«انكشاريون» في خدمة أسيادهم
شبلي بدر
لم يعد القلق يساور الغرب ومجمل القارة العجوز على أمن «إسرائيل»، وباتت جميع الدول الداعمة لها تشعر باطمئنان حيال استمرار الدولة المسخ في أداء دورها القذر المرسوم لها، ذلك لأنّ حضور «العرب» لم يعد يهدّد «إسرائيل»، بل إنّ الخوف الآن أصبح من غياب «العرب» إنْ هم غابوا غابت «إسرائيل».
في البدايات اقترب العرب والبعض من رجالاتهم المناضلين من المسألة الفلسطينية وعملوا على تقديسها، لأنها هي كذلك بالفعل، لكن تكاوين المستعربين الذاتية أسقطت كلّ ارتفاع لها، وأحلَّت مكانها تمييعاً غير مسبوق للجهود الآيلة إلى الارتقاء بقدسية قضيتها إلى ما تستحقه من نضال وعرق ودماء لنصرتها والدفاع عن أحقية أهل الأرض بأرضهم، خدمة مدفوعة الأجر لمشاريع الهيمنة الصهيونية والأميركية المعرَّبة بالذهب الأسود، يستخدم في تغييب القضايا المحقة للشعوب والمجتمعات العربية، التي ما زالت تعاني من الإفقار والتجهيل المتعمّدين، ليبقى أصحاب خزائن الذهب الأصفر والأسود متسلّطين على رقاب رعاياهم، الذين لم يرتقوا بعد في نظرهم، إلى مواطنين لهم الحق في العيش الكريم والحياة التي تليق بالبشر.
لو كانت الأراضي العربية المغتصبة في نظر «الانكشاريين الجدد» مسألة محقة ومقدسة، لما بقيت حتى هذا التاريخ رازحة تحت ظلم وقهر الاغتصاب، لكن المدَّعين أنهم عرب، ظهروا على حقيقتهم المخزية، إنهم ليسوا إلا انكشاريين جدداً عند أسيادهم الغربيين وألعوبة في أيدي الصهاينة وتجار الهياكل اليهودية، ولم تكن يوماَ فلسطين أو أيّ أرض عربية مغتصبة مصدر قداسة وفرح ووجود لهم، لذلك لم يجتمعوا يوماً على نصرتها لأنها كانت وما زالت مصدر قلق على عروشهم وتهديداً لمصالحهم الخاصة، التي تشكل تهديداً مباشراً أيضاً لمصالح أسيادهم ومشغليهم في آونة معاً.
يخوض «الانكشاريون الأعراب» اليوم حرباً قذرة بالإنابة عن أسيادهم، على دولة كانت جنة يضرب بها المثل، ولو أرادوا لحوّلوها إلى حرب تحرير للقدس ولكلّ فلسطين، وهم قادرون لو صفت نواياهم ومقاصدهم على ذلك، لكنهم حوّلوا البوصلة وغيّروا مسار الصراع مع «إسرائيل» لتدمير واغتيال شعب عربي يدافع عن كرامته وتحريره من قيود الهيمنة، واستبدلوا العدو المجرم والمغتصب بابتداع «عدو» آخر، فقط لأنه وقف مع المقاومة بكلّ تلاوينها ولم يبخل بأية مساعدة لتحقيق انتصارها.
من نكد الدنيا أن ترى أشباه الرجال يعيثون في الأرض فساداً ويعتلون منابر الإعلام، يوزعون شهادات حسن السلوك على أتباعهم مرفقة بـ«حبة مسك» تطيب أنفاسهم المسمومة، وببعض «المكرُمات» التي تحوِّل الباطل إلى حق، انكشاريون في كلّ مكان، يشبهون إلى حدّ كبير عامل نول الحياكة الأعمى الذي يرسم «الفتوحات العربية» على القماش ولن يراها أبداً تستعاد على أرض الصراع مع «إسرائيل» لأنها أضغاث أحلام، إذ لم يكن يوماً للعبد والمأجور أنَفَة السيد المقاوم وطموحه، فالمقاوم والمناضل مشروع شهادة من أجل قضية تساوي كلّ الوجود، والعبد الذي يعدو لأجل صاحبه سيفشل حتماً وسيمرَّغ في أوحال الفشل الذريع، مهما دافع عنه تجَّار السياسة المخضرمون.
ليعد العقلاء من الأعراب، إذا وجدوا، إلى قراءة التاريخ ليعلموا كيف كانت نهاية الانكشاريين في زمن الامبراطوريات الظلامية، وإلا هم والهزيمة الحتمية على موعد قريب.