ليبيا… بين «الحمائم» و«الصقور»!
نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية تقريراً مطوّلاً عن الصراع في ليبيا، تحت عنوان «انهيار ليبيا… تعالي الدعوات للفصائل المتناحرة للقدوم إلى منتصف الطريق». وأوضحت أن الفصائل الليبية اختارت القتال بدلاً من تقديم تنازلات متبادلة في ما بينها لملء الفراغ الذي تركه سقوط العقيد معمّر القذافي.
وأضافت الصحيفة أنه في نهاية المطاف ـ وبعد أربع سنوات ـ انقسم الفرقاء إلى مليشيات متحاربة، وأقاموا «دولاً في المدن»، ويعتقد كل فريق منهم أن الأمل الوحيد للبلاد للخروج من أزمتها، تحقيقه انتصاراً عسكرياً على الطرف المقابل.
لكن الميليشيات أبرزت أن عدداً متزايداً من السياسيين، على جانبَي الصراع، أصبحوا يرون في تهديدات تنظيم «داعش»، إضافة إلى الانهيار الوشيك للاقتصاد، دافعاً لليبيين للبحث عن حلول للخروج من هذه الدوامة.
وأجرت «نيويورك تايمز» سلسلة من المقابلات في خمس مدن ليبية على جانبَي المعركة، إذ ظهر أن بعض الزعماء السياسيين يحاولون للمرّة الأولى، وبشكل جدّي، عكس هذا الاتجاه. داعين إلى مفاوضات غير مشروطة وتقديم تنازلات متبادلة.
ويعتقد بعض هؤلاء السياسيين أن المليشيات المتقاتلة في أماكن عدّة في أنحاء البلاد قوية، ولا يستطيع أحد أن يحقق الانتصار على الآخر. «لذلك، لا نملك سوى طريقة واحدة يمكننا البقاء فيها على قيد الحياة، وهي تشكيل حكومة وحدة وطنية».
ونقل التقرير أنّ نواباً في كلا الجانبين مستعدّون لتقديم تنازلات من أجل إنقاذ الناس من البؤس الذي يعيشونه.
وتقول الصحيفة إن جهود مثل هذه الشخصيات تعطي بصيص أمل لمحادثات المصالحة، التي ترعاها الأمم المتحدة وتجرى الآن في الجزائر، لكنها لا تزال تواجه خلافات متشعبة، بسبب وجود متطرّفين في كلا الجانبين، ينفرون من أيّ حلّ وسط، بسبب طموحاتهم الشخصية، وعدم وجود ثقة متبادلة.
وتواصل أنه مقابل من وصفتهم بـ«الحمائم»، الذين يواصلون التحذير من كارثة وشيكة، لا يزال ـ من وصفتهم بـ«الصقور» ـ يقللون من حجم هذه التهديدات، ويصرّون على أن النصر العسكري هو الحل الوحيد الدائم.
وقالت الصحيفة أيضاً إن بعض «الصقور» يرون أن الأمر ربما يستغرق بعض الوقت، «لكن في النهاية، من يكسب الحرب سيكون هو الفائز». وأضافت أنهم يعتقدون أن التقارير عن نمو تنظيم «داعش» في ليبيا مجرد «دعاية».
أما الوضع الاقتصادي، فيرون أنه سيّئ ولكنه ليس كارثياً. كما يتهم بعضهم ممثل الأمم المتحدة ـ الذي يقود المحادثات ـ بأنه جعل الأمور أسوأ من ذي قبل، من خلال استبعاد شخصيات مثلهم ترى أن الصراع الداخلي هو معركة وجودية.
لكن الصحيفة أوضحت أن رؤساء المجالس المدنية والعسكرية في بعض المدن يدعمون محادثات الوحدة، بسبب التعب من المعارك والشعور بالأخطار المتنامية، إذ أقروا بأنهم ليسوا متّحدين كما كانوا من قبل، وأن بعض الناس تعبوا من المعارك.
وتقول الصحيفة إن الصراع أسفر عن مقتل أكثر من 2800 ليبي، وشرّد نحو أربعمئة ألف وفق تقرير الأمم المتحدة، ودُمّر المطاران الرئيسان، وأحياء كبيرة من المدن مع تعطيل البنى التحتية للنفط والطاقة وخطوط الغاز وانقطاع الكهرباء.
وعلى الصعيد الاقتصادي، تواصل الفصائل السحب من البنك المركزي نفسه لتغطية الرواتب على نحو متزايد، وفي كثير من الأحيان لا تظهر الوظائف أو الموازنات المبالَغ فيها للمليشيات.
ونقلت الصحيفة عن مصباح الكاري ـ مدير قسم الاحتياطيات في مصرف ليبيا المركزي ـ أن تكاليف الأجور العامة ارتفعت إلى 24 مليار دولار عام 2014، أي نحو ثلاثة أضعاف ما قبل الثورة ضدّ القذافي.
وأضاف الكاري أن البلاد يمكن أن تسجّل عجزاً قدره أكثر من أربعين مليار دولار عام 2015، إضافة إلى النقص المتسارع في احتياطيات النقد الأجنبية، التي تصل إلى نحو تسعين ملياراً، وفقاً لأرقام البنك المركزي.
وقال أيضاً إن العملة قد تنهار في أقل من سنتين، ولكن عدداً من السياسيين الليبيين لا يزالون يعتقدون أن ليبيا غنية، ولا يمكن أن تنهار.
أما في مدينة سرت، فيسلّط تقرير «نيويورك تايمز» الضوء على المقاتلين الذين أعلنوا الولاء لتنظيم «داعش»، إضافة إلى وجودهم في درنة، كما أنهم أعلنوا مسؤوليتهم عن عدد من الهجمات في مصراتة وطرابلس، إضافة إلى قطع رؤوس مجموعة من المسيحيين المصريين.
ونقلت الصحيفة عن زعماء في الحكومتين أن حربهم الحالية هي ضد التطرّف، لكن عدداً متزايداً من النواب في برلمانها يجادل الآن بأن حكومة الوحدة هي السبيل الوحيد لهزيمته.
كما يرى نواب آخرون أن أيّاً من الطرفين لا يمكن أن يفوز في المعركة ضدّ الإرهاب، وقالوا: «من دون حكومة وحدة وقائد واحد، سيكون لدينا دول المدن وسيناريو الصومال».
وختمت «نيويورك تايمز» تقريرها بكلام لأحد المصرفيين قال فيه إنه ينتظر أن تصل ليبيا إلى الحضيض، لكنه قال: «أعتقد أن ذلك سيكون بعد أن تُحرَق تماماً».