عيناتا… بلدة العلماء والفقهاء والمقاومين والشعراء

تحقيق: غادة الدايخ وكوثر عيسى

على عين عيناتا عبرنا عشيّةً

عليها عيون العاشقين عواكفُ

على عينها مرّوا، وفي قلبها سكنوا، وعلى صدرها تركوا أهمّ البصمات التاريخية التي عصفت بثقافة وأدبٍ وشهادة ومعرفة. فنطقت بصوت الحق ونصرت المظلوم ورفعت اسم «جبل عامل» عالياً، فكانت «عيناتا» شعاع النور في ليالي الظلمة، وفسحة الأمل في ضيق الأيام.

كانت هذه الأرض على علاقة دائمة بالحرف، بالعلم، بكل مكوّنات المعرفة، إذ إنها افتتحت حياتها بحوزة العلم التي ضمّت العلماء، ففُتح باب الشعراء والأدباء والمثقّفين الذين عاشوا وتربّوا على مجالس العلم والعلماء، مكوّنين فئة متنوّرة تفهم الحياة والدين والتنمية بطريقة عقلانية. الأمّيون أيضاً صنعوا ثقافة قريبة في مجتمع متنوّع الثقافات، فكلما ملك الإنسان المعرفة، كلما كان جزءاً من العام، وعلى تماس مع القضايا الإنسانية وما شابه.

حتّى الشهادة في عيناتا خيار معرفة وفطرة سليمة، جعلت فطرة الشهداء لا تشوبها شوائب على مستوى الوعي. فكان مستوى متقدّماً، ما أدّى إلى خياراتٍ قائمة على مواجهة التحدّيات في كل المراحل. الشهادة قيمة ورمز، وذخر صُنع من عرق الأجداد والآباء بصبر يحدّث عنه التاريخ، فأدّى إلى نصر بحجم العالم.

مساحة «جبل عامل» ليست جغرافية، لكنها على مستوى الأُمّة كلّها، فأي قضية كانت تحصل على المستوى القومي، كنا نرى المجتمع العاملي والعلماء والأدباء والشعراء، تصدّياً يرفع راية التأييد والتسديد لكل الظواهر. من الثورة الجزائرية إلى القضية الفلسطينية، إلى غير ذلك من القضايا القوميّة، فكان المجتمع العاملي أساساً في هذه القضايا، وكانت عيناتا جزءاً لا يتجزأ من هذا التاريخ، ومحطة أساسية لكل المراحل.

من صنع مجد عيناتا منذ زمن، كانوا الشيوخ من المرجعيات الدينية. ومن أهمّ هؤلاء الفقهاء والعلماء: السّيد نجيب فضل الله، المرجع السّيد محمد حسين فضل الله، العلامة السيد عبد اللطيف فضل الله، السيد محمد سعيد فضل الله الذي قضى حياته في العراق طالباً العلم، وكان مهيئاً وعلى أبواب المرجعية، السّيد عبد الرؤوف فضل الله، السيّد علي فضل الله نجل السّيد محمد حسين فضل الله، السيد علي فضل الله نجل السّيد عبد اللطيف فضل الله.

الموقع والسكّان

تقع عيناتا في جنوب لبنان، تبعد بضعة كيلومترات عن فلسطين المحتلّة ـ كانت عيناتا قلب الحدث دائماً لكونها تتمتّع بموقع استراتيجي هام، منذ الاحتلال العثماني وحتى الاستعمار الفرنسي، لكنها بقيت حاضرة في الفكر العاملي.

تتبع عيناتا إدارياً لقضاء بنت جبيل ـ محافظة النبطية، تبعد عن بيروت 120 كيلومتراً، وتحدّها بلدات عدّة: بنت جبيل غرباً وجنوباً، كونين، شقراء وبرعشيت شمالاً، عيترون وبليدا شرقاً. وتعتبر عيناتا عقارياً من كبريات المساحات، إذ تبلغ مساحتها 21 كيلومتراً مربّعاً.

عائلات عيناتا: أبي جمع، حسام، خاتون، جعفر، شكر، فضل الله، ابراهيم، خنافر، سمحات، يسّام، نصر الله، وهبي، قعفراني، غانم، الجمّال، عربيد، حيدر، قطيش، أيوب، السيد علي، دعبول، النمر، طرابلسي، ناجي، فرج، محسن، ديراني، منصور، حمود، مصطفى، شحادي، عبد، شامي، بغدادي، نعمة، أسعد، شبلي، عجمي، عبد الله، درويش، خزعل، ومكنّا.

خرّجت عيناتا عدداً من الإعلامين، أولهم الإعلامي محمد كمال فضل الله، ومنهم اليوم: زاهي وهبي، محمد علي غانم، حسن فضل الله، مريم البسّام، موسى ابراهيم، عبير درويش، ليلى دعبول، وشريف ابراهيم.

عُرفت عيناتا بالجانب الوطني، ففيها الوطنيون والأحزاب الوطنيّة التي كان لها دور بارز في التصدّي كحزب «اليسار» وما شابه، أمّا الثورة التي اندلعت عام 1936 أيام الفرنسيين، فواجه شبّان عيناتا الاحتلال الفرنسي وسقط شهيدان من آل دعبول وآل الجمّال.

كذلك لعبت عيناتا دوراً أساسياً ومهمّاً ابتداءً من خمسينات إلى ستيّنات القرن الماضي، فاحتضنت المقاومة الفلسطينية. وفي قصة يؤكّدها كثيرون تدليلاً على ذلك، دخل الجيش اللبناني ليعتقل بعض الفدائيين لأنّ ذلك العمل كان لا يبرّر، فيقال إن إحدى كبيرات السّن تمدّدت أمام دبابة الجيش، وقالت «لن تمرّوا إلى على جسدي»، حمايةً للعمل الفدائي الذي كان يُعتبر أمراً هاماً، والفدائي فوق البشر لأنه حالة متقدّمة.

إلى الثورة الجزائرية التي أهم ما كتب فيها السيّد عبد اللطيف فضل الله «المجد قطب والفضائل سلّم والعزّ يخصب حين يسقيه الدّم».

كانت تشتعل عيناتا دائماً بمشاعر الحسّ الانسانيّ، الأخلاقيّ، الدينيّ، القوميّ، تجاه كلّ القضايا التي كانت تعيشها الأمّة.

وجوه وأعلام

كان السّيد نجيب فضل الله من أبرز علماء جبل عامل في عصره، أمضى سنوات كثيرة في التحصيل العلمي والفقهي بعد مغادرته عيناتا، ولكونه العالم التقيّ الذي يملك الشخصية الفذّة والصلابة في المواقف، طالبه أهالي البلدة بالعودة إلى بلدته، فعاد من ينصر الضعيف والمظلوم.

بنى الحوزة العلمية في البلدة، وكانت طبيعة أفكاره نهضوية في مرحلة جمال الدين الأفغاني. خرّجت الحوزة علماء كثيرين، ورفعت من الأفكار الإصلاحية، وكان السيد على مستوى الميداني يمثّل الحالة النهضوية المتصدّية للسياسة.

يُشهد لهذا الرجل أنه وقف للإقطاع السياسي الذي كان «يفلح بظفره»، والذي تجرأ على الناس حتّى وصل ظلمه إلى عيناتا، ففعل السّيد ما لم يقدر على فعله كائن حيّ في ذلك الوقت، حين شكا بعض الناس للسيّد نجيب الذين ظلموا من من بعض رجال الإقطاع، فبعث السيد نجيب رسالة إلى كامل الأسعد القديم ، جاء في عنوانها: «جرثومة الفساد وفرعون البلاد لأهدمنّ مجدك ولأقوّضن عزّك إذا لم ترتدع عن غيرك…».

استغلّ الاسعد الوضع الحسّاس بين السيد نجيب فضل الله وأحد المجتهدين، السيد علي محمود الأمين في شقراء، فذهب الأسعد إلى الأمين، فقال الأمين له: «ما يرضي السّيد نجيب يرضيني»، فذهب الإقطاعي الأسعد إلى عيناتا ووصل إلى الديوان راكعاً، فرفض السيد أن يعطيه يده، فأقسم عليه إن لم يعطه يده فسيقطع الأسعد يده لأجله، اضطر السيد إعطاءه يده ليسلّم عليه.

السيد عبد اللطيف الذي كان من أهمّ العلماء والشعراء وكان له ديوان شعر وحضور بشكل خاص على مستوى مواجهة الاحتلال ومواجهة الاقطاع والقضايا التي لها علاقة بالناس والمستضعفين.

هو نجل المرحوم العلاّمة السّيد نجيب فضل الله. ولد في عيناتا وتلقّى علومه من والده في المرحلة الأولى، اضطلع بمهمة معالجة أمور الناس الدينية. سافر إلى النجف لمتابعة العلم، وعاد إلى البلدة رغبة من الأهالي، فأصبح مقصداً للعلماء بمختلف الانتماءات، وكان المحاور والمستمع، وأقفل سجناً لا يصلح للبشر، كما رفض التطبيع وحاربه حتى النفس الأخير.

أُسِّس نوعاً من العمل الكشفي في مرحلة الاحتلال حين لم يجرؤ أحد على التكلّم بوجود نوع من سياسة التطبيع، فواجه الشبّان ظواهر الاحتلال متغطّين بعباءة السّيد التي كانت نوعاً من الحصانة لهم، وبحوالى 300 عنصر في هذا الكشّاف، استطاعوا تأسيس جيل وكسر حالة التطبيع خلال مقاطعتهم البضاعة الأميركية.

العلاّمة السيّد عبد الرؤوف فضل الله، والد عام 1907 في عيناتا، وسافر إلى النجف أيضاً لاكتساب العلم بعدما تلقّى بعضاً من علومه في بلدته. درس مع أبرز العلماء والفقهاء في النجف، وحاز درجة علمية عالية.

أصبح إماماً لبلدة بنت جبيل بعدما تمنّت عليه مجموعة كبيرة من الأهالي ذلك. كان زاهداً ورِعاً مجتهداً، مبتعداً عن رجال الدين المتصدّرين للسياسة.

العلاّمة السيد صدر الدين فضل الله الحسني، ابن عيناتا، ترعرع وكبر في بيئة دينية، عاش في النجف لفترة طويلة لمتابعة التحصيل العلمي والفقهي، إذ درس على يد علماء عصره، وعند عودته إلى البلدة، كانت المشاكل تحلّ على يده.

السيد محمد حسين فضل الله

العلّامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله، نجل العلّامة السيّد عبد الرؤوف فضل الله، ولد في النجف الأشرف عام 1936، عاش مع عائلته هناك، واكتسب العلم من والده وتابع في الدراسة الفقهية، ثمّ انتقل إلى البحث الخارجي، وأكمل دراسته في النجف لسنوات طويلة، وتولّى بعدئذٍ رئاسة تحرير «مجلّة الأضواء».

استقرّ في لبنان بعد عام 1955 في بنت جبيل، ثم عاد إلى النجف مجدداً، واستقرّ في لبنان عام 1966 في الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت، وكانت انطلاقته الأولى من هناك من حيث المحاضرات والخطب والتوجيه الديني، وعمل على تأسيس حوزة علمية سميّت «المعهد الشرعي الإسلامي»، تتضمّن أيضاً مستوصفاً خيرياً ومكتبةً ونادياً حسينياً في المبنى نفسه.

أقام الندوات الحوارية والمحاضرات مع كثيرين من المثقّفين اليساريين وغيرهم، كما نظّم عدة لقاءات حوارية مع كوادر حزبية من قوميين شيوعين وبعثيين ومستقلّين.

كان السيّد يعمل ستة عشرة ساعة بين التدريس وإلقاء المحاضرات والصلاة والكتابة واستقبال الناس وسماع شكواهم والاهتمام بأمورهم. كما اشتهر بمواقفه الصلبة والمتمكّنة.

السيد محمد حسين فضل الله من أبرز العلماء الإسلامين ثقافة في كل المجالات. إذ رفع من شأن العلم والثقافة والحوار على صعيد العالم الإسلامي عموماً، ولبنان خصوصاً. مؤسّساً عدداً من المؤسسات المختلفة الفاعلة مثل المبرّات الخيريّة.

عرف بانفتاحه على الآخرين، وبمناصرته المرأة في تحصيل حقوقها، وبنبذه الطائفية والمذهبية إلى أبعد حدود.

التنمية والمقاومة

كان السيّد علي فضل الله ـ نجل السيّد عبد اللطيف فضل الله ـ أوّل من رفع الصوت في المنطقة حول مشكلة التنمية على مستوى عيناتا والجنوب كلّه. وخلال حديثه إلى «البناء» وموقع «صوت الفرح» الإلكتروني، اعتبر السيّد أن التنمية ليست بناء الحجر والمؤسسات وتزفيت الطرقات، إنما هي تبدأ بمسألة التعاطي مع الإنسان وهمومه، ولهذا ترتفع نسبة الهجرة وما زالت حتّى بعد التحرير. وكمنت المعاناة أيضاً في المؤسسات التنموية والصحيّة والتعليمية.

وشدّد على ما قاله السّيد موسى الصدر، أنّ من أهمّ أوجه الصراع مع «إسرائيل» عناصر القوّة، فمسألة المجتمع المقاوم تبدأ بالإنسان أولاً والمؤسسة ثانياً، واليوم ـ بحسب قوله ـ الصراع مع «إسرائيل» ربما يتأجّج في أي لحظة من اللحظات.

وقال: «أعطونا مشروعاً تنموياً أساسياً على مستوى المنطقة لخلق فرص عمل لهذه الشباب التي ترتبط بأرضها لنحدّ من مشكلة البطالة. الطرقات والتزفيت والبنى التحتية ليست أولويّات. فاليوم، تُغلق مدرسة رسميّة من أحسن ما يكون، بغياب الجهاز الإداري والإدارة والرعاية والسبب عدم اهتمام المعنييّن لطبيعة المتطلبات والشروط الضرورية التي تؤمّن استمرارية هذه المدرسة بنجاح».

وتابع: «أبسط ما يحتاجه الإنسان، الطبابة والخدمات الصحّية. ونقول دائماً إننا يجب أن نكون في خدمة الناس بعيداً عن كل الاعتبارات الحزبية والعائلية. فثمة إشكالية تكمن في المستشفى الحكومي في بنت جبيل. إنه لعيناتا ولغيرها في القرى، وأطلقنا الصرخة في مؤتمر صحافي ودعونا كل النّاس إليه، فالمستشفى من حيث البناء والتجهيزات من أفضل المستشفيات. إنما من حيث الإمكانيات والموازنة والطاقم الطّبي… حدّث ولا حرج. أضعف موازنة في وزارة الصحة هي موازنة مستشفى بنت جبيل».

وأضاف: «كيف لنا أن نتحدّث عن المجتمع المقاوم، بينما القضايا الجذرية يشوبها الخلل؟ المشكلة الأكبر أن المجتمع ليس مترابطاً على المستوى الإنساني والأخلاقي، مجتمعنا اليوم جهوّي وعصبي، ولكن تاريخ جبل عامل قائم على الإلفة والمحبّة وعيناتا جزء من هذ التاريخ».

منتدى الفكر

منتدى الفكر لإحياء التراث العاملي، الذي أسسه السيّد علي فضل الله في بلدته عيناتا، أُسّس عام 2001. أثار القضايا الانسانية والاجتماعية والثقافية، وأطلق نوعاً من العمل الثقافي التنويري لمواجهة الظواهر الرجعية، فلا بدّ أنّ نتحلّى بالعلم والمعرفة والابتعاد عن التعصّب، حتى يتوازى عمل المقاوم والبندقيّة مع المشروع الفكري والإنساني، ليشكّل هذا الحضور الذي يستطيع أن يصمد في ساحة المواجهة على كلّ المستويات.

وكان دور المنتدى يتمحور حول إثارة حالة ثقافية ومعرفية على مستوى منطقة جبل عامل ككل، وأن يقف أمام كل النهضويين العلماء الذين ساهموا في بناء هذا الجيل من حيث الفكر والشعر والأدب. وعلى قاعدة أن الذاكرة يجب ألّا تنسى، فهي التي تصنع الحاضر والمستقبل، كان الهدف الأساسي استحضار الذاكرة بكل مواقف شهدائها وعلمائها. وذاكرة جبل عامل وعيناتا حيّة بكل معنى الكلمة، وليكون الواقع مضيئاً وتاريخاً عاملياً له جذوره بتاريخه الكبير والعظيم.

جاء هذا العمل ليتوازى مع البندقية والحالة المتقدّمة للمقاوم الذي أنتج نصراً وعزّة، وكرامة تتوازى مع الحالة الفكرية. فالبندقية دورها الدفاع عن الهوية لتعزيز الجانب الفكري والمعرفي. كما استطاع المنتدى أن يعمل على ترابط إنسانيّ وبناء علاقات بين أبناء المنطقة، وجعل المساحات مشتركة أكثر بين الناس. كما أعاد إحياء النشاطات الشعرية التي توقفت لبعض الوقت في جبل عامل، وألقى الضوء على شخصيات مهمّة كثيرة.

يعمل المنتدى اليوم على نقلة نوعية حتى يكون خطابه الإنساني على مستوى لبنان ككل.

ويقول السّيد علي فضل الله: «كان له الشرف في إطلاق هذا العمل منذ العام 1980، إذ ذهبت في البداية إلى الجامعات في بيروت، وانطلقنا على مستوى إعداد الجامعات».

وعن نشاطات المنتدى يقول: «مهرجان تكريميّ للعلامة السّيد عبد اللطيف فضل الله، مهرجان تكريمي للمجتهد السيد محسن الأمين، لقاء تكريميّ للمؤرخ السيد حسن الأمين، لقاء تكريمي للمرجع الديني السيد محمد حسين فضل الله، مؤتمر فكري حول الإحياء والتجديد عند العلماء العامليين المعاصرين، مهرجان تكريمي لشعراء عيناتا، مؤتمر فكري حول المكوّنات الحضارية في الثقافة العاملية، مؤتمر فكري حول الخطاب الديني وإشكاليات الواقع المعاصر، مهرجان تكريمي للشاعر السيد محمد نجيب فضل الله، مهرجان الشعر العربي، ندوات حوارية ثقافية وسياسية، والمعرض السنوي للكتاب.

الشيخ عباس ابراهيم

وكان لقاء مع الشيخ عباس ابراهيم الذي قال: «طينة الناس طيّبة والمعدن صاف يحتاج فقط إلى نفض الغبار عنه، ووظيفتنا كعلماء ونخبة، أن نعمل للمستقبل للتركيز على المعدن الصافي والنقي، والغبار هنا الحروب وتداعياتها. لا أحد يخاطب الناس ثقافياً. علينا أن نعيد الناس إلى الثقافة والعلم».

ويضيف: «كعالم دين ـ وبحكم صغر سنّيأـ وجدت أن وسائل التواصل الاجتماعي اليوم هي الأقرب إلى الناس. ومن خلال معرفتنا بأهل عيناتا والمغتربين بعد غياب، استطعنا الدخول إلى البيوت من خلال هذه الوسائل، ووجدنا أن الناس فعلاً يبحثون عن المعرفة، ونحن جزء من الجمهور، وعلينا مخاطبتهم وكأننا أفراد منهم. لدينا إشكالية في بعض القرى، وتتمثل الاشكالية في الحاجز بين المستمع والمتكلّم. بعض المتصدّرين في الشّأن الديني يمارسون الدين بالخلفية القديمة، والصحيح أن نحاكي الشباب بلغتهم، لأن جمهورنا الأكبر اليوم هم الشباب».

ويقول: «تُعرف عيناتا بالثقافة، وفيها نسبة متعلمين كبيرة في كل المجالات، هي لوحة رسمت بإتقان إنما تحتاج إلى تلوين، ولا يهم إن كان اللون أحمر أو أصفر أو أسود، كثرة الألوان تعطي جمالية، نقول للشباب تعلموا وللكبار تعالوا لنلوّن عيناتا سوياً».

رئيس البلدية

لبلدة عيناتا تسمية ثانية، فهي حاضرة جبل عامل، حاضرة بأدبها بشعرائها بشهدائها، وتعتبر من القرى الأساسية في جبل عامل.

مرحلة عدوان تموز كانت مفصلاً على صعيد البلد، دُمّر في عيناتا تقريباً حوالى 430 وحدة سكنية، وكل التراث والحجر القديم دمر كاملاً، وتغيرت معالم القرية بشكل كبير. فحُرمنا من ذاكرتنا وتراثنا. وبفضل صمود الأهالي والمقاومين والشهداء الذين رووا هذه الارض بدمائهم، إذ سجلت عيناتا 34 شهيداً في تموز بين مدنيّ وعسكريّ، منهم اربعة عشر مقاوماً، عادت الحاضرة لتُبنى من جديد، ولتعود من تحت الركام. وهذا ما تؤكّده البلدية.

تأسّست البلدية الأولى في عيناتا عام 1962، واستمرت حتى عام 1970 ثمّ حُلّت، وجاءت فترة الاحتلال الصهيوني حتى عام التحرير 2000. عام 2001، أجريت انتخابات بلدية تمخّضت عن مجلس بلديّ نشيط، وفي عام 2004 انتخب مجلس بلدي جديد، استمر حتّى اليوم.

«البناء» و«صوت الفرح» التقيا رئيس البلدية عبّاس عبد الكريم خنافر، الذي قال: «تعمل البلدية على مشاريع عدّة في ظلّ غياب الدولة، إذ تسعى البلديات جاهدةً لتأمين الأموال من أجل تمويل هذه المشاريع الأساسية.

ومن أهمّ المشاريع التي أنجزتها البلدية في عيناتا: تأهيل شبكة الطرقات العامة، إنارة الطرقات، إنشاء مركز ثقافي ـ رياضي، إعادة تأهيل بركة تجميع مياه الأمطار، تشجير البلدة بشكل شبه كامل، إنشاء محمية جديدة 10452 شجرة حتّى اليوم ، مشروع آخر وهو تشجير 1500 شجرة صنوبر مثمرة لخلق جوّ بيئيّ جميل، إنجاز مشروع هامّ في الكهرباء منذ عام 2007، وقدّمت هبات من الجمهورية الإسلامية الإيرانية وبعض الجمعيات».

وعن المشاكل يقول: «تواجه البلدية مشاكل عدّة مالية في غالبيتها ككلّ البلديات، منذ عام 2013 لم تقبض بلدية عيناتا من الصندوق البلدي المستقل، وتعتمد البلدية والجباية، مشاكل النفايات مأسوية لأن البلدية لا تملك معامل للفرز ولا مكان للصرف الصحي، البلدية لا تملك قصراً بلدياً مقرّها في المدرسة ، محاولين تلبية حاجات الناس الأساسية مع تأجيل بناء القصر البلدي».

وعن المشاريع المستقبلية يقول: «ثمّة مشروع يتعلّق بالتراث، وهو بالتعاون مع مجلس الجنوب، كما أنشأت البلدية مركزاً حِرفياً بيت الضيعة للمونة والحِرف ، وسيستقطب المركز كل الصناعات والمنتوجات البلدية من منازل الناس، لتشجيع الحركة الاقتصادية تعليم خياطة، تصنيع غذائي . كما أنّ البلدية موعودة بمشروع الليطاني بعد أربع سنوات، مشروع مياه الريّ للزراعة».

ويضيف خنافر: «تكرّم البلدية كل سنة الطلّاب، وتنظّم عدة احتفالات ومناسبات وطنية ودينية، احتفالات شعرية في عيناتا عدد كبير من الشعراء ، وكرّمت هذه السنة حوالى أربعة وعشرين إعلامياً في احتفال مميز ورائع، منهم: زاهي وهبي، مريم البسام، حسين أيوب…».

ختاماً، شكر رئيس البلدية «البناء» و«صوت الفرح» على هذا الجهد والعمل والنشاط، معتبراً أن صوتهم يصل عبر الإعلام فقط، وعبر الإعلام تُطرَح مشاكلهم ليكونوا أقرب إلى الناس، فالإعلام اليوم هو كل شيء، والحرب اليوم هي حرب إعلامية. وأكدّ أنه مهما تحّدث عن عيناتا يبقى مقصراً، ووجه تحيّة إلى كل أبناء البلدة والمغتربين، وناشدهم أن يكونوا إلى جانب البلدية سواء بآرائهم أو مبادراتهم، لأن البلديّة لهم وهم لها.

تصوير: محمد أبو سالم

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى