذا قرأنا بين السطور.

هذا الرابط لا بدّ أن تتضح لنا معالمه فيما لو أجبنا على التساؤلات التالية: ما السبب الكامن وراء السماح ـ المبطّن ـ لقطر كي تدعم «جبهة النصرة»؟

وما هي الأسباب التي تدفع بقطر لإقناع «جبهة النصرة» بالتملّص من «القاعدة»، علماً أنّ ذلك يقوّي «داعش»؟ هل ترضى أميركا بذلك وهي التي أعلنت تحالفاً عريضاً ضدّ «داعش»؟

ما الذي تجنيه واشنطن من خلال الحرب على الذين يقاتلون «داعش» و«القاعدة» في اليمن؟ هل هي سياسة ضرب عصفورين بحجر واحد؟

بين أيدينا تقريران. الأول يتحدّث عن الحرب السعودية ـ العربية ـ الإقليمية ـ الأميركية بنكهة الجماعات الإرهابية على اليمن. وعن دور العرب في تفجير حرب دمويّة غير شرعيّة ضدّ أفقر دولة عربية بِاسم «الديمقراطية».

وفيه يقول كاتب المقال: «هذا هو النظام السعودي فاحش الثراء، الفاسد، بعقلية سياسة القرون الوسطى المنشغلة بقمع شعوبها. يركّز الأئمة الوهابيون على بثّ سموم أحقادهم ضدّ الشيعة وإيران في كلّ مكان «المرتدّون» وفقاً للمبدأ التكفيري، علماً أنهم ينظرون إلى الإيرانيين على أنهم «صفويون» أكثر تواضعاً ـ في إشارة إلى تحقير السلالة الصفوية في القرن السادس عشر. ومن الأهمية في مكان، أن نذكر كيف يتعاطى «داعش» مع الشيعة والإيرانيين بالطريقة عينها. لكن شيئاً من هذا القبيل لم تتطرّق إليه أبداً وسائل الإعلام الغربية».

أما التقرير الثاني، فمن الصحافة العبرية، ويتحدّث عن نشر سيرة حياة زعيم «طالبان» الملا عمر، وعن حركة التنقّلات في الجماعات المتطرّفة. وفي التقرير يقول كاتبه ـ كمحاولة لربط التقرير الثاني بالأول: «في بداية طريقه، ميّز أسامة بن لادن بين نوعين من الأعداء: القريب ـ الانظمة العربية والإسلامية التي لا تطبّق الإسلام الصحيح، والبعيد ـ وأساساً الغرب الذي يحاول تصدير ثقافته والسيطرة على بلاد الإسلام، ويزعزع القيم الدينية. ضدّ هذين العدوّين يجب القتال جنباً إلى جنب، هكذا أفتى بن لادن. وبعد الحروب في العراق وأفغانستان، تحوّل العدو البعيد إلى قريب جدّاً بسبب وجوده في البلاد المحتلة، الأمر الذي ساعد في تجنيد المناصرين… على هذا الأساس، أقام أبو بكر البغدادي رافعة سلطته. ففي ظلّ هذا المبنى الصلب من الممكن أن يتلقى «داعش» هزيمة في دولة أو في منطقة معينة، ولكن البنية الاساسية التنظيمية له تستمر في التواجد، وفي ضمّ فروع «القاعدة» إليه أيضاً».

كتب بيبي إسكوبار :

يمكن تلخيص عملية «عاصفة الحزم» التي روّجت لها الولايات المتحدة الأميركية ومجّدتها عروض المملكة السعودية المروّعة بـ«قنبلة اليمن».

تورّطت أغنى دولة عربية ـ معقل الأراضي النفطية ـ وبدعم من دول مجلس التعاون الخليجي ودول «الغرب» الغنية، في تفجير حرب دمويّة غير شرعيّة ضدّ أفقر دولة عربية بِاسم «الديمقراطية».

ويبدو أنّ الممثلة العليا لسياسة الأمن والشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغريني، «لا ترى في القصف السعودي المتمركز على المستشفيات والاستهداف المتعمّد لمنازل المواطنين، ومرافق التعليم والبنى التحتية الأساسية أمراً يمكن السكوت عنه». الموقف الغاضب نفسه اتّخذته موغريني إزاء ما ارتكبته حكومة كييف الرعناء في الدونباس.

