كيف يكون الحلّ في سورية متعدداً على شاكلة المشاركين؟
د. وفيق ابراهيم
يثير المروّجون للحلول السياسية أو العسكرية سخرية المتابعين بعمق… فللحرب في سورية طابع خاص يتسم بتضخّم الأدوار الدولية والإقليمية والعربية مقابل تواطؤ داخلي شحيح، ما يجيز القول بموضوعية إنها «حرب على سورية» بفيالق وأسلحة وأموال متعددة ومتنوعة ووسائل إعلام غير سورية.
فكيف يمكن للحلّ أن يتبنى اتجاهاً واحداً مع أطراف متنوعين وذوي روابط متناقضة؟
أصحاب الأدوار هنا يجاهرون ومن دون حياء بتمويل الحرب وتسليح الأصوليين الأجانب، مهتمين أيضاً بفتح الحدود أمام تدفقهم من تركيا والأردن وأنبار العراق وشمال لبنان والبحر. ناهيك عن تأمين التدريب واللوجستية وخدمات الأقمار الاصطناعية ونقل الذخائر والسلاح والمقاتلين الإرهابيين من أربع أرياح الأرض. من دون نسيان توفير التأييد المطلق من منظمات «بان كي مون» وجامعة «العربي» والاتحاد الأوروبي ونحو تسعين دولة تستظل السياسة الخارجية الأميركية.
أليست هذه الأعمال أكثر من إعلان حرب؟ لا سيما أنها أدت إلى دخول مئات ألوف المسلحين الأجانب والعرب إلى أنحاء سورية، وينتمي معظمهم إلى منظمات القاعدة ومشتقاتها، كما يتلقون التعليمات من غرفتي أركان منصوبتين في الأردن وتركيا على مقربة من حدودهما مع سورية.
هؤلاء لا يريدون إلاّ إنشاء الإماراة الإسلامية، ما يعني رفضهم الحلول المدنية وسائر أنواع المفاوضات. إن هذه التوضيحات لا تندرج في إطار سوق اتهامات خطابية، والصحيح أن مصادرها مستقاة من تصريحات لمسؤولين أميركيين وبريطانيين وفرنسيين وقطريين وسعوديين وأتراك وأخيراً «إسرائيليين»، بدأوا يشرفون على «التكفيريين» في جبهة القتال في الجولان المحتل وتستثنى معارضة الداخل غير المتورطة في المعارك الداخلية. إلاّ أننا نسجّل عتباً كبيراً عليها لتقديمها «السياسي» على «الوطني» فهناك أطراف خارجية تحرق البيت السوري وثمة ضرورة للتصدي لها فوراً لوقف الإحراق، على أن تتفاوض حول «السياسي» بعد إنهاء خطر المتطرفين، لا أن تستعملهم وسيلة للابتزاز. والباقون من المتورطين من أبناء الداخل السوري ليسوا أكثر من كتل من النفعيين ضاقت بهم السبل فأرادوا الارتزاق فأكلوا من أموال قطر والسعودية. وهناك آخرون أسسوا تنظيمات إرهابية وتكفيرية، فيما أنشأ آخرون عصابات قرى وأرياف يسرقون من الخطف والسرقة والتجارة بالنساء وبيع النفط المسروق وآلات المصانع المحروقة، وأخطرهم من اختبأ داخل تنظيمات دينية وتاريخية لها أسماء أكبر من حجمها ودورها ولا تمارس إلا تجارة جهاد النكاح وإصدار تهديدات تلفزيونية! وللذكرى فإن ما يسمى «الجيش الحر» يوشك على الاختصار، بعدما أنهت الدول الداعمة دوره.
لذلك فإن الأطراف الأساسية المحاربة في سورية هي مجموعات «القاعدة» ومشتقاتها وعشرات التنظيمات التكفيرية الأخرى الشبيهة بها، إنما على غير قاعدة الارتباط. ومجمل هؤلاء يرتبطون مصيرياً واستخبارياً بالسعودية وقطر وتركيا. هذه التكفيريات التي فاق عديد إرهابييها مئات الألوف من أجانب وعرب وقليل من السوريين، يجتمعون على أهداف واحدة: قتل المدنيين والجيش العربي السوري وتدمير كامل البنى الأهلية والحكومية وما يمت بصلة إلى سورية. إن هؤلاء لا يريدون الحل السياسي، مركزين على ضرورة إنشاء «الخلافة الإسلامية» ومستندين إلى الدعم العالمي غير المسبوق.
بالعودة إلى معارضة الخارج المقطوعة الصلة مع الداخل، إلا عبر «السكايب» أو «التسلل» إلى مناطق تخضع للمعارضة قرب الحدود، فهي ليست أكثر من أبواق سياسية لا قدرة لها لا على إعلان حرب، ولا على وقف لإطلاق النار..
نتساءل بعد هذه الإيضاحات: كيف يكون الحلّ؟
لا إمكان مطلقاً لجذب التكفيريين إلى المفاوضات، فهذا يخالف السيادة ومنطق الدولة وإيديولوجيتها العربية المدنية، وكيف يمكن التفاوض مع من يعلن الحرب على سورية شعباً وجيشاً ودولة؟ّ
بالاستنتاج، يتبين بوضوح أن الحل الوحيد مع المنظمات التكفيرية الأجنبية والمحلية هو الحل العسكري القادر على إجلاء مئات ألوف المسلحين من جهاديات الكفر والنكاح إلى خارج البلاد واستعادة السيطرة على الحدود السياسية مع دول الجوار، وهذا يفعله بواسل سورية راهناً في حلب وحمص وأرياف دمشق.
تبقى أطراف الداخل المسلحة والمدنية، ففي وسعها المشاركة في مفاوضات مع النظام لاستيلاد سلم أهلي وسياسي واقتصادي على قاعدة التطوير التدريجي للنظام وتزويده آليات تمثيلية رحبة كمثل ما جرى في كل بلدان العالم. والدليل موجود في الانتخابات الرئاسية المقبلة التي بدأت ترسم المشوار الطويل للديمقراطية، وهي مناسبة تاريخية لدعم الرئيس بشار الأسد في معركته ضد الإرهاب الدولي والإقليمي على قاعدة أن هذه السورية تستحق الدفاع عنها ضد الانتماءات الدولية والعربية والتركية غير المسبوقة التي تحرك اليوم «إسرائيل» وتحاول الزج بباكستان في أتون الأزمة السورية.
ولسورية الموحدة بقيادة الأسد حساب مرير مع من قتل أبناءها مدمراً حجرها ومدنها، وهم أميركا وفرنسا وبريطانيا والسعودية وقطر وتركيا. هؤلاء مسؤولون عن إعادة إعمارها، كدول… ويجب أيضاً أن تدفع كأنظمة ثمن الدم السوري الذي سال ولا يزال يسيل دفاعاً عن الأمة بأسرها، وبمحاكمة تلك الدول على جرائمها ضد الإنسانية، لعلها تصبح عبرة لمن يعتبر في هذا الزمن الرديء الذي أضحى فيه العميل بطلاً، والخائن من أولياء الله الصالحين، والمرتزِق مجاهداً، ولله في خلقه شؤون.