ماذا ربحت السعودية من المغامرة؟
ناصر قنديل
يجدر بالنخب السعودية المتابعة للشأن العام والتي تتجنّد لخوض حرب إعلامية دفاعاً عن قرار الحرب على اليمن، أن تتوقف ولو قليلاً للتساؤل في منتصف الأسبوع الثالث من الحرب عن النتائج التي حققتها، بعيداً عن المكابرة، التي عبّر من خلالها السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير عن تعال على الحقائق، بالاكتفاء على طريقة الناطق بلسان القوات الأميركية في العراق قبل الاعتراف بالفشل، من أنّ الحملة حققت أهدافها.
التوقف والتقييم أمران تجريهما الدول والجيوش في قلب الأحداث الكبرى، التي لا تواصلها وفقاً لما هو مرسوم كما قال الجبير، بل تعدّل خططها عشرات المرات وفقاً للمتغيّرات، والحروب الفاشلة وحدها تستمرّ وفقاً للخطط المرسومة، والحروب الخاسرة وحدها تفترض في القرن الواحد والعشرين نصراً حاسماً، فسقف ما تنتجه الحرب هو فرض الموقع التفاوضي ومن ثم تعزيز هذا الموقع، وصولاً عبر الانفتاح على كلّ مسعى يفتح باب الحلول السياسية لصرف الرصيد المتجمّع من الحرب إذا كان إيجابياً، ومحاولة تخفيف الخسائر إذا كان رصيد الحرب سلبياً.
يفترض أن تتساءل النخب السعودية القريبة من مركز صنع القرار، في أول حرب جدية تخوضها السعودية بجيشها، هل تورّطت في حرب لا أفق لنصر حاسم فيها أم لا؟ هل يشكل انسحاب باكستان وتركيا بعد مشاركتهما علامة على أن هناك من سهّل التوريط أبعد منهما، وينتظر الأيام الآتية لتأتيه السعودية تطلب المعونة لإيجاد استراتيجية خروج من الحرب؟ فلو كانت أميركا فعلاً مع السعودية في هذه الحرب هل كانت باكستان تنسحب، وهل كان الرئيس التركي الذي لوّح بإلغاء زيارته إلى إيران يلغي الإلغاء ويذهب، ليعلن من طهران السعي إلى حلّ سياسي للأزمة اليمنية بالتعاون مع إيران؟
يفترض أن تتساءل النخب السعودية، هل الحصول على قرار من مجلس الأمن الدولي، وفقاً للفصل السابع، يشكل تحوّلاً في مسار الحرب السعودية، وماذا سيضيف لحرب لم تنجح في أسبوعها الثالث بأكثر مما حققته في اليوم الأول، وهو حجز المقعد التفاوضي للسعودي المحجوز أصلاً، والذي ينخفض رصيد أوراقه مع كلّ يوم إضافي في الحرب، طالما لا قدرة على غزو اليمن، ولو توافرت فلن يكون نصيبها أحسن من غزو العراق، فماذا سيفعل القرار غير وضع السعودية في حال العراء من أيّ عذر للفشل، وتعزيز لموقع الورطة؟
في مساحة الفراغ التي تتحرك فيها السعودية، يفترض أن يكون هناك من يقول، إنً الإعلان الإيراني عن عناوين لحلّ سياسي نقطة إيجابية وسط بحر التوريط، فإيران التي تفادت الانزلاق للحرب، مع السعودية ونجحت في الفوز بالتفاهم على ملفها النووي مع دول الغرب، تستطيع أن تكتفي بالشماتة بالحالة السعودية، وتصفق للتورّط وتساهم في تعميقه، فيمكن لوزير الخارجية الإيرانية، بدل إعلان الاستعداد للمساهمة في حلّ سياسي للأزمة اليمنية، أن يقول: «إنّ مستقبل السعودية على المحك وإنّ نصرها المستحيل في اليمن يرسم تساؤلات مشروعة حول مستقبل الاستقرار في الخليج في ضوء غموض مصير العرش والعائلة الحاكمة»، لتشتعل الحماسة لمزيد من التورّط السعودي في الحرب، بينما الكلام الإيراني العاقل والهادئ، يبدو وحده موقفاً حريصاً على مدّ حبل النجاة، ليقين أنّ بديل الشراكة السعودية بصيغتها نفسها في إدارة الشؤون الخليجية هي فوضى عارمة ستكون لإيران منها مكاسب صغيرة هنا وهناك، لكن الخسائر ستكون أكبر بانهيار الاستقرار الإقليمي وانفتاح مستقبل البلد الذي يختزن أهمّ ثروة نفطية في العالم وينتج يومياً عشرة ملايين برميل منه، على المجهول.
باكستان وتركيا وإيران، ثلاث دول إسلامية كبرى تلتقي تحت عنوان البحث عن حلّ سياسي للأزمة اليمنية، والسعودية تبحث عمن يصفّق لحربها، فيصفق تجار السلاح الغربيون ويفتحون دفاتر حساباتهم، ويصفق تجار الطائفية والحروب الأهلية ودعاة الفوضى والتقسيم، ويصير السؤال، إذا كان السعوديون يريدون جائزة ترضية للخروج من الحرب عنوانها تسليمهم اليمن واستسلام الحوثيين فعليهم من اليوم، غزو اليمن برياً، واحتلاله بالقوة، حالهم كحالهم مع سورية هم وتركيا و«إسرائيل»، من دون دخول دمشق وصنعاء، ستكون حروب استنزاف يقدرون على تمويلها وتسليحها، وإيجاد مرتزقة ومجانين وأغبياء يخوضونها، لكن لن يكون لهم حلم تحقيق النصر فيها. والسؤال هو عندما يكون الثمن من استقرار السعودية نفسها وأمن «إسرائيل» نفسها، لماذا يمكن الخيار التركي بالتموضع البارد، ويصعب على السعودية الانفتاح على مرحلة ما بعد التفاهم النهائي للغرب مع إيران الذي يبدو حتمياً، بدلاً من الوقوف على خط الخسارة الكاملة إذا استحال الربح الكامل، لماذا يجب أن يكون حال السعودية كما هي حال «إسرائيل»؟