طالب كلّ من الصليب الأحمر والاتحاد الروسي ـ على الأقلّ من جانبهم ـ وقفاً موقّتاً لإطلاق النار بهدف السماح للمساعدات الإنسانية بالوصول إلى المحتاجين. غير أن منطق الإغاثة الإنسانية يتنافى مع منطق آل سعود الدموي. إذاً، وبعد أسبوعين اثنين من حلقات «الصدمة والرعب»، بلغت قائمة القتلى اليمنيين المدنيين 560 قتيلاً على أقلّ تقدير، و1700 جريحاً ـ بينهم العشرات من الأطفال.

باب المندب لي يا عزيزي

نقصف إيران؟ ليس الآن فالوضع الطبيعيّ الجديد هو قصف اليمن، مع إمكانية العودة إلى قرار قصف إيران بلمح البصر. هذا ما أكده وزير الدفاع الأعلى في البنتاغون آشتون كارتر الأسبوع الماضي من أن «كلّ الاحتمالات موضوعة على الطاولة»، على رغم التوصّل إلى تحقيق اتفاق نوويّ مع إيران في حزيران المقبل.

وهذا يُسجّل للتاريخ، أن البنتاغون يؤكد أن المفاوضات النووية مجرّد ضوضاء غير قاردة على ردع اندلاع حروب أخرى صغيرة في الشرق الأوسط. وغنيٌّ عن الشرح والإضافة، أن «الغرب» المتحضّر جداً، لم يُفاجأ عندما قرّر «أوغادنا» السعوديون اجتياح اليمن الفقير وقصفه.

لا قرار من مجلس الأمن، ولا حتى تفويض من جامعة الدول العربية الفاقدة أصلاً شرعيتها. ومن ذا الذي يهتم؟ فـ«إمبراطورية الفوضى» قد قامت بمثل هذا الفعل مراراً وتكراراً وأفلتت دوماً من العقاب.

ثمّة الكثير من الهستيريا المستعِرة حول ما إذا كان الحوثيون قادرون على السيطرة على باب المندب ـ أحد أهمّ المفاتيح الاستراتيجية للطاقة العالمية جنباً إلى جنب مع مضيق هرمز، وكذلك قناة السويس. هذا محض هراء. فمهما كان الذي سيقوم به آل سعود، فإن الأجندة العلنية لـ«إمبرطورية الفوضى»، تتمثل في الحفاظ على باب المندب، خليج عدن، وجزر سقطرى اليمنية.

هذا جزءٌ ممّا يُطلق عليه «نقطة الاختناق» من المصطلحات الخادعة التي تُروى حول الحروب العالمية على الإرهاب، إذ غالباً ما تقام الحروب قرب مناطق تمركز الطاقة. تعتقد الولايات المتحدة أن الحرب البرّية ستكون نتائجها أكثر وضوحاً من تلك البحرية. إنه تنكّرٌ لخداع «حرّية الملاحة» واستراتيجيتها المتشدّدة حيال الأعداء الجيوسياسيين ـ سواء أكانوا إيران، روسيا أو الصين، أو جميعهم معاً.

تنتشر «نقاط الاختناق» في جميع المناطق حول العالم: فلنراقب الحشد المسبق للحروب انطلاقاً من باب المندب وتداعيات ذلك على اليمن مروراً بالصومال، إريتريا، إثيوبيا وجيبوتي مضيق هرمز وعلاقته بإيران وكذلك مضيق ملقة وارتباطه بالصين، باناما وفنزويلا، قناة نيكاراغوا المستقبلية والصين، المضيق الكوري، المضيق التايواني، جزر كوريل، وأخيراً وليس آخراً بحر البلطيق.

الغراند آرمادا تعيث في الأرض فساداً

تدرك الاستخبارات السعودية أن الحوثيّين لا يستطيعون السيطرة على باب المندب ـ وأنه يستحيل على واشنطن السماح بذلك. وما يغيظ السعوديين، أن التمرّد الحوثي في اليمن، والمدعوم من إيران، قد يشجع الأفكار الثورية الخلاّقة في الأوساط الشيعية في المقاطعات الشرقية من المملكة السعودية، حيث تتمركز أراضي النفط. تلك هي أعذار السعودية لتبرير جنون العظمة الذي يصيبها ويجعلها دوماً في مواجهة إيران، روسيا و/أو الصين احتمال إقامة وجود استراتيجي محتمل في اليمن، من باب المندب، المطلّ على خليج عدن.

وهنا يأتي إصرار البنتاغون، ومرةً أخرى على لسان كارتر، بأن الولايات المتحدة تصرّ على دعم المخطّطات العربية لتشكيل قوّة عسكرية موحّدة لمواجهة التهديدات الأمنية المتزايدة في الشرق الأوسط، وتعاون البنتاغون معها، حيث تتشابك مصالح الولايات والمتحدة مع تلك العربية. وهذا يعني إعطاء الضوء الأخضر لأولئك «الأوغاد» للحفاظ على الاستقرار في الشرق الأوسط.

وبعد، هناك عدد من الحلول المطروحة في العمل ومنها إمكانية تقارب كلّ من واشنطن وطهران، مع التوصل إلى صفقة نووية محتملة. وبالنسبة إلى إدارة أوباما التي تحمل شعار: «لا تقم بأمور غبية»، فإن التوصل إلى اتفاق نووي قد يكون النجاح اليتيم الذي حققته السياسة الخارجية. وعلاوةً على ذلك، لا قيمة لقتال «داعش» في سورية والعراق من دون طهران.

لم يفلح كلّ هذا في تهدئة وتيرة جنون العظمة السعودي الكوني، فالمملكة التي حشدت جنودها وآلياتها العسكرية بالتعاون والتحالف مع عشر دول، ومن دون انتظار الإشارة من الأمم المتحدة، أعلنت اليمن بكامله منطقة حظر طيران جويّ.

وبالتزامن مع القصف الروتيني للمجمعات السكنية، ومعمل للألبان القريب من الحديدة وغيرها، لم تتوقف حملات القمع المتشدّدة في الداخل السعودي كمثل القصف بالدبابات وحملات إطلاق النار العشوائية في العوامية، والمقاطعات الشرقية إذ يستحيل على الشيعة هناك حتى التفكير بتنظيم احتجاجات ضدّ حمّامات الدم في اليمن.

باختصار، هذا هو النظام السعودي فاحش الثراء، الفاسد، بعقلية سياسة القرون الوسطى المنشغلة بقمع شعوبها. يركّز الأئمة الوهابيون على بثّ سموم أحقادهم ضدّ الشيعة وإيران في كلّ مكان «المرتدّون» وفقاً للمبدأ التكفيري، علماً أنهم ينظرون إلى الإيرانيين على أنهم «صفويون» أكثر تواضعاً ـ في إشارة إلى تحقير السلالة الصفوية في القرن السادس عشر. ومن الأهمية في مكان، أن نذكر كيف يتعاطى «داعش» مع الشيعة والإيرانيين بالطريقة عينها. لكن شيئاً من هذا القبيل لم تتطرّق إليه أبداً وسائل الإعلام الغربية.

الجنرال والشيخ

يصرّ آل سعود على إعادة تثبيت حكومة الرئيس المنفيّ عبد ربّه منصور هادي، أو على «حماية الحكومة الشرعية في البلاد»، كما أوضح السفير السعودي في الولايات المتحدة الأميركية.

يتشدّق كاتبو السيَر الذاتية السعوديون بالإطراء على السنّة وتبجيلهم، وتحقير الطائفة الشيعية في كتاباتهم، ويتعمّدون التغاضي عن مدى تعقيد العقلية القبلية المحيّرة للمجتمع اليمني. وكلّ هذا مهّد سبل الدفاع السعودي المثير للسخرية ـ عن الديمقراطية ـ الطريق أمام حرب بريّة، طويلة، دمويّة، مرعبة ومكلفة للغاية.

هذا هو تماماً ما يحصل الآن.

وفي إجابة لرئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي خلال جلسة الاستماع للجنة القوات المسلّحة في مجلس الشيوخ حول «هوية الحليف والرئيس العربي الذي يحتضن داعش»، أجاب: «أعرف ـ بالأسماء ـ الحلفاء العرب الرئيسيين الذين يموّلونهم».

فالحكومة الأميركية لا تكتفي بعدم ملاحقة هؤلاء «الحلفاء» أو معاقبتهم بينما تفرض العقوبات على روسيا ، وتمطر الدول الحليفة بوابل من المساعدات العسكرية اللوجستية التي يموّل فيها هؤلاء تنظيم «داعش». لا يعمل أحد على إيقاف ذلك ما يسمح لحرب لا نهائية أن تبقى محافظةً على «وهج عطاءاتها».

ويبقى الأمر الأكثر إثارةً للفضول والسخرية، متمثلاً بالمواقف إزاء تصريحات أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، الذي قدّم في كلامه الأخير والحاسم، الحقائق الأكثر دقة وشمولية في ما يتعلق بأصول «الداعشيين» وإيديولوجيتهم، ليفصّل بعدئذٍ الحديث حول اليمن والسعودية وإيران.

إذاً، نحن نقف أمام «إمبراطورية الفوضى»، التي تقود من خلف الستارة، الحرب الدائرة في اليمن، وكذلك الحرب ضدّ «داعش» فالأحمال الثقيلة تُلقى على عاتق الميلشيات العراقية المدعومة من طهران. أما الأجندة أو الأهداف المخفية، فهي وكما جرت العادة ـ الفوضى سواء في سورية والعراق أو داخل اليمن. وكي تصيب عصفورين بحجر واحد، تسعى واشنطن إلى عقد صفقة نووية مع إيران، فيما تتحالف ضدّها مع آل سعود.

فييتنام… هذه المرّة في الصحراء

يرفض آل سعود أن تحصل باكستان على أيّ سجين، أو تقديم الدعم بمفجّرات الطائرات، السفن وغيرها الكثير من العديد البريّ في حربهم على اليمن. تتعاطى الرياض مع إسلام آباد على أنها دولة تابعة. ومن المهم للغاية أن نطّلع على حيثيات ما جرى في القناة التلفزيونية الأكثر شعبية في باكستان، التي حاولت معرفة موقف الأحزاب السياسية من الحرب السعودية على اليمن. يُتوقع من باكستان أن تكون محايدة وأن تتصرّف كوسيط وتتحاشى التورّط في أيّ تدخل عسكريّ، ما لم يكن هناك «تهديد ملموس» للحرَمين الشريفين في مكة والمدينة المنوّرة، وهذا مستبعدٌ جداً.

يستمرّ آل سعود في دفق الأموال بالأطنان على السلفيين والأئمة المتعصبين الداعين بأبواقهم إلى الحرب ضدّ الحوثيين اليمنيين والذي بدأت تتجلّى طلائعه في باكستان من خلال المقاتلين المدرّبين من قبل «القاعدة»، والذين حاربوا مع «طالبان» في أفغانستان وموّلهم الوهابيون المتعصبون.

وفي الوقت عينه، قد تتغيّر قواعد اللعبة الحقيقية المستقبلية في الصفوف الأمامية. فها هم الحوثيون يطلقون الصواريخ عبر الحدود نحو منشآت النفط السعودية. وما لبثت أن سقطت كلّ الرهانات، بعد التأكّد من امتلاك الحوثيين الصورايخ بعيدة المدى.

يلخّص هذا السيناريو كيفية استدراج الاستخبارات الخارجية، آل سعود إلى المستنقع الفييتنامي في اليمن، وتوريطهم بتحمّل السيل من الصواريخ التي تستهدف حقولهم وآبارهم النفطية، والعقبات الكارثية لكلّ ذلك على الاقتصاد العالمي.

إنه لمن المهم للغاية أن نتذكر أن الغراند آرمادا الفاسدة والتي صُنعت في الرياض، تحتوي على ما لا يقلّ عن 32 في المئة من إنتاج النفط العالمي… لكن الأمر لن ينتهي على ما يُرام.

كلّ شخص في اليمن يملك أسلحةً رشاشة، ناهيك عن القذائف الصاروخية والقنابل اليدوية. فالتضاريس الجبلية الوعرة هي فضاء العصابات الرحب. تاريخ يزيد على ألفَي سنة من محاربة القبائل للغزاة الأجانب. يكره معظم اليمنيين السعوديين ويرغبون بالانتقام منهم وتميل الغالبية اليمنية إلى تصديق ما أعلنه الحوثيون نهاية شباط الماضي، من أن الولايات المتحدة الأميركية وآل سعود يخططان لتدمير اليمن.

يشمل التمرّد السعودي كلّاً من السنة والشيعة، ما يفضح ادّعاءات السعوديين من أن التمرّد يقوم به الحوثيون والشيعة فقط. فعندما استولى هؤلاء على مكتب الأمن القومي اليمني، والذي هو في حقيقة الأمر مركز للاستخبارات الأميركية، عثروا داخل أدراجه على ثروة سريّة من الوثائق العسكرية «الخطيرة» لفصول الحرب الحالية في اليمن، فضلاً عن شروط توظيف عددٍ من الجنود اليمنيين. غير أن كلّ هذا بالنسبة إلى السعوديين لا يعدو كونه مزحة ثقيلة.

لا تزال عملية «عاصفة الحزم» حرباً أخرى غير مشروعة للبنتاغون أدخلت اليمن في دهاليز الحرب الأهلية والكوارث الإنسانية. فلا يمكن لبقايا «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية، ولمقاتلي التنظيم «الداعشي» كارهي للحوثيين والشيعة أن يكونوا أكثر راحةً وسعادة. لا تبالي «إمبراطورية الفوضى» لكلّ هذا الذي يجري في المنطقة. فكلّما ازدادت الفوضى، كلّما كان ذلك أفضل لحرب البنتاغون الطويلة.

كتبتُ مرة وقبل خمس سنوات، أن اليمن وزيرستان جديدة. وها هو الآن يسير على خطى صومال جديدة، وقد يصبح قريباً فييتنام آل سعود.

زلزال في المنظمات «الجهادية»

وفي سياق الحديث عن «القاعدة» و«داعش» والمتفرّعات من المنظّمات «الجهادية»، لفتنا مقال كتبه تسفي برئيل في صحيفة «هاآرتس» العبرية وجاء فيه:

حدث زلزال هذه الأيام المنظمات «الجهادية»: هذا الأسبوع، وللمرّة الأولى منذ عشرين سنة، نشرت «طالبان» سيرة حياة زعيمها الملا عمر. الذي استضاف أسامة بن لادن ومنحه المأوى في أعقاب أحداث الحادي عشر من أيلول، والذي حافظ لعشرات السنين على سرّية مطبقة التي جعلت منه شخصية غامضة، معروفة لدى القلائل فقط.

لم تُنشَر صورته أو طبيعة حياته أو مكان اختفاءه غير المعروفين. يعتبر نشر سيرته الذاتية، ثقافته ومآثره الكثيرة ضدّ «العدو الأميركي» أمراً استثنائياً، ويثير اهتماماً كبيراً، وتحديداً بسبب توقيته.

وفقاً لخبراء أفغانيين وباكستانيين يتابعون المنظمات «الجهادية»، فإن التفسير لكسر الأسوار الغامضة، مرتبط بالتسرّب المتزايد من مسؤولي «طالبان» إلى «الدولة الإسلامية ـ داعش». الذين يشعرون أنّ زعيم «طالبان» منفصل عن جمهور مؤيديه وأنّه لم يعد مؤهلاً من أجل إكمال رسالة الحركة العليا. خصوصاً أنّهم يرون أن مصادر تمويل الحركة آخذة بالانكماش. كما أنّ هناك جزء آخر من الحركة يعارضون عملية التصالح مع الحكومة الأفغانية خوفاً من أنّ عدم نجاح المشروع، سيؤدّي إلى تراجع الحركة عن مراكز القوة التي سيطرت عليها.

من هنا، جاء إبراز قوّة الملا عمر ووجوده العلني، وعرض نفسه كزعيم وحيد ممكن لحركة «طالبان»، وكبح جماح تيار «المتسرّبين» «إمارة داعش في خراسان»، التي تطمح لتمثيل «الحركة الإسلامية» في أفغانستان وباكستان وإيران والهند.

في الطرف الآخر من الشرق الأوسط، نُشرت مؤخراً تقارير من عدّة مصادر، جاء فيها أنّ زعيم «القاعدة» أيمن الظواهري، يعتزم الاستقالة. ووفقاً لهذه التقارير، فإن الظواهري أعطى الحرّية لرؤساء «الفروع» في أنحاء الشرق الأوسط من منح الولاء للمنظمة، وحثّهم على الانضمام إلى منظمات إسلامية أخرى، ومن بينها «داعش».

هذه المعلومات المفصّلة جدّاً أدلى بها أيمن دين، أحد نشطاء «القاعدة» الذي تركها في تسعينات القرن الماضي، إلّا أنّه ما زال يحافظ على روابط وثيقة مع المنظمات الإسلامية. ففي مقابلة مع صحيفة «الحياة» اللندنية، تحدث دين كثيراً عن أنّ الظواهري توصل إلى استنتاج مفاده أنه لم يعد مؤهلاً لمنافسة «داعش». على رغم نجاحه في إقامة ثلاثة فروع جديدة في الصومال «الشباب»، وفي سيناء والهند. الخلافات الداخلية، خصوصاً في الفرع الأهم في اليمن، والذي اجتاز جزءٌ منه الحدود إلى «داعش»، جعل من «القاعدة» منظمة ثانوية وهامشية.

وفي سورية أيضاً، والتي عملت فيها «القاعدة» من خلال «جبهة النصرة»، بزعامة أبي محمد الجولاني، فإن وضع المنظمة فيها أيضاً ليس متيناً. فـ«جبهة النصرة» التحقت بـ«القاعدة» في مرحلة متأخرة من القتال ضدّ «داعش»، وفي أعقاب الخلاف المرير بين الجولاني وزعيم «داعش» أبي بكر البغدادي. فالبغدادي الذي كان زعيم «القاعدة» في العراق قبل أن يصل إلى سورية، تم الطلب منه من قبل الظواهري بالعودة إلى العراق، والعمل من هناك، وأن يترك لـ«جبهة النصرة» إدارة المعركة في سورية. إلّا أنّ البغدادي، الذي أصبح مسيطراً على عددٍ من المناطق في البلاد، رفض طلب الظواهري وأعلن انفصاله عن «القاعدة»، من خلال توجيه بعض الشتائم للظواهري، ورفض التعاون مع الجولاني إلى أن يعلن الولاء له.

إلّا أنّه يبدو مؤخراً، أنّ «جبهة النصرة» أيضاً تواجه معضلة صعبة. فقطر التي على مدار سنوات وفّرت لها التمويل والمساعدة، ووضعتها تحت رعايتها غير الرسمية، تتطلع إلى فصلها عن «القاعدة» وإلحاقها بمنظمات إسلامية أخرى، والتى تحظى باللقب غير المبرّر «المعتدلة». من أجل التمكن من شطبها من قوائم الادارة الاميركية للمنظمات الإرهابية، وكي تتلقى بشكل مباشر المساعدات من قطر من دون إحراجها، وكي تنضمّ إلى القتال ضدّ «داعش» والرئيس السوري بشار الأسد.

إلا أن «جبهة النصرة» التي تسيطر على عدة مناطق استراتيجية، ما زالت ترفض القرار. ولم يتّضح للمنظمة بعد ما هي الفائدة التي ستجنيها من انفصالها عن «القاعدة»، والتي تجبرها على القتال إلى جانب منظمات لها اختلافات إيديولوجية معها وربما تقاسمها بعض المناطق الخاضعة لسيطرتها، والتي تجني منها أرباحاً آنية. وفي المقابل، فإن رفض الطلب القطري من شأنه أن يمسّ بمصادر تمويلها. وفي حال نجحت قطر بضمّ تركيا إلى محاولات الاقناع، فإن ذلك من شأنه أن يغلق الممرّ الآمن والحيوي مع تركيا من أجل نشاطات «جبهة النصرة».

تدلّ منظومة الاعتبارات هذه على أن الولاء أو عدمه لتنظيم «القاعدة»، غير قائم على الايديولوجيا، بل على قيم براغماتية تتعلق ببقاء التنظيم. وبناء على ذلك، فإن «جبهة النصرة» تدرس إمكانية إقامة منظمة جديدة بِاسم جديد، يسمح لها بالتحرّر من قائمة المنظمات الإرهابية من جهة، وضمان تمويلها من جهة أخرى. ولكن على ما يبدو أن خطوة كهذه ستسبّب انشقاقاً جديداً في صفوف المنظمة، ما يضعف قوتها العسكرية وكذلك قوة مساومتها أمام قطر.

لقد تلقت «جبهة النصرة» ضربة إضافية ثقيلة هذا الأسبوع، بعدما خسرت معركة مخيم اليرموك الفلسطيني. فالقوة المسلحة الأكثر تأثيراً في المخيم تعود لمنظمة «أكناف بيت المقدس»، التابعة لـ«حماس» والمدعومة من الاخوان المسلمين في سورية، خصوم «جبهة النصرة». فالصراع بين هذه التنظيمات جاء لمصلحة «داعش». ووفقاً لعدة تقارير، فإن أفراد من «جبهة النصرة» ساعدوا «داعش» في القتال ضدّ «أكناف» المنظمة الحمساوية. وهناك شكوك كبيرة أنّ هذه الاجراءات قد نُسّقت مع الظواهري، البعيد إيديولوجياً عن «داعش» وعن الاخوان المسلمين.

طبيعة الأزمة المتقلبة، والتي تعرض كل لحظة منظومة جديدة وأحياناً غير منطقية من التحالفات بين المنظمات، تجعل من الانتماء إلى أعلى ـ لكلّ منظمة ـ على غير ذي صلة بالايديولوجيا. فلم يعد يفرق إذا كانت «جبهة النصرة» تابعة لـ«القاعدة» أو حتى تموّل من قبلها، حتى ولو كانت في مناطق أخرى تتعاون مع «داعش» وغيره ممن تعمل ضدّه. وبصورة مشابهة يمكن رؤية تقديم الولاءات من أكثر من 30 منظمة إسلامية حول العالم لـ«داعش»، أو انفصال جزء منها عن «القاعدة». فـ«داعش» بحاجة إلى هذه الولاءات كي يجعل من نفسه التنظيم الاكبر والأقوى، وبشكل أساسي من إجل إزاحة ـ إن لم يكن للقضاء على ـ «القاعدة» كمنظمة منافسة. إذ عملت «القاعدة» بصورة مشابهة من قبل، فأبعدت من داخلها الذي ينافسها حالياً على وجودها.

في بداية طريقه، ميّز أسامة بن لادن بين نوعين من الأعداء: القريب ـ الانظمة العربية والإسلامية التي لا تطبّق الإسلام الصحيح، والبعيد ـ وأساساً الغرب الذي يحاول تصدير ثقافته والسيطرة على بلاد الإسلام، ويزعزع القيم الدينية. ضدّ هذين العدوّين يجب القتال جنباً إلى جنب، هكذا أفتى بن لادن. وبعد الحروب في العراق وأفغانستان، تحوّل العدو البعيد إلى قريب جدّاً بسبب وجوده في البلاد المحتلة، الأمر الذي ساعد في تجنيد المناصرين، ليس فقط بِاسم الدين، بل بِاسم القومية. ولاحقاً أنشأ بن لادن فروعاً في معظم الدول الإسلامية التي دُعمت من قبل منظمات متطرّفة وإرهابية، والتي كانت أهدافها الرئيسة، الانظمة المحلية. ولكنهم ساهموا أيضاً في نشاطات لمهامٍ دولية.

على هذا الاساس، أقام أبو بكر البغدادي رافعة سلطته. ففي ظلّ هذا المبنى الصلب من الممكن أن يتلقى «داعش» هزيمة في دولة أو في منطقة معينة، ولكن البنية الاساسية التنظيمية له تستمر في التواجد، وفي ضمّ فروع «القاعدة» إليه أيضاً.

بيبي أسكوبار، المراسل المتجوّل لـ«Asia Times/Hong Kong»، ومحلّل لـ«RT» و«TomDispatch»، ومساهم في مقابلات تحليلية للمواقع والبرامج الإخبارية بين الولايات المتحدة الأميركية وشرق آسيا.

محلّل سياسي صهيوني متخصّص في الجماعات الإسلامية والمتطرّفة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى