لماذا لم تسقط روسيا قرار مجلس الأمن ضدّ اليمن؟
حميدي العبدالله
صوّت مجلس الأمن بأغلبية 14 دولة وامتناع روسيا عن التصويت على قرار جائر ومنحاز سعت إليه الدول الخليجية بالدرجة الأولى، ودعمتها حكومات الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة. لا شك أنّ الكثيرين سوف يصوّرون الموقف الروسي على أنه نوع من أنواع التواطؤ، وربما يذهب البعض بعيداً ويستنتج أنّ موقف روسيا تمّ دفع مقابله عداً ونقداً من الحكومات الخليجية التي اعتادت شراء المواقف بالمال.
لكن ليست هذه هي الحقيقة، فروسيا لم توافق على القرار ولم تصوّت إلى جانبه. والأرجح أنّ حسابات موسكو انطلقت من تقديرات مفادها أنّ موسكو بعدم تصويتها على القرار أكدت عدم موافقتها على نصّه الذي اعتمد، وهذا ما أشار إليه بصراحة مندوب روسيا الدائم في الأمم المتحدة. ولكن في المقابل ترى روسيا أنّ اليمن تملك من القوة ما يمكنها من تمريغ أنف السعودية وكلّ الدول المشاركة لها في العدوان في التراب اليمني، فليس من مصلحة روسيا خوض معركة سياسية وديبلوماسية مبكرة تزيد توتر علاقاتها مع الغرب، لا سيما أنّ لديها قناعة أنّ الغرب غير متحمّس لهذه الحرب، وهو يستنزف وحلفاؤه من دول الخليج في هذه الحرب، بل أكثر من ذلك أنّ روسيا قد يكون لديها حسابات بأنّ التورّط في اليمن، وما يترتب عليه من استنزاف قد يعجّل في جعل دول المنطقة، ولا سيما المملكة العربية السعودية أكثر مرونة في التعامل مع أزمات المنطقة الأخرى. فالسعودية كانت مشاغباًً مستمراً على السعي الذي بذلته موسكو لإيجاد حلول سياسية للأزمة السورية، وقامت بتعطيل مساعي موسكو. كما أنّ الحكومات الغربية، لا تزال تجد أنّ لديها فائضاً من القوة المالية والسياسية وحتى العسكرية تستخدمها بالوكالة لزيادة حدة التوتر في مناطق مختلفة من العالم، ولا سيما في منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي من مصلحة موسكو دفع هذه الحكومات نحو الواقعية بعد إفلاس رهاناتها على القوة، واعتماد الحلول السياسية، بل إنه من غير المستبعد أن يرد في حسابات موسكو ترك السعودية تنزلق أكثر إلى مستنقع اليمن لاستهلاك فائض قوة شبابها الذي صدّرته حكومة المملكة أول ما صدّرته إلى روسيا وتحديداً إلى الشيشان، ويمكن أن تعود إلى تصدير هذا الفائض من جديد إلى أيّ منطقة روسية في القفقاس.
كلّ هذه الحسابات قد تكون خطرت في بال الديبلوماسية الروسية عندما اكتفت بالامتناع عن التصويت ولم تستخدم حق الفيتو